المرتبة الأولى: الغيب المطلق
من مراتب الوجود هي الذات الإلهية المعبر عنها ببعض وجوهها بالغيب المطلق وبغيب
الغيب لصرافة الذات المقدسة عن سائر النسب والتجليات ، ولهذا عبر عنها القوم بالذات
الإلهية الساذج إذ كلت العبارات دونها ، وانقطعت الإشارات قبل الوصول إلى سرادق
حرمها ، ومن هنا سميت بمنقطع الإشارات وبمجهول الغيب .وكذلك سماها بعض العارفين
بالعدم المقدم على الوجود يريد بذلك عدم لحوق النسبة الوجودية بمطلق الصرافة
الذاتية التي علت على النسبة وغيرها ، لا يريد بأنها عدمه ، أي معدومة فوجدت ، بعد
ذلك فحاشا وكلا ، بل لكونها حقيقة الوجود البحت التي هي ظلمة الأنوار فيها ، أي
مجهولة من كل الجهات لا سبيل إلى معرفتها بوجه من الوجوه .ولهذا سماها رسول الله
صلى الله عليه وسلم : بالعماء ، لما قال له السائل : أين كان الله ؟ وفي رواية : (
أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في عماء ما
فوقه هواء وما تحته هواء ) يعني ما فوقه نسبة ولا صفة كما أشرنا لك فيما تقدم
.ولهذا قالت الطائفة إنه المسكوت عنه ، ومن ثم لا يدخله بعض المحققين في مراتب
الوجود فيقول إنه أمر من وراء الوجود ، ولهذا يجعل بعض المحققين مرتبة العماء من
مراتب الربوبية نظراً إلى سؤال السائل حيث قال : أين كان ربنا ؟ فيجعل العماء بعد
مرتبة الربوبية ويجعل الأولى مرتبة الربوبية ، ونحن لا نريد بهذا التجلي ذلك العماء
بل ما أشرنا إليه مع قبول قوله ، ومن فهم قوله وقولنا قال بالتوافق في الوجود البحت
.