المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة التوبة: [الآية 112]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة التوبة | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
«فَإِنْ تَوَلَّوْا» عما دعوتموهم إليه «فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ» أي في اللّه الكفاية يكفيني أمرهم
[ توحيد الاستكفاء ]
«لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» وهذا هو التوحيد الحادي عشر ، وهو توحيد الاستكفاء ، وهو من توحيد الهوية لما قال تعالى : «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» فأحالنا علينا بأمره فبادرنا لامتثال أمره ، فمنا من قال التعاون على البر والتقوى أن يرد كل واحد صاحبه إلى ربه في ذلك ، ويستكفي به فيما كلفه ،
وهو قوله : (واستعينوا بالله) خطاب تحقيق «عليه توكلت» التوكل اعتماد القلب على اللّه تعالى مع عدم الاضطراب عند فقد الأسباب الموضوعة في العالم ، التي من شأن النفوس أن تركن إليها ، فإن اضطرب فليس بمتوكل ، وهو من صفات المؤمنين «وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»
فإذا كان رب العرش والعرش محيط بعالم الأجسام وأنت من حيث جسميتك أقل الأجسام فاستكف باللّه ، الذي هو رب مثل هذا العرش ، ومن كان اللّه حسبه انقلب بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسه سوء ، وجاء في ذلك بما يرضي اللّه ، واللّه ذو فضل عظيم على من جعله حسبه .
(10) سورة يونس مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(129) الفتوحات ج 2 / 409 ، 199 ، 409تفسير ابن كثير:
هذا نعت المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بهذه الصفات الجميلة والخلال الجليلة : ( التائبون ) من الذنوب كلها ، التاركون للفواحش ، ( العابدون ) أي : القائمون بعبادة ربهم محافظين عليها ، وهي الأقوال والأفعال فمن أخص الأقوال الحمد ؛ فلهذا قال : ( الحامدون ) ومن أفضل الأعمال الصيام ، وهو ترك الملاذ من الطعام والشراب والجماع ، وهو المراد بالسياحة هاهنا ؛ ولهذا قال : ( السائحون ) كما وصف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله تعالى : ( سائحات ) [ التحريم : 5 ] أي : صائمات ، وكذا الركوع والسجود ، وهما عبارة عن الصلاة ، ولهذا قال : ( الراكعون الساجدون ) وهم مع ذلك ينفعون خلق الله ، ويرشدونهم إلى طاعة الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه ، وهو حفظ حدود الله في تحليله وتحريمه ، علما وعملا فقاموا بعبادة الحق ونصح الخلق ؛ ولهذا قال : ( وبشر المؤمنين ) لأن الإيمان يشمل هذا كله ، والسعادة كل السعادة لمن اتصف به .
[ بيان أن المراد بالسياحة الصيام ] :
قال سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله بن مسعود قال : ( السائحون ) الصائمون . وكذا روي عن سعيد بن جبير ، والعوفي عن ابن عباس .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : كل ما ذكر الله في القرآن السياحة : هم الصائمون . وكذا قال الضحاك ، رحمه الله .
وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا إبراهيم بن يزيد ، عن الوليد بن عبد الله ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : سياحة هذه الأمة الصيام .
وهكذا قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والضحاك بن مزاحم ، وسفيان بن عيينة وغيرهم : أن المراد بالسائحين : الصائمون .
وقال الحسن البصري : ( السائحون ) الصائمون شهر رمضان .
وقال أبو عمرو العبدي : ( السائحون ) الذين يديمون الصيام من المؤمنين .
وقد ورد في حديث مرفوع نحو هذا ، وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، حدثنا حكيم بن حزام ، حدثنا سليمان ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السائحون هم الصائمون "
[ ثم رواه عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن إسرائيل ، عن سليمان الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أنه قال : ( السائحون ) الصائمون ] .
وهذا الموقوف أصح .
وقال أيضا : حدثني يونس ، عن ابن وهب ، عن عمر بن الحارث ، عن عمرو بن دينار ، عن عبيد بن عمير قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السائحين فقال : " هم الصائمون " .
وهذا مرسل جيد .
فهذه أصح الأقوال وأشهرها ، وجاء ما يدل على أن السياحة الجهاد ، وهو ما روى أبو داود في سننه ، من حديث أبي أمامة أن رجلا قال : يا رسول الله ، ائذن لي في السياحة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " .
وقال ابن المبارك ، عن ابن لهيعة : أخبرني عمارة بن غزية : أن السياحة ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبدلنا الله بذلك الجهاد في سبيل الله ، والتكبير على كل شرف " .
وعن عكرمة أنه قال : هم طلبة العلم . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم المهاجرون . رواهما ابن أبي حاتم .
وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض ، والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري ، فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين ، كما ثبت في صحيح البخاري ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ، ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن " .
وقال العوفي وعلي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( والحافظون لحدود الله ) قال : القائمون بطاعة الله . وكذا قال الحسن البصري ، وعنه رواية : ( والحافظون لحدود الله ) قال : لفرائض الله ، وفي رواية : القائمون على أمر الله .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
كأنه قيل: من هم المؤمنون الذين لهم البشارة من اللّه بدخول الجنات ونيل الكرامات؟ فقال: هم {التَّائِبُونَ} أي: الملازمون للتوبة في جميع الأوقات عن جميع السيئات.
{الْعَابِدُونَ} أي: المتصفون بالعبودية للّه، والاستمرار على طاعته من أداء الواجبات والمستحبات في كل وقت، فبذلك يكون العبد من العابدين.
{الْحَامِدُونَ} للّه في السراء والضراء، واليسر والعسر، المعترفون بما للّه عليهم من النعم الظاهرة والباطنة، المثنون على اللّه بذكرها وبذكره في آناء الليل وآناء النهار.
{السَّائِحُونَ} فسرت السياحة بالصيام، أو السياحة في طلب العلم، وفسرت بسياحة القلب في معرفة اللّه ومحبته، والإنابة إليه على الدوام، والصحيح أن المراد بالسياحة: السفر في القربات، كالحج، والعمرة، والجهاد، وطلب العلم، وصلة الأقارب، ونحو ذلك.
{الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ} أي: المكثرون من الصلاة، المشتملة على الركوع والسجود.
{الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} ويدخل فيه جميع الواجبات والمستحبات.
{وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وهي جميع ما نهى اللّه ورسوله عنه.
{وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} بتعلمهم حدود ما أنزل اللّه على رسوله، وما يدخل في الأوامر والنواهي والأحكام، وما لا يدخل، الملازمون لها فعلا وتركا.
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} لم يذكر ما يبشرهم به، ليعم جميع ما رتب على الإيمان من ثواب الدنيا والدين والآخرة، فالبشارة متناولة لكل مؤمن.
وأما مقدارها وصفتها فإنها بحسب حال المؤمنين، وإيمانهم، قوة، وضعفا، وعملا بمقتضاه.
تفسير البغوي
ثم وصفهم فقال : ( التائبون ) قال الفراء : استؤنفت بالرفع لتمام الآية وانقطاع الكلام . وقال الزجاج : التائبون رفع للابتداء ، وخبره مضمر . المعنى : التائبون - إلى آخر الآية - لهم الجنة أيضا . أي : من لم يجاهد غير معاند ولا قاصد لترك الجهاد ، لأن بعض المسلمين يجزي عن بعض في الجهاد ، فمن كانت هذه صفته فله الجنة أيضا ، وهذا أحسن ، فكأنه وعد الجنة لجميع المؤمنين ، كما قال : " وكلا وعد الله الحسنى ( النساء - 95 ) ، فمن جعله تابعا للأول كان الوعد بالجنة خاصا للمجاهدين الموصوفين بهذه الصفة .
قوله تعالى : ( التائبون ) أي : الذين تابوا من الشرك وبرئوا من النفاق ، ( العابدون ) المطيعون الذين أخلصوا العبادة لله عز وجل ( الحامدون ) الذين يحمدون الله على كل حال في السراء والضراء .
وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله في السراء والضراء " . ( السائحون ) قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما : هم الصائمون .
وقال سفيان بن عيينة : إنما سمي الصائم سائحا لتركه اللذات كلها من المطعم والمشرب والنكاح .
وقال عطاء : السائحون الغزاة المجاهدون في سبيل الله . روي عن عثمان بن مظعون ، رضي الله عنه ، أنه قال : يا رسول الله ائذن لي في السياحة ، فقال : " إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " .
وقال عكرمة : السائحون هم طلبة العلم .
( الراكعون الساجدون ) يعني : المصلين ، ( الآمرون بالمعروف ) بالإيمان ، ( والناهون عن المنكر ) عن الشرك . وقيل : المعروف : السنة ، والمنكر : البدعة . ( والحافظون لحدود الله ) القائمون بأوامر الله . وقال الحسن : أهل الوفاء ببيعة الله . ( وبشر المؤمنين )
الإعراب:
(التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ) هذه أخبار متعددة لمبتدأ متقدم مرفوعة بالواو لأنها جمع مذكر سالم.
(بِالْمَعْرُوفِ) متعلقان بالآمرون (وَالنَّاهُونَ) معطوف على ما قبله (عَنِ الْمُنْكَرِ) متعلقان بالناهون (وَالْحافِظُونَ) معطوف على ما قبله (لِحُدُودِ) متعلقان بالحافظون (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه (وَبَشِّرِ) الواو استئنافية وأمر فاعله مستتر (الْمُؤْمِنِينَ) مفعول به منصوب بالياء والجملة مستأنفة