المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الأنفال: [الآية 19]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة الأنفال | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
«وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ» فأمر بصلة الأرحام - من باب الإشارة - أمر سبحانه بصلة الأرحام ، وهو تعالى أولى بهذه الصفة منا ، فلا بد أن يكون للرحم وصولا ، فإنها شجنة من الرحمن ، وقد وصلنا اللّه بلا شك من حيث أنه رحم لنا ، فهو الرزاق ذو القوة المتين ، المنعم على أي حالة كنا ، من طاعة أمره أو معصيته ، وموافقة أو مخالفة ، فإنه لا يقطع صلة الرحم من جانبه وإن انقطعت عنه من جانبنا لجهلنا ، فأينما كان الخلق فالحق يصحبه من حيث اسمه الرحمن ، لأن الرحم شجنة من الرحمن ، وجميع الناس رحم ،
والقرابة قرابتان :
قرابة الدين وقرابة الطين ،
فمن جمع بين القرابتين فهو أولى بالصلة ، وإن انفرد أحدهما بالدين والآخر بالطين فتقدم قرابة الدين على قرابة الطين ، وأفضل الصلات في الأرحام صلة الأقرب فالأقرب ، وتنقطع الأرحام بالموت ولا ينقطع الرحم المنسوبة إلى الحق ، فإنه معنا حيثما كن .
(9) سورة التوبة مدنيّة
اختلف الناس في سورة التوبة ، هل هي سورة مستقلة كسائر سور القرآن ؟
أو هل هي وسورة الأنفال سورة واحدة ؟
فإنهم كانوا لا يعرفون كمال السورة إلا بالفصل بالبسملة ، ولم يجئ هنا ، فدل أنها من سورة الأنفال وهو الأوجه
. وإن كان لترك البسملة وجه ، وهو عدم المناسبة بين الرحمة والتبري ، فإن بسملة سورة براءة هي التي في النمل ، والحق تعالى إذا وهب شيئا لم يرجع فيه ولا يرده إلى العدم ، فلما خرجت رحمة براءة وهي البسملة ، حكم التبري من أهلها برفع الرحمة عنهم ، وأعطيت هذه البسملة للبهائم التي آمنت بسليمان عليه السلام ، وهي لا يلزمها إيمان إلا برسولها ، فلما عرفت قدر سليمان وآمنت به أعطيت من الرحمة الإنسانية حظا ، وهي بسم اللّه الرحمن الرحيم الذي سلب عن المشركين . ولكن ما لهذا الوجه تلك القوة بل هو وجه ضعيف ، وسبب ضعفه أنه في الاسم اللّه المنعوت بجميع الأسماء ما هو اسم خاص يقتضي المؤاخذة ، والبراءة إنما هي من الشريك ، وإذا تبرأ من المشرك فلكونه مشركا ، لأن متعلقه العدم ، فإن الخالق لا يتبرأ من المخلوق ، ولو تبرأ منه من كان يحفظ عليه وجوده ، ولا وجود للشريك ، فالشريك معدوم ، فلا شركة في نفس الأمر ، فإذا صحت البراءة من الشريك فهي صفة تنزيه وتبرئة للّه من الشريك ، وللرسول من اعتقاد الجهل .
ووجه آخر في ضعف هذا التأويل الذي ذكرناه وهو عدم المناسبة بين الرحمة والتبري ، وهو أن البسملة موجودة في كل سورة أولها (وَيْلٌ) *وأين الرحمة من الويل ؟
ولهذا كان للقراء في مثل هذه السورة مذهب مستحسن فيمن يثبت البسملة من القراء ، وفيمن يتركها كقراءة حمزة ، وفيمن يخير فيها كقراءة ورش ، والبسملة إثباتها عنده أرجح ، فأثبتناها عند قراءتنا بحرف حمزة في هذين الموضعين لما فيهما من قبيح الوصل بالقراءة ،
وهو أن يقول (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِويل) فبسملوا هنا ، وأما مذهبنا فيه فهو أن يقف على آخر السورة ويقف على آخر البسملة ، ويبتدئ بالسورة من غير وصل .
والخلاف في سورة التوبة أنها والأنفال سورة واحدة حيث لم يفصل بينهما بالبسملة خلاف منقول بين علماء هذا الشأن من الصحابة ، ولما علم اللّه ما يجري من الخلاف في هذه الأمة في حذف البسملة في سورة براءة ، فمن ذهب إلى أنها سورة مستقلة وكان القرآن عنده مائة وثلاث
عشرة سورة فيحتاج إلى مائة وثلاث عشرة بسملة ، أظهر لهم في سورة النمل بسملة ليكمل العدد ، وجاء بها كما جاء بها في أوائل السور بعينها ، فإن لغة سليمان عليه السلام لم تكن عربية ،
وإنما كانت أخرى في كتب لغة هذا اللفظ في كتابه ، وإنما كتب لفظة بلغته يقتضي معناها باللسان العربي إذا عبر عنها بسم اللّه الرحمن الرحيم ، وأتى بها محذوفة الألف كما جاءت في أوائل السور ، ليعلم أن المقصود بها هو المقصود بها في أوائل السور ، ولم يعمل ذلك في (بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها) و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) فأثبت الألف هناك ليفرق بين اسم البسملة وغيرها ، ولهذا تتضمن سورة التوبة من صفات الرحمة والتنزل الإلهي كثيرا ، فإن فيها شراء اللّه نفوس المؤمنين منهم بأن لهم الجنة وأي تنزل أعظم من أن يشتري السيد ملكه من عبده ؟
وهل يكون في الرحمة أبلغ من هذا ؟ فلا بد أن تكون التوبة والأنفال سورة واحدة ، أو تكون بسملة النمل السليمانية لسورة التوبة ، ثم انظر في اسمها ، فإن من يجعلها سورة على حدة منفصلة عن سورة الأنفال سماها سورة التوبة ،
وهو الرجعة الإلهية على العباد بالرحمة والعطف ، فإن الرجعة الإلهية لا تكون إلا بالرحمة ، لا يرجع على عباده بغيرها ، فإن كانت الرجعة في الدنيا ردّهم بها إليه ، وإن كانت في الآخرة فتكون رجعتهم مقدمة على رجعته ،
لأن الموطن يقتضي ذلك ، فإن كل من حضر من الخلق في ذلك المشهد سقط ورجع بالضرورة إلى ربه ، فيرجع اللّه إليهم وعليهم ، فمنهم من يرجع اللّه عليه بالرحمة في القيامة ومنازلها ، ومنهم من يرجع عليه بالرحمة بعد دخول النار ،
وذلك بحسب ما تعطيه الأحوال ، فالتوبة تطلب الرحمة ما تطلب التبري ، وإن ابتدأ عزّ وجل بالتبري فقد ختم بآية لم يأت بها ولا وجدت إلا عند من جعل اللّه شهادته شهادة رجلين ،
فإن كنت تعقل علمت ما في هذه السورة من الرحمة المدرجة ، ولا سيما في قوله تعالى : (ومنهم) ومنهم ، وذلك كله رحمة بنا لنحذر الوقوع فيه ، والاتصاف بتلك الصفات ، فإن القرآن علينا نزل ، فلم تتضمن سورة من القرآن في حقنا رحمة أعظم من هذه السورة ، لأنه كثر من الأمور التي ينبغي أن يتقيها المؤمن ويجتنبها ، فلو لم يعرفنا الحق تعالى بها ، وقعنا فيها ولا نشعر ، فهي سورة رحمة للمؤمنين .
كان علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه نائب محمد صلّى اللّه عليه وسلم في تلاوة سورة براءة على أهل مكة ، وقد كان بعث بها أبا بكر ثم رجع عن ذلك فقال : لا يبلغ عني القرآن إلا رجل
من أهل بيتي ، فدعا بعلي فأمره فلحق أبا بكر ، فلما وصل إلى مكة حج أبو بكر بالناس وبلغ عليّ إلى الناس سورة براءة ، وتلاها عليهم نيابة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، وهذا مما يدلك على صحة خلافة أبي بكر ومنزلة علي رضي اللّه عنهما .
------------
(75) الفتوحات ج 3 / 531تفسير ابن كثير:
يقول تعالى للكفار ( إن تستفتحوا ) أي : تستنصروا وتستقضوا الله وتستحكموه أن يفصل بينكم وبين أعدائكم المؤمنين ، فقد جاءكم ما سألتم ، كما قال محمد بن إسحاق وغيره ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير ؛ أن أبا جهل قال يوم بدر : اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة - وكان ذلك استفتاحا منه - فنزلت : ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) إلى آخر الآية .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد - يعني ابن هارون - أخبرنا محمد بن إسحاق ، حدثني الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة : أن أبا جهل قال حين التقى القوم : اللهم ، أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا نعرف ، فأحنه الغداة ، فكان المستفتح .
وأخرجه النسائي في التفسير من حديث ، صالح بن كيسان ، عن الزهري ، به وكذا رواه الحاكم .
في مستدركه من طريق الزهري ، به وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه . وروي [ نحو ] هذا عن ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، ويزيد بن رومان ، وغير واحد .
وقال السدي : كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بدر ، أخذوا بأستار الكعبة فاستنصروا الله وقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين ، وأكرم الفئتين ، وخير القبيلتين . فقال الله : ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) يقول : قد نصرت ما قلتم ، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هو قوله تعالى إخبارا عنهم : ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك [ فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ] ) [ الأنفال : 32 ] .
وقوله : ( وإن تنتهوا ) أي : عما أنتم فيه من الكفر بالله والتكذيب لرسوله ، ( فهو خير لكم ) أي : في الدنيا والآخرة . [ وقوله ] ( وإن تعودوا نعد ) كقوله ( وإن عدتم عدنا ) [ الإسراء : 8 ] معناه : وإن عدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والضلالة ، نعد لكم بمثل هذه الواقعة .
وقال السدي : ( وإن تعودوا ) أي : إلى الاستفتاح ) نعد ) إلى الفتح لمحمد - صلى الله عليه وسلم - والنصر له ، وتظفيره على أعدائه ، والأول أقوى .
( ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت ) أي : ولو جمعتم من الجموع ما عسى أن تجمعوا ، فإن من كان الله معه فلا غالب له ، فإن الله مع المؤمنين ، وهم الحزب النبوي ، والجناب المصطفوي .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا} أيها المشركون، أي: تطلبوا من اللّه أن يوقع بأسه وعذابه على المعتدين الظالمين. {فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} حين أوقع اللّه بكم من عقابه، ما كان نكالاً لكم وعبرة للمتقين {وَإِنْ تَنْتَهُوا} عن الاستفتاح {فَهُوَ خَيْرٌ} لأنه ربما أمهلتم، ولم يعجل لكم النقمة. {وإن تعودوا} إلى الاستفتاح وقتال حزب الله المؤمنين {نَعُدْ} في نصرهم عليكم. {وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ} أي: أعوانكم وأنصاركم، الذين تحاربون وتقاتلون، معتمدين عليهم، شَيئا وأن الله مع الْمؤمنين. ومن كان اللّه معه فهو المنصور وإن كان ضعيفا قليلا عدده، وهذه المعية التي أخبر اللّه أنه يؤيد بها المؤمنين، تكون بحسب ما قاموا به من أعمال الإيمان. فإذا أديل العدو على المؤمنين في بعض الأوقات، فليس ذلك إلا تفريطا من المؤمنين وعدم قيام بواجب الإيمان ومقتضاه، وإلا فلو قاموا بما أمر اللّه به من كل وجه، لما انهزم لهم راية [انهزاما مستقرا] ولا أديل عليهم عدوهم أبدا.
تفسير البغوي
قوله تعالى : ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر لما التقى الناس : اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لم نعرف فأحنه الغداة ، فكان هو المستفتح على نفسه .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال : قال عبد الرحمن بن عوف : إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان ، حديثا السن ، فكأني لم آمن بمكانهما ، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه : يا عم أرني أبا جهل ، فقلت : يا ابن أخي وما تصنع به؟ فقال : عاهدت الله - عز وجل - إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه . فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله ، فما سرني أني بين رجلين بمكانهما ، فأشرت لهما إليه ، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه ، وهما ابنا عفراء .
وأخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا محمد بن المثنى ، ثنا ابن أبي عدي ، عن سليمان التيمي عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر : " من ينظر لنا ما صنع أبو جهل " ؟ قال : فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد ، قال : فأخذ بلحيته فقال : أنت أبو جهل ؟ فقال : وهل فوق رجل قتله قومه أو قتلتموه .
قال محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر قال : قال معاذ بن عمرو بن الجموح لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوه أمر بأبي جهل بن هشام أن يلتمس في القتلى ، فقال : اللهم لا يعجزنك ، قال فلما سمعتها جعلته من شأني فعمدت نحوه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه . قال : وضربني ابنه عكرمة على عاتقي ، فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي ، وأجهضني القتال عنه ، فلقد قاتلت عامة يومي ، وإني لأسحبها خلفي ، فلما آذتني جعلت عليها قدمي ، ثم تمطيت بها حتى طرحتها ، ثم مر بأبي جهل وهو عقير معوذ بن عفراء ، فضربه حتى أثبته ، فتركه وبه رمق ، فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل قال عبد الله بن مسعود : وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه ، ثم قلت : هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال : وبماذا أخزاني ، أعمد من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدائرة؟ قلت : لله ولرسوله .
وروي عن ابن مسعود أنه قال : قال لي أبو جهل : لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا ، ثم احتززت رأسه ، ثم جئت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله هذا رأس أبي جهل ، فقال : آلله الذي لا إله غيره ؟ قلت : نعم ، والذي لا إله غيره ، ثم ألقيته بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله - عز وجل - .
وقال السدي والكلبي : كان المشركون حين خرجوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين ففيه نزلت : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " أي : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر .
وقال عكرمة : قال المشركون والله لا نعرف ما جاء به محمد فافتح بيننا وبينه بالحق ، فأنزل الله - عز وجل - : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " أي : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء .
وقال أبي بن كعب : هذا خطاب لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال الله تعالى للمسلمين : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " أي : إن تستنصروا فقد جاءكم الفتح والنصر .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد ، ثنا عبد الرحيم بن منيب ، ثنا الفضل بن موسى ، ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن خباب رضي الله عنه قال : شكونا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة ، فقلنا : ألا تدعو الله لنا ، ألا تستنصر لنا؟ فجلس محمارا لونه أو وجهه فقال لنا : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل ، ويحفر له في الأرض ثم يجاء بالمنشار فيجعل فوق رأسه ثم يجعل بفرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم وعصب ، وما يصرفه عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب منكم من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله ، ولكنكم تعجلون " .
قوله : ( وإن تنتهوا ) يقول للكفار ، إن تنتهوا عن الكفر بالله وقتال نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، ( فهو خير لكم وإن تعودوا ) لحربه وقتاله ، ( نعد ) بمثل الواقعة التي وقعت بكم يوم بدر . وقيل : وإن تعودوا إلى الدعاء والاستفتاح نعد للفتح لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، ( ولن تغني عنكم فئتكم ) جماعتكم ، ( شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ) قرأ أهل المدينة وابن عامر وحفص " وأن الله " بفتح الهمزة ، أي : ولأن الله مع المؤمنين ، كذلك " لن تغني عنكم فئتكم شيئا " ، وقيل : هو عطف على قوله : " ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين " ، وقرأ الآخرون : " وإن الله " بكسر الألف على الابتداء .
الإعراب:
(إِنْ) حرف شرط جازم.
(تَسْتَفْتِحُوا) مضارع مجزوم والواو فاعله والجملة ابتدائية.
(فَقَدْ) الفاء رابطة للجواب قد حرف تحقيق.
(جاءَكُمُ الْفَتْحُ) فعل ماض ومفعوله وفاعله والجملة في محل جزم جواب الشرط، ومثل ذلك وإن (تَنْتَهُوا).
(فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) الجملة في محل جواب الشرط (وَإِنْ تَعُودُوا) اعرابها كسابقتها (نَعُدْ) مضارع مجزوم جواب الشرط.
(وَلَنْ) الواو عاطفة ولن ناصبة (تُغْنِيَ) مضارع منصوب تعلق به الجار والمجرور (عَنْكُمْ) (فِئَتُكُمْ) فاعل (شَيْئاً) نائب مفعول مطلق أو مفعول به.
(وَلَوْ) الواو حالية.
لو شرطية غير جازمة.
(كَثُرَتْ) فعل ماض وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله، والجملة في محل نصب حال.
(وَأَنَّ اللَّهَ) أن ولفظ الجلالة اسمها والظرف (مَعَ) متعلق بمحذوف خبرها.
(الْمُؤْمِنِينَ) مضاف إليه. وأن واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل جر باللام أي ولأن اللّه مع المؤمنين.