موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


دعوى عدم وجوب شكر الله تعالى

وقد ادّعى ابن تيمية كذلك أن ابن العربي يقول إن الله سبحانه لا ينبغي أن يُشكر أو يُحمد أو يُعبد، لأنه سبحانه وتعالى ما فعل شيئا يستدعي ذلك! فهل يمكن لابن العربي أن يقول مثل هذا القول أم هو بهتان عظيم عليه! يقول ابن تيمية رحمه الله وغفر له:

والمتفلسفة، أرسطو وأتباعه، عندهم أنه (أي الله تعالى) لا يفعل شيئا ولا يريد شيئا ولا يعلم شيئا ولا يخلق شيئا، فعلى أي شيء يُشكر، أم على أي شيء يُحمد ويُعبد! والباطنية، باطنية الشيعة والمتصوفة كابن سبعين وابن العربي، هم في الباطن كذلك، بل يقولون: وجود المخلوق هو وجود الخالق فيجب أن يكون كل موجود عابدا لنفسه، شاكرا لنفسه، حامدا لنفسه.

وابن العربي يجعل الأعيان ثابتة في العدم، وقد صرّح بأن الله لم يعطِ أحدا شيئا، وأن جميع ما للعباد فهو منهم لا منه، وهو مفتقر إليهم لظهور وجوده في أعيانهم، وهم مفتقرون إليه لكون أعيانهم ظهرت في وجوده، فالرب إن ظهر فهو العبد، والعبد إن بطن فهو الرب. ولهذا قال: لا تحمد ولا تشكر إلا نفسك، فما في أحد من الله شيء، ولا في أحد من نفسه شيء، ولهذا قال: إنه يستحيل من العبد أن يدعوه، لأنه يشهد أحدية العين، فالداعي هو المدعو فكيف يدعو نفسه، وزعم أن هذا هو خلاصة غاية الغاية، فما بعد هذا شيء، وقال: فلا تطمع أن ترقى في أعلى من هذا الدرج، فما ثم شيء أصلا، وإن هذا إنما يعرفه خلاصة خلاصة خاصة الخاصة من أهل الله. فصرّح بأنه ليس بعد وجود المخلوقات وجود يَخلقُ ويَرزقُ ويُعبدُ.[1]

ثم قال في رده بعد ذلك، بعد أن كفّر وشتم واتّهم بالإلحاد:

والمقصود هنا قوله تعالى: ((وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ... [53])) [النحل]، وقوله عزّ وجلّ: ((وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ... [13])) [الجاثية]، فالأمر ضد ما قاله هؤلاء الملاحدة ابن العربي ونحوه، حيث قالوا: ما في أحد من الله شيء. فيقال لهم: بل كل ما بالخلق من نعمة فمن الله وحده.[2]

ويتضح من ذلك جليّا سوء فهمه لمقصود ابن العربي وكيف أنه لم يُعمل عقله للدخول إلى مفهوم الجملة العربية بل اقتصر على مفهومه العام السطحي الخاطئ، فابن العربي ما نكر نعمة الله على الخلق وأنه هو الخلاّق والرزّاق والمعبود والمُنعم، بل أكّد كل ذلك في جميع صفحات كتبه وهذا أمر لا يستدعي نقاشا. ولكنه رضي الله عنه ينزّه الله تعالى في هذه العبارة: "ما في أحد من الله شيء"، ولم يقل: "ما في أحد من نعمة الله شيء"، وذلك لأن الخلق هم العبيد والله هو وحده الإله، ومهما شعر بعض الناس بالألوهية نتيجة تملّكهم وتصرّفهم، فما ذلك لهم بالأصالة، فلو كان في أحد من الله شيئا لكان له حق في الألوهة، ولكن ليس



[1] ابن تيمية، "جامع الرسائل": ص104-105.

[2] ابن تيمية، "جامع الرسائل": ص107.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!