موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ففي تلك المدينة المنبسلة تلقّى محمد تعليمه على أيدي مشاهير العلماء والأدباء في ذلك الوقت، وفيها أيضاً قضى سنيّ شبابه. وفي إشبيلية بدأت شهرته تملأ الآفاق حيث كان يطلب جميع العلماء المعروفين ويدخل معهم في نقاشات واسعة معلّما أو متعلّما. وكثيرا ما كان مشاهير العلماء والفلاسفة يقصدونه ويطلبونه للتعلّم منه والتعرّف عليه كما حصل في لقائه الشهير مع الفيلسوف الشيخ ابن رشد، كما سنرى بعد قليل.

وكما رأينا في الفصل السابق فقد كان السلطان أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن (558/1163-580/1184) عالما فقيها يحبُّ الفلسفة وعلوم الدين ويُجلُّ العلماء ويقدّرهم حيث وفّر لهم الجوّ المناسب وكان يجالسهم ويحضر نقاشاتهم مثل ابن طفيل وابن رشد وابن زهر وغيرهم، واستمر هذا الوضع في فترة حكم ابنه المنصور يعقوب بن يوسف (580/1184-595/1199). وعلى الرغم من اجتناب الشيخ ابن العربي للسلطان وحاشيته، ولكن لا شك أن السلطان كان يحبّه ويجلّه وقد عرض عليه منصبا وأن يزوّج أختيه لبعض الأمراء الموحدين كما سنرى في الفصل الثالث، وكذلك كان محمد الناصر بن يعقوب المنصور (595/1199-611/1215) يتفاخر به وبشهرته بعد أن رحل إلى مكة لكونه نشأ في الأندلس، كما سنرى لاحقا في الفصل الخامس.

الأمان والصدق (قصته مع حمر الوحش)

بعد انتقالهم إلى إشبيلية خرج محمد ذات يوم في رحلة صيد مع والده وغلمانه في منطقة بين قرمونة[1] وبلمة بالقرب من إشبيلية وإذا بقطيع من حمر الوحش ترعى، وكان مولعا بصيدها. كان يسير مع حصانه وحده بعيدا عن الغلمان؛ ففكر في نفسه وجعل في قلبه أنه لا يريد أن يؤذي واحدا منها بصيد. ولمّا رآها حصانه هشّ إليها ولكنه مسكه عنها وهو يحمل رمحه بيده. ثم وصل إلى القطيع ودخل بينهم وربما مرّ سنان الرمح بأسنمة بعضها وهي ترعى؛ فما رفعت رأسها ولا خافت منه أبداً حتى اجتازها! ثم لمّا أعقبه الغلمان فرّت الحمر أمامهم من الخوف.[2]

ولم يعلم محمد وقتها تفسير ما حدث من مثل هذا التصرف الغريب الغير مألوف من قِبل حمر الوحش هذه، غير أنه أدرك في وقت لاحق أن الأمان الذي كان في نفسه تِجاههم سرى في نفوسهم فما عادوا يخافون منه. فأدرك أنه من أراد أن لا يخاف من أحد فلا يُخف أحداً، وإذا أمِن منك كلُّ شيء تأمن أنت من كل شيء، وأدرك أهمية الصدق وأثره حتى على الحيوان. كما أنه سيدرك لاحقا أنه ليس الإنسان



[1] وردت في معجم البلدان لياقوت الحموي (رقم 9554) قَرمُونيةُ: كورة بالأندلس يتصل عملُها بأعمال إشبيلية غربي قرطبة وشرقي إشبيلية قديمة البنيان عَصَتْ على عبد الرحمن بن محمد الأموي فنزل عليها بجنُوده حتى افتتحها وخربها ثم عادت إلى بعض ما كانت عليه وبينها وبين إشبيلية سبعة فراسخ وبين قرطبة اثنان وعشرون فرسخاً وأكثر ما يقول الناس قَرمونة.

[2] انظر رواية ابن العربي لهذه القصة في الفتوحات المكية ج4ص540.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!