موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


فلنذكر هنا القصة كاملة.

يقول الشيخ محي الدين في الباب التاسع والأربعين أثناء حديثه عن الأنصار ونصرتهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما اشتدّ كربه حيث قال:"إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن"،[1] فقال الشيخ محي الدين إنه كان عندهم بدمشق رجل من أهل الفضل والأدب والدين يقال له يحيى بن الأخفس من أهل مراكش كان أبوه يدرّس العربية بها؛ فكتب إليه يوما من منزله بدمشق حيث كان الشيخ محي الدين مقيماً بها يقول له في كتابه: يا ولي رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (في المنام) البارحة بجامع دمشق (الأموي) وقد نزل بمقصورة الخطابة إلى جانب خزانة المصحف المنسوب إلى عثمان رضي الله عنه والناس يهرعون إليه ويدخلون عليه يبايعونه، فبقيت واقفاً حتى خفّ الناس فدخلت عليه وأخذت يده فقال لي: هل تعرف محمداً؟ قلت له: ابن العربي؟ قلت له: نعم أعرفه؟ فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنّا قد أمرناه بأمرٍ فقل له يقول لك رسول الله انهض لما أُمرت به، واصحبه أنت فإنك تنتفع بصحبته، وقل له: يقول لك رسول الله امتدح الأنصار ولتعيّن منهم "سعد بن عبادة" ولا بدّ. ثم استدعى بحسان بن ثابت فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا حسان حفّظه بيتاً يوصله إلى محمد ابن العربي يبني عليه وينسج على منواله في العروض والرويّ. فقال حسان: يا يحيى خذ إليك، وأنشده بيتاً وهو:

شغف السهاد بمقلتي ومزاري

فعلى الدموع معوّلي ومشاري

فقال يحيى: وما زال يرددّه عليّ حتى حفظته، ثم قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا مدح الأنصار فاكتبه بخطٍ بيّنٍ واحمله ليلة الخميس إلى تربة هذا الذي تسمونه قبر الست (زينب) فستجد عندها شخصاً اسمه "حامد" فادفع إليه المديح.

فيقول الشيخ محي الدين: فلما أخبرني بذلك هذا الرائي وفّقه الله عملت القصيدة من وقتي من غير فكرة ولا رويّة ولا تثبّط ودفعت القصيدة إليه، فكتب إليّ أنه لما جاء قبرَ الست وصل إليه بعد العشاء الآخرة فرأى رجلاً عند القبر فقال له ابتداءً: أنت يحيى الذي جاء من عند ابن العربي؟ فقال له: نعم. قال: فأين القصيد الذي مدح به الأنصار عن أمرِ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال يحيى: هو ذا عندي. فناوله إياه، فقرّب من الشمعة ليقرأ القصيدة، فبدا كأنه لم يخبر ذلك الخط، فقال له: تأمرني أنشدتك إياها؟ قال: نعم. فأنشده إياها.

ثم ذكر الشيخ محي الدين القصيدة وهذا نصها:

قال ابن ثابتٍ الذي فخرتْ به
"شغف السهاد بمقلتي ومزاري
فلذا جعلت رويّه الراء التي
فأقول مبتدئا لطاعة أحمدٍ
إني امرؤ من جملة الأنصار
بسيوفهم قام الهدى وبهم علت
قاموا بنصر الهاشميّ محمّدٍ
صحبوا النبيّ بنيّة وعزائم
باعوا نفوسهمُ لنصرة دينه
عنهم كنى المختار بالنفَس الذي
لله آسادٌ لكلِّ كريهة
عزّوا بدين الله في إعزازهم
فيهم علا يوم القيامة مشهدي
لو أنني صُغت الكلام قلائدا
كرش النبيّ وعيبة لرسوله
رهبان ليلا يقرؤون كلامه

فِقَرُ الكلام ونشأةُ الأشعار:
فعلى الدموع معوّلي ومُشاري"
هي من حروف الردّ والتكرار
في مدح قوم سادة أبرار:
فإذا مدحتهمُ مدحت نجاري
أنواره في رأس كلّ منار
المصطفى المختار من مختار
فازوا بهنّ حميدةَ الآثار
ولذاك ما صحبوه بالإيثار
يأتيه من يمنٍ مع الأقدار[2]
نزلت بدين الله والأخيار
دين الهدى بالعسكر الجرّار
وبهم ترى يوم الورود فخاري
في مدحهم ما كنت بالمِكثار
لحقت بهم أعداؤه بتبار
آساد غابٍ في الوغى بنهار



[1] انظر في: المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار: المجلد الأول، كتاب قواعد العقائد، رقم 2.

[2] انظر في: المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار، للحافظ العراقي، بهامش كتاب الإحياء: إحياء علوم الدين، لأبي حامد بن محمد الغزالي، دار الفكر-بيروت، 1975، المجلد الأول، كتاب قواعد العقائد، رقم 2.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!