موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


مجانين دمشق

في الباب الرابع والأربعين من الفتوحات المكية[1] تكلم الشيخ رضي الله عنه بإسهاب عن البهاليل وهم الذين يُطلق عليهم اسم عقلاء المجانين الذين لم يكن جنونهم بسبب خلل عضوي بل كان جنونهم بسبب أمرٍ ورد عليهم من الله تعالى فجأة فهاموا فيه وحجب عقولهم عن عالم الشهادة فأصبحوا يدبرون أجسامهم بروحهم الحيواني فيأكلون ويشربون ويتصرفون في ضروراته الحيوانية ويصرفونه مثل تصرف الحيوان المفطور على العلم بمنافعه المحسوسة ومضارّه من غير تدبير ولا روية ولا فكر، وهم ينطقون بالحكمة ولا علم لهم بها، ولا يقصدون نفعك بها لتتّعظ وتتذكّر أن الأمور ليست بيدك وأنك عبدٌ مُصرَّفٌ بتصريف حكيم. وقد سقط التكليف عن هؤلاء المجانين إذ ليس لهم عقول يَقبلون بها ولا يفقهون بها، تراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون، خذ العفو؛ أي القليل مما يُجري الله على ألسنتهم من الحكم والمواعظ.

فهؤلاء هم عقلاء المجانين لأن جنونهم ما كان سببه فساد مزاج عن أمرٍ كوني من غذاء أو جوع أو غير ذلك وإنما كان عن تجلّ إلهي لقلوبهم وفجأة من فجآت الحق فجأتهم فذهبت بعقولهم، فعقولهم محبوسة عنده منعّمة بشهوده عاكفة في حضرته متنزّهة في جماله؛ فهم أصحاب عقول بلا عقول، وعُرفوا في الظاهر بالمجانين أي المستورين عن تدبير عقولهم فلهذا سموا عقلاء المجانين.

ثم روى الشيخ الأكبر رضي الله عنه عن أبي السعود بن الشبل البغدادي عاقل زمانه أنه رضي الله عنه سئل: "ما تقول في عقلاء المجانين من أهل الله؟"، فقال: هم ملاح والعقلاء منهم أملح! قيل له فبماذا نعرف مجانين الحق من غيرهم، فقال: مجانين الحق تظهر عليهم آثار القدرة والعقلاء يشهد الحق بشهودهم. نقل ذلك الخبر للشيخ الأكبر أبو البدر التماسكي صاحب أبي السعود.

حوار مع معتوه

روى الشيخ محي الدين رضي الله عنه ما شهده من بعض هؤلاء العقلاء المجانين وعاشرهم واقتبس منهم فوائد كثيرة؛ فمرة رأى واحداً منهم والناس قد اجتمعوا عليه وهو ينظر إليهم وهو يقول لهم: أطيعوا الله يا مساكين فإنكم من طين خلقتم وأخاف عليكم أن تطبخ النار هذه الأواني فتردّها فخاراً، فهل رأيتم قط آنية من طين تكون فخاراً من غير أن تطبخها نار، يا مساكين لا يغرنّكم إبليس بكونه يدخل النار معكم وتقولون له يقول الله تعالى (لأملأنّ جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين)، فإبليس خلقه الله من نار فهو يرجع إلى أصله وأنتم من طين تتحكم النار في مفاصلكم. يا مساكين انظروا إلى إشارة الحق في خطابه لإبليس بقوله تعالى (لأملأن جهنم منك) وهنا قف ولا تقرأ ما بعدها! فقال له: جهنم منك! وهو قوله تعالى (خلق الجانّ من مارج من نار)، فمن دخل بيته وجاء إلى داره واجتمع بأهله ما هو مثل الغريب الوارد



[1] الفتوحات المكية: ج1ص247-249.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!