موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


شاء الله من العامّة لا تغشاه إلا كالسحاب المظلم وإذا غشيت أهل الله لا تغشاهم إلا وهي أنوارٌ على هيئتها.[1]

ولعلّ هذه الأنوار التي يتكلّم عنها الشيخ محي الدين هنا هي ما يتناقله بعض العلماء الذين يدرسون ما أصبح يعرف الآن بعلم الباراسيكولوجيا وهي علم ما وراء النفس حيث يدّعي بعضهم أنه يمكن أن يرى هالة حول الجسم وخاصة الرأس يكون لها شكل ولون معيّن يتعلّق بالحالة النفسية والروحية لهذا الشخص.

لقاؤه مع ابن رشد (~ 580/1184)

عندما سمع ابن رشد بمنزلة محمد وعلومه وما فتح الله به عليه في خلوته تعجّب كثيرا وطلب من والده أن يأتيه به وكان حينئذ قاضي قرطبة وأبو محمد كان من أصدقائه المقربين. ولما كان محمد في ذلك الوقت معتزلا عن الناس ولا يدخل نفسه في الجدالات الفقهية والفلسفية التي كانت شائعة بين العلماء، فقد احتال عليه أبوه حتى يرتّب لقاءه مع ابن رشد فأرسله إليه بحاجة مصطنعة، ولكن محمدا الذي كان ما يزال بعدُ صبيا ما بقُل وجهُه ولا طرّ شاربه لم يكن ليرفض طلباً لأبيه، مع أنه عرف سبب الزيارة. فلمّا دخل على القاضي أبي الوليد بن رشد قام أبو الوليد من مكانه محبّة وإعظاما لمحمّد فعانقه وقال متسائلاً: "نعم؟" فردّ محمد قائلا: "نعم!"، فزاد فرحه به لفهمه عنه. ولكن محمدا لما استشعر ما أفرح القاضي قال له مستطرداً: "لله لا!"، فانقبض أبو الوليد وتغيّر لونه وشك فيما عنده من العلم، ثم سأله: "كيف وجدتم الأمر في الكشف والفيض الإلهيّ هل هو ما أعطاه لنا النظر؟" فأجاب محمد: "نعم ... لا، وبين ’نعم و’ل تطير الأرواح من موادّها والأعناق من أجسادها". فاصفرّ لون ابن رشد وأخذه الأفكل[2] وقعد وهو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، بعد أن عرف ما أشار به إليه محمد.

ومع أننا لا نعلم بالتحديد متى كان هذا اللقاء بين ابن العربي وابن رشد، ولكن أغلب الظن أنه تم خلال سنة 580/1184 أو بعدها بقليل، فلا بدّ أن يكون بعد دخول الشيخ محي الدين لطريق التصوف، رغم أن بعض الباحثين يُرجع ذلك إلى ما قبل سنة 580/1184، وربما في حدود سنة 578/1182، كما ذكرنا في الفصل الأول.

ويبدو أن ما أشار به الشيخ الأكبر للقاضي ابن رشد بهذه العبارات الرمزيّة المختصرة ينبع من العبارة التي قالها له قبل ذلك شيخُه يوسف الكومي كما ذكرنا أعلاه والتي يعتمد عليها ابن العربي بشكل كبير في تأسيس رؤيته للخلق وعلاقتهم مع الخالق سبحانه. وهذه الرؤية هي التي تُعرف باسم الخيال الخلاّق أو أن الخلق موجودٌ في عالم البرزخ يتأرجحون بين الوجود الحقّ والعدم المحض. وهذا بالتحديد معنى جواب ابن العربي لابن رشد بكلمة نعم ولا، وأن بين ’نعم و’ل تطير الأرواح من أجسادها. ويقول



[1] الفتوحات المكية: ج2ص488.

[2] الأفكل هو الرعدة أو الرعشة التي تصيب المرء عند البرد أو الخوف.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!