موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


إلى اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه."[1] فبشكل عام لقد انقسم الناس حول تركة الشيخ الأكبر إلى ثلاثة فرق: فرقة تذوّقت حلاوة المعرفة وصِدق الحديث الذي أتى به الشيخ في كتبه الكثيرة فوافق ذلك النورُ نورَ استعدادهم الفطري فنهض بهم إلى سلوك طريق الله تعالى رغبة في تحصيل بعض ما حصّله الشيخ رضي الله عنه نتيجة إحسانه وقربه من الله سبحانه، وفرقة لم تستطع أن تتذوق هذه العلوم بسبب اختلاف مشاربهم واعتلال مداركهم فأنكروه أشدّ الإنكار وحاربوه وكفّروه وكفّروا من يسير بدربه وهم بذلك على مراتب كثيرة كما سنرى، والفرقة الثالثة وهم أكثر الناس هم الذين لم يحالفهم الحظّ ولم يُقسم لهم نصيب في هذه الكنوز إما لأنهم لم يسمعوا بها أو لأنهم لم يهتموا بها لأنهم لم يدركوا قيمتها ولكنهم كذلك لم يخوضوا في التصدي لها بغير علم لا مصدّقين ولا مكذّبين.

وليس هذا التقسيم بغريب، فهو أنموذج عام لكل دعوة أو مذهب، فهذا هو ما حصل مثلا لدعوة النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم ولدين الإسلام إذا أخذناه على المستوى التاريخي والعالمي. فدائما هنالك المقربون وهناك أصحاب اليمين وهناك أصحاب الشمال. ولكن على الحقيقة فإنّ في كلِّ ذلك خيرٌ ورحمةٌ للجميع، وإنما تتفاوت الدرجات على جبل عرفات، فلا يصعد إلى القِمّة إلا من لديه الاستعداد الكافي والهمّة، وخيرٌ لمن لا يملك هذه الملكات أن لا يخوض في ذلك قبل أن يقوى عظمه ويشتد عوده. ولذلك، كما أسلفنا في مقدمة هذا الكتاب، فإن وجود أولئك الذين يُنكرون قدر الشيخ الأكبر وأمثاله من الصوفية المحققين إنما هو أمرٌ ضروريٌ ومفيدٌ في دين الإسلام، فنحن لا يمكن أن نتخيل أن يكون جميع المسلمون زهّاداً معرضين عن الدنيا ومتفرّغين للعبادة والقرب من الله تعالى، كما لا يمكن أن يكون الإسلام خالياً من هؤلاء الزهّاد. فطيف الشمس فيه من جميع الألوان وليس فقط الأبيض والأسود. وكذلك ليس بمقدور كلّ الناس أن يتحوّلوا إلى نور محض لا ظلمة فيه ولا مادة، فذلك طريق طويل ينطوي على الكثير من المخاطر والصعاب، والتصوّف دواءٌ لا يمكن أن يؤخذ شربة واحدة وإلا قتل. ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق."[2]

وبذلك فإن الذين يصدّون عن هذا الطريق يقومون على الحقيقة بدور فعّال لا غنى للإسلام عنه، وهم ربما يقصدون ذلك على هذا النحو وربما لا يقصدونه، وهم على كل حال مأجورين إن شاء الله تعالى، لولا أنهم كثيراً ما يبالغون ويكفّرون ويستعملون كلاماً لا يليق بالمسلمين، ولكن نرجو لهم حسن الجزاء من الله تعالى على حسن نيّاتهم وحسن نتائج أعمالهم، فهم إنما يصدون من لا يملك القدرة والاستعداد على خوض هذه البحار، وأما من رزقه الله هذه الملكات فإن أولئك لا يضرونه شيئاً بل لا يزيدونه إلا قوةً وتصميماً، وهو يدرك تماماً سبب رفض هؤلاء القوم لما جهلوه، والإنسان عدوّ ما يجهل، وهم لمّا يتذوقوا حلاوة اليقين، أمّا من ذاق فقد عرف، ومن عرف اغترف. ولذلك قال إبراهيم بن أدهم: "لو علم الملوك



[1] شذرات الذهب: ج5ص190.

[2] كنز العمال: رقم 5350.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!