موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


نومه أنهم كانوا في بيتٍ شديدٍ الظلمة وليس لهم من النور سوى ما ينبعث من ذواتهم فكانت الأنوار تنفهق من أجسامهم فيضيؤون بها، فدخل عليهم شخص من أحسن الناس وجها ومنطقا، فقال: أنا رسول الحق إليكم، فقال له الشيخ محي الدين (في النوم) فما جئت به في رسالتك؟ فقال:اعلموا أن الخير في الوجود والشرّ في العدم، أوجد الإنسان بجوده، وجعله واجداً ينافي وجوده، تخلّق بأسمائه وصفاته، وفني عنها بمشاهدة ذاته، فرأى نفسه بنفسه، وعاد العدد على أسّه، فكان هو ولا أنت.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الرؤية تأصّلت عند ابن العربي وأصبحت أساساً في مذهبه الصوفي والمعرفي، فابن العربي يرى أنه في الحقيقة ليس هناك شرّ في الوجود، بل الوجود كلّه خير والشرّ في العدم فقط؛ فالوجود الحق نورٌ محضٌ والعدم المطلق باطلٌ محضٌ، والوجود المشهود الذي نعيش به هو مزيجٌ من الوجود الحق والعدم المحض، أو بكلام آخر هو الظهور النسبي للوجود الحق الذي هو النور الحق المبين. فالشرّ الذي نشهده ليس له وجود قائم بنفسه بل هو في الحقيقة عدمُ ظهور الحق.

وهذا الكلام ينطبق أيضاً في العالم الطبيعي على النور والظلمة والألوان التي نشهدها في العالم؛ فالظلمة هي لا شيء فهي عدم محض، والنور المطلق هو الوجود الحق، والصور (ذات الألوان) التي نراها هي مزيج بين النور والظلمة، أو هي الظهور النسبي للنور. فمن المعروف في العلم أن اللون الأسود هو في الحقيقة انعدام النور وليس هناك ضوء أسود في حين أن هناك ضوء أحمر وأزرق وأصفر وأما الضوء الأبيض فهو مجموع كل هذه الألوان في حين أن الضوء الأسود هو انعدامها. فالظلمة هي العدم المحض والوجود الحق هو النور المحض وهو الله سبحانه وتعالى الذي يقول في سورة النور ((اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... [35]))، ويقول أيضاً في سورة الحديد ((هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [3]))، فليس في العالم على الحقيقة غير الخير، والشرّ ما هو إلا امتناع ظهور الخير.

تأويل الرؤى (القاهرة، 603/1207)

ويقول الشيخ محي الدين أنه أخبر الجماعة بهذه الواقعة فسُرّوا بها وشكروا الله. ثم بعد ذلك وضع الشيخ رأسه في عبّه فنظم في نفسه أبياتا في المعرفة، ونام أصحابه، واستيقظ منهم عبد الله الموروري وناداه: يا أبا عبد الله! فلم يجبه الشيخ محي الدين، وتظاهر كأنه نائما، فقال له: ما أنت بنائم، أنت تعمل شعراً في معرفة الله وتوحيده. فرفع الشيخ رأسه وقال له: من أين لك هذا؟ فقال عبد الله الموروري: رأيتك تعقد شبكة رفيعة، فأوّلت الخيوط الرفيعة التي تعقدها شبكة معاني مفرّقة تجمعها وكلاماً منثوراً تنظمه، فقلت هذا يعمل شعراً، فقال له الشيخ محي الدين: صدقت، فمن أين عرفت أنه في معرفة الله وتوحيده؟ قال: قلت الشبكة لا يُصاد بها إلا ذو روح حيّ عزيز المأخذ، فلم أجد شعراً فيه روح وحياة وعزّة إلا فيما يتعلق بالله تعالى. فيقول الشيخ محي الدين حين يذكر ذلك في محاضرة الأبرار: فكان تأويل رؤياه عجيب أعجب إلينا



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!