موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


لأهلك؟" قال: "شطر مالي"، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "بينكما ما بين كلمتيكما". قال عمر: "فعلمت أني لا أسبق أبا بكر أبداً". والإنسان ينبغي أن يكون عالي الهمة يرغب في أعلى المراتب عند الله ويوفى كل مرتبة حقها؛ فلم يرد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي بكر شيئا من ماله تنبيهاً للحاضرين على ما علمه من صدق أبي بكر في ذلك، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد عَلم منه الرفق والرحمة فلو ردّ شيئا من ذلك عليه تطرق الاحتمال في حق أبي بكر أنه خطر له رفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعوّض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهل أبي بكر بما يقتضيه نظره صلّى الله عليه وسلّم. وجاءه عبد الرحمن بن عوف بجميع ماله فرده عليه كلّه وقال: "أمسك عليك مالك".[1]

محاسبة النفس وتقييد الخواطر في دفتر

إن التصوّف يعتمد كما رأينا بشكل أساسي على تصفية القلب وتزكية النفس، وهذا أمر ليس من السهولة بمكان بل يتطلّب الكثير من الجهد والمراقبة والمتابعة والشدّة. ومن ضمن الوسائل المتبعة لتزكية النفس ومراقبتها ومحاسبتها على أفعالها تقييد الخواطر التي تخطر على القلب حتى يستطيع الإنسان تقويم نفسه فيحارب الخواطر الضارّة ويثابر على الخواطر النافعة. ولقد تكلمنا عن أنواع الخواطر وكيفية ورودها على القلب وكيفية التمييز بينها في كتاب سلوك القلب،[2] كما بيّنها الشيخ محي الدين في الباب الخامس والخمسين والباب الرابع والستين ومائتين من الفتوحات المكية.

لقد ذكر الشيخ محي الدين ابن العربي أنّ بعض أشياخه كانوا يحاسبون أنفسهم على ما يتكلمون به وما يفعلونه ويقيّدونه في دفتر فإذا كان بعد صلاة العشاء وخلوا في بيوتهم حاسبوا أنفسهم وأحضروا دفترهم ونظروا فيما صدر منهم في يومهم من قول وعمل وقابلوا كلّ عمل بما يستحقه؛ إن استحق استغفاراً استغفروا وإن استحق توبةً تابوا وإن استحق شكراً شكروا، إلى أن يفرغ ما كان منهم في ذلك اليوم وبعد ذلك ينامون. ويضيف الشيخ محي الدين أنه كان يفعل ذلك وزاد عليهم في هذا الباب بتقييد الخواطر؛ فكان يقيّد ما تحدثه به نفسه وما تهم به بالإضافة إلى كلامه وأفعاله. وكان يحاسب نفسه مثلهم في ذلك الوقت ويحضر الدفتر ويطالبها بجميع ما خطر لها وما حدّثت به نفسها وما ظهر للحس من ذلك من قول وعمل وما نوته في ذلك الخاطر والحديث؛ وبذلك قلّت عنده الخواطر والفضول إلا فيما يعنيه، فهذا من فائدة الاشتغال بالنية، وهو ذو فائدة عظيمة ولكن يغفل أكثر أهل الطريق عن ذلك وهو راجع إلى مراعاة الأنفاس وهي عزيزة.[3] وأصل هذا العمل هو في الحقيقة من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: حاسبوا أنفسكم.[4]



[1] الفتوحات المكية: ج2ص549.

[2] سلوك القلب: ص158-167.

[3] الفتوحات المكية: ج1ص275.

[4] هذا الحديث: "حاسبوا أنفسكم" لا يوجد مرفوعا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولكنه يُروى عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في خطبته: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَزَيّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ وَإِنّمَا يَخِفّ الْحِسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ في الدُّنْيَا. انظر في تحفة الأحوذي للمباركفوري: 2508، وكنز العمال: 44203.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!