الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
الباب: | فى معرفة الأسماء الحسنى التى لرب العزة وما يجوز أن يطلق عليه منها لفظا وما لا يجوز |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة 322 - من الجزء الرابع (عرض الصورة)![]() ومن كونه من ورائنا محيطا حجبناه ومن كونه أنزل نفسه منا منزلة السر وأخفى مع شدة ظهوره بكونه صورة كل شيء وقال قُلْ سَمُّوهُمْ علمنا أنه يريد الإخفاء فأخفيناه ومن كونه يقول في نزوله هل من داع دعونا وهل من تائب ومن سائل ومن مستغفر وأمثال هذا نازلناه ومن كونه أعلمنا أنه معنا أينما كنا بطريق الشهود والحفظ صاحبناه ومن كونه أظهرنا بكل صورة ظهر بها لا نزيده عليها في الحال الذي يظهر به في عباده وافقناه ومن كونه صادق القول فقال نَسُوا الله مع علمه بأن العالم منا يعلم أنه هوية كل شيء نسيناه ومن كونه أنزل قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ نسبا له عند قول اليهود لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم انسب لنا ربك فنسبناه ومن كونه سمى نفسه لنا بأسماء تطلب معانيها تقوم به ما هي عين ذاته من حيث ما يفهم منها مع اختلافها وصفناه ومن كونه سمى نفسه بأسماء لا يفهم منها معان تقوم به بل يفهم منها نسب وإضافات كالأول والآخر والظاهر والباطن والغني والعلي وأمثال ذلك نعتناه ومن قوله لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا فنبه على العلة وحدناه ومن كونه في عماء وعَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى وجعلنا على أحوال نطلب بها نزول الذكر إلينا وهو كلامه والصفة لا تفارق الموصوف فإذا نحن لضعفنا نزلناه فإذا نزل إلينا لما طلبناه له بقلوبنا أنزلناه ولما أنزلناه في آنية مخصوصة معينة عينها سبحانه لنفسه حصرناه وباستمرار بقائه بالأين الذي أنزلناه به مع الأناة وصفنا بأنا مسكناه ومن كونه حيا وسمى نفسه المحيي وجعلنا بلدا ميتا دعوناه إلى إحيائه وسقيناه ولما عرضنا هذه الصفات التي نسبنا إليه مع ما تقرر عندنا من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وسُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وكل تسبيح ورد عن الله تعالى وعن رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنكرناه ولما آية بنا من مكان قريب وبعيد لحكمة يريد ظهورها فينا أجبناه وبما استعمله منا في ابتلائنا أعلمناه ومن كونه عند عبده في لسانه إذا مرض وقلبه والتجائه واضطراره إليه عدناه وباستسقاء الظمآن الذي تخيل السراب ماء فلما جاءه لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً سقيناه وباستطعام الجائع أطعمناه وإلى كل ملمة ونازلة مهمة ليرفعها عن الضعفاء دعوناه وبقولنا في دعائنا إياه عن أمره اغفر لنا وارحمنا وانصرنا أمرناه وبقولنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ من قَبْلِنا رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا به نهيناه وبقولنا إنه لن يعيدنا كما بدأنا كذبناه وبقولنا إن له صاحبة وولدا شتمناه وبتكذيبه وشتمه آذيناه وباستفهامه إيانا عن أمور يعلمها أخبرناه وبتلاوتنا كلامه العزيز بالنهار حدثناه وبه في ظلام الليل سامرناه وفي الصلاة عند ما نقول ويقول ناجيناه وعند سفرنا في أهلنا استخلفناه وعند طلبه منا نصرة دينه نصرناه وإذا لم نطلب سواه شاهد أو غائبا واعتمدنا عليه في كل حال حصلناه وبمحاسبتنا نفوسنا وهو السريع الحساب سابقناه وبأسمائنا التي أدخلتنا عليه وأعطتنا الحظوة لديه كالخاشع والذليل والفقير قابلناه وبكونه سمعنا سمعناه وبصرنا أبصرناه ورأيناه وبما أوجدنا له بلام العلة عبدناه وفي اعتمارنا الذي شرع لنا زرناه وفي بيته الذي أذن فينا بالحج إليه قصدناه وأملناه ولنيل جميع أغراضنا أردناه وذلك لما نسب إلى نفسه من الأسماء الحسنى دون غيرها من الأسماء وإن كانت أسماء له في الحقيقة إلا أنه عراها عن النعت بالحسنى فهو عز وجل الله من حيث هويته وذاته الرحمن بعموم رحمته التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ الرحيم بما أوجب على نفسه للتائبين من عباده الرب بما أوجده من المصالح لخلقه الملك بنسبة ملك السموات والأرض إليه فإنه رب كل شيء ومليكه القدوس بقوله وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ وتنزيهه عن كل ما وصف به السلام بسلامته من كل ما نسب إليه مما كره من عباده أن ينسبوه إليه المؤمن بما صدق عباده وبما أعطاهم من الأمان إذ أوفوا بعهده المهيمن على عباده بما هم فيه من جميع أحوالهم مما لهم وعليهم العزيز لغلبة من غالبه إذ هو الذي لا يغالب وامتناعه في علو قدسه أن يقاوم الجبار بما جبر عليه عباده في اضطرارهم واختيارهم فهم في قبضته المتكبر لما حصل في النفوس الضعيفة من نزوله إليهم في خفي ألطافه لمن تقرب بالحد والمقدار من شبر وذراع وباع وهرولة وتبشيش وفرح وتعجب وضحك وأمثال ذلك الخالق بالتقدير والإيجاد البارئ بما أوجده من مولدات الأركان المصور بما فتح في الهباء من الصور وفي أعين المتجلي لهم من صور التجلي المنسوبة إليه ما نكر منها وما عرف وما أحيط بها وما لم يدخل تحت إحاطة الغفار بمن ستر من عباده المؤمنين |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |