موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة التوبة: [الآية 112]

سورة التوبة
ٱلتَّٰٓئِبُونَ ٱلْعَٰبِدُونَ ٱلْحَٰمِدُونَ ٱلسَّٰٓئِحُونَ ٱلرَّٰكِعُونَ ٱلسَّٰجِدُونَ ٱلْءَامِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿112﴾

تفسير الجلالين:

«التائبون» رفع على المدح بتقدير مبتدأ من الشرك والنفاق «العابدون» المخلصون العبادة لله «الحامدون» له على كل حال «السائحون» الصائمون «الراكعون الساجدون» أي المصلون «الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله» لأحكامه بالعمل بها «وبشر المؤمنين» بالجنة.

تفسير الشيخ محي الدين:

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)

«فَإِنْ تَوَلَّوْا» عما دعوتموهم إليه «فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ» أي في اللّه الكفاية يكفيني أمرهم

[ توحيد الاستكفاء ]

«لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» وهذا هو التوحيد الحادي عشر ، وهو توحيد الاستكفاء ، وهو من توحيد الهوية لما قال تعالى : «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» فأحالنا علينا بأمره فبادرنا لامتثال أمره ، فمنا من قال التعاون على البر والتقوى أن يرد كل واحد صاحبه إلى ربه في ذلك ، ويستكفي به فيما كلفه ،

وهو قوله : (واستعينوا بالله) خطاب تحقيق «عليه توكلت» التوكل اعتماد القلب على اللّه تعالى مع عدم الاضطراب عند فقد الأسباب الموضوعة في العالم ، التي من شأن النفوس أن تركن إليها ، فإن اضطرب فليس بمتوكل ، وهو من صفات المؤمنين «وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»

فإذا كان رب العرش والعرش محيط بعالم الأجسام وأنت من حيث جسميتك أقل الأجسام فاستكف باللّه ، الذي هو رب مثل هذا العرش ، ومن كان اللّه حسبه انقلب بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسه سوء ، وجاء في ذلك بما يرضي اللّه ، واللّه ذو فضل عظيم على من جعله حسبه .

(10) سورة يونس مكيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

------------

(129) الفتوحات ج 2 / 409 ، 199 ، 409

تفسير ابن كثير:

هذا نعت المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بهذه الصفات الجميلة والخلال الجليلة : ( التائبون ) من الذنوب كلها ، التاركون للفواحش ، ( العابدون ) أي : القائمون بعبادة ربهم محافظين عليها ، وهي الأقوال والأفعال فمن أخص الأقوال الحمد ؛ فلهذا قال : ( الحامدون ) ومن أفضل الأعمال الصيام ، وهو ترك الملاذ من الطعام والشراب والجماع ، وهو المراد بالسياحة هاهنا ؛ ولهذا قال : ( السائحون ) كما وصف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله تعالى : ( سائحات ) [ التحريم : 5 ] أي : صائمات ، وكذا الركوع والسجود ، وهما عبارة عن الصلاة ، ولهذا قال : ( الراكعون الساجدون ) وهم مع ذلك ينفعون خلق الله ، ويرشدونهم إلى طاعة الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه ، وهو حفظ حدود الله في تحليله وتحريمه ، علما وعملا فقاموا بعبادة الحق ونصح الخلق ؛ ولهذا قال : ( وبشر المؤمنين ) لأن الإيمان يشمل هذا كله ، والسعادة كل السعادة لمن اتصف به .

[ بيان أن المراد بالسياحة الصيام ] :

قال سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله بن مسعود قال : ( السائحون ) الصائمون . وكذا روي عن سعيد بن جبير ، والعوفي عن ابن عباس .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : كل ما ذكر الله في القرآن السياحة : هم الصائمون . وكذا قال الضحاك ، رحمه الله .

وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا إبراهيم بن يزيد ، عن الوليد بن عبد الله ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : سياحة هذه الأمة الصيام .

وهكذا قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والضحاك بن مزاحم ، وسفيان بن عيينة وغيرهم : أن المراد بالسائحين : الصائمون .

وقال الحسن البصري : ( السائحون ) الصائمون شهر رمضان .

وقال أبو عمرو العبدي : ( السائحون ) الذين يديمون الصيام من المؤمنين .

وقد ورد في حديث مرفوع نحو هذا ، وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، حدثنا حكيم بن حزام ، حدثنا سليمان ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السائحون هم الصائمون "

[ ثم رواه عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن إسرائيل ، عن سليمان الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أنه قال : ( السائحون ) الصائمون ] .

وهذا الموقوف أصح .

وقال أيضا : حدثني يونس ، عن ابن وهب ، عن عمر بن الحارث ، عن عمرو بن دينار ، عن عبيد بن عمير قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السائحين فقال : " هم الصائمون " .

وهذا مرسل جيد .

فهذه أصح الأقوال وأشهرها ، وجاء ما يدل على أن السياحة الجهاد ، وهو ما روى أبو داود في سننه ، من حديث أبي أمامة أن رجلا قال : يا رسول الله ، ائذن لي في السياحة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " .

وقال ابن المبارك ، عن ابن لهيعة : أخبرني عمارة بن غزية : أن السياحة ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبدلنا الله بذلك الجهاد في سبيل الله ، والتكبير على كل شرف " .

وعن عكرمة أنه قال : هم طلبة العلم . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم المهاجرون . رواهما ابن أبي حاتم .

وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض ، والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري ، فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين ، كما ثبت في صحيح البخاري ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ، ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن " .

وقال العوفي وعلي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( والحافظون لحدود الله ) قال : القائمون بطاعة الله . وكذا قال الحسن البصري ، وعنه رواية : ( والحافظون لحدود الله ) قال : لفرائض الله ، وفي رواية : القائمون على أمر الله .


تفسير الطبري :

فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: {التائبون العابدون} التائبون هم الراجعون عن الحالة المذمومة في معصية الله إلى الحالة المحمودة في طاعة الله. والتائب هو الراجع. والراجع إلى الطاعة هو أفضل من الراجع عن المعصية لجمعه بين الأمرين. {العابدون} أي المطيعون الذين قصدوا بطاعتهم الله سبحانه. {الحامدون} أي الراضون بقضائه المصرفون نعمته في طاعته، الذين يحمدون الله على كل حال. {السائحون} الصائمون؛ عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما. ومنه قوله تعالى: {عابدات سائحات} [التحريم : 5]. وقال سفيان بن عيينة : إنما قيل للصائم سائح لأنه يترك اللذات كلها من المطعم والمشرب والمنكح. وقال أبو طالب : وبالسائحين لا يذوقون قطرة ** لربهم والذاكرات العوامل وقال آخر : برا يصلي ليله ونهاره ** يظل كثير الذكر لله سائـــحا وروي عن عائشة أنها قالت : سياحة هذه الأمة الصيام؛ أسنده الطبري. ورواه أبو هريرة مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (سياحة أمتي الصيام). قال الزجاج : ومذهب الحسن أنهم الذين يصومون القرض. وقد قيل : إنهم الذين يديمون الصيام. وقال عطاء : السائحون المجاهدون. وروى أبو أمامة أن رجلا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السياحة فقال : (إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله). صححه أبو محمد عبدالحق. وقيل : السائحون المهاجرون قاله عبدالرحمن بن زيد. وقيل : هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم؛ قال عكرمة. وقيل : هم الجائلون بأفكارهم في توحيد ربهم وملكوته وما خلق من العبر والعلامات الدالة على توحيده وتعظيمه حكاه النقاش وحكي أن بعض العباد أخذ القدح ليتوضأ لصلاة الليل فأدخل أصبعه في أذن القدح وقعد يتفكر حتى طلع الفجر فقيل له في ذلك فقال : أدخلت أصبعي في أذن القدح فتذكرت قول الله تعالى: {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل} [غافر : 71] وذكرت كيف أتلقى الغل وبقيت ليلي في ذلك أجمع. قلت : لفظ {س ي ح} يدل على صحة هذه الأقوال فإن السياحة أصلها الذهاب على وجه الأرض كما يسيح الماء؛ فالصائم مستمر على الطاعة في ترك ما يتركه من الطعام وغيره فهو بمنزلة السائح. والمتفكرون تجول قلوبهم فيما ذكروا. وفي الحديث : (إن لله ملائكة سياحين مشائين في الآفاق يبلغونني صلاة أمتي) ويروى {صياحين} بالصاد، من الصياح. {الراكعون الساجدون} يعني في الصلاة المكتوبة وغيرها. {الآمرون بالمعروف} أي بالسنة، وقيل : بالإيمان. {والناهون عن المنكر} قيل : عن البدعة. وقيل : عن الكفر. وقيل : هو عموم في كل معروف ومنكر. {والحافظون لحدود الله} أي القائمون بما أمر به والمنتهون عما نهى عنه. الثانية: واختلف أهل التأويل في هذه الآية هل هي متصلة بما قبل أو منفصلة فقال جماعة : الآية الأولى مستقلة بنفسها يقع تحت تلك المبايعة كل موحد قاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وإن لم يتصف بهذه الصفات في هذه الآية الثانية أو بأكثرها. وقالت فرقة : هذه الأوصاف جاءت على جهة الشرط والآيتان مرتبطتان فلا يدخل تحت المبايعة إلا المؤمنون الذين هم على هذه الأوصاف ويبذلون أنفسهم في سبيل الله قاله الضحاك. قال ابن عطية : وهذا القول تحريج وتضييق ومعنى الآية على ما تقتضيه أقوال العلماء والشرع أنها أوصاف الكملة من المؤمنين ذكرها الله ليستبق إليها أهل التوحيد حتى يكونوا في أعلى مرتبة. وقال الزجاج : الذي عندي أن قوله: {التائبون العابدون} رفع بالابتداء وخبره مضمر؛ أي التائبون العابدون - إلى آخر الآية - لهم الجنة أيضا وإن لم يجاهدوا إذ لم يكن منهم عناد وقصد إلى ترك الجهاد لأن بعض المسلمين يجزي عن بعض في الجهاد. واختار هذا القول القشيري وقال : وهذا حسن إذ لو كان صفة للمؤمنين المذكورين في قوله: {اشترى من المؤمنين} لكان الوعد خاصا للمجاهدين. وفي مصحف عبدالله {التائبين العابدين} إلى آخرها؛ ولذلك وجهان : أحدهما الصفة للمؤمنين على الإتباع. والثاني النصب على المدح. الثالثة: واختلف العلماء في الواو في قوله: {والناهون عن المنكر} فقيل : دخلت في صفة الناهين كما دخلت في قوله تعالى: {حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم. غافر الذنب. وقابل التوب} [غافر : 1، 2، 3] فذكر بعضها بالواو والبعض بغيرها. وهذا سائغ معتاد في الكلام ولا يطلب لمثله حكمة ولا علة. وقيل : دخلت لمصاحبة الناهي عن المنكر الآمر بالمعروف فلا يكاد يذكر واحد منها مفردا. وكذلك قوله: {ثيبات وأبكارا}[التحريم : 5]. ودخلت في قوله: {والحافظون} لقربه من المعطوف. وقد قيل : إنها زائدة، وهذا ضعيف لا معنى له. وقيل : هي واو الثمانية لأن السبعة عند العرب عدد كامل صحيح. وكذلك قالوا في قوله: {ثيبات وأبكارا} [التحريم : 5]. وقول في أبواب الجنة: {وفتحت أبوابها} [الزمر : 73] وقوله: {ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم} الكهف : 22] وقد ذكرها ابن خالويه في مناظرته لأبي علي الفارسي في معنى قوله: {وفتحت أبوابها} [الزمر : 73] وأنكرها أبو علي. قال ابن عطية : وحدثني أبي رضي الله عنه عن الأستاذ النحوي أبي عبدالله الكفيف المالقي، وكان ممن استوطن غرناطة وأقرأ فيها في مدة ابن حبوس أنه قال : هي لغة فصيحة لبعض العرب من شأنهم أن يقولوا إذا عدوا : واحد اثنان ثلاثة أربعة خمس ستة سبعة وثمانية تسعة عشرة وهكذا هي لغتهم. ومتى جاء في كلامهم أمر ثمانية أدخلوا الواو. قلت : هي لغة قريش. وسيأتي بيانه ونقضه في سورة [الكهف] إن شاء الله تعالى وفي [الزمر] أيضا بحول الله تعالى.

التفسير الميسّر:

ومن صفات هؤلاء المؤمنين الذين لهم البشارة بدخول الجنة أنهم التائبون الراجعون عما كرهه الله إلى ما يحبه ويرضاه، الذين أخلصوا العبادة لله وحده وجدوا في طاعته، الذين يحمدون الله على كل ما امتحنهم به من خير أو شر، الصائمون، الراكعون في صلاتهم، الساجدون فيها، الذين يأمرون الناس بكل ما أمر الله ورسوله به، وينهونهم عن كل ما نهى الله عنه ورسوله، المؤدون فرائض الله المنتهون إلى أمره ونهيه، القائمون على طاعته، الواقفون عند حدوده. وبشِّر -أيها النبي- هؤلاء المؤمنين المتصفين بهذه الصفات برضوان الله وجنته.

تفسير السعدي

كأنه قيل‏:‏ من هم المؤمنون الذين لهم البشارة من اللّه بدخول الجنات ونيل الكرامات‏؟‏ فقال‏:‏ هم ‏{‏التَّائِبُونَ‏}‏ أي‏:‏ الملازمون للتوبة في جميع الأوقات عن جميع السيئات‏.‏

‏{‏الْعَابِدُونَ‏}‏ أي‏:‏ المتصفون بالعبودية للّه، والاستمرار على طاعته من أداء الواجبات والمستحبات في كل وقت، فبذلك يكون العبد من العابدين‏.‏

‏{‏الْحَامِدُونَ‏}‏ للّه في السراء والضراء، واليسر والعسر، المعترفون بما للّه عليهم من النعم الظاهرة والباطنة، المثنون على اللّه بذكرها وبذكره في آناء الليل وآناء النهار‏.‏

‏{‏السَّائِحُونَ‏}‏ فسرت السياحة بالصيام، أو السياحة في طلب العلم، وفسرت بسياحة القلب في معرفة اللّه ومحبته، والإنابة إليه على الدوام، والصحيح أن المراد بالسياحة‏:‏ السفر في القربات، كالحج، والعمرة، والجهاد، وطلب العلم، وصلة الأقارب، ونحو ذلك‏.‏

‏{‏الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ‏}‏ أي‏:‏ المكثرون من الصلاة، المشتملة على الركوع والسجود‏.‏

‏{‏الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ ويدخل فيه جميع الواجبات والمستحبات‏.‏

‏{‏وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ‏}‏ وهي جميع ما نهى اللّه ورسوله عنه‏.‏

‏{‏وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ‏}‏ بتعلمهم حدود ما أنزل اللّه على رسوله، وما يدخل في الأوامر والنواهي والأحكام، وما لا يدخل، الملازمون لها فعلا وتركا‏.‏

‏{‏وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ لم يذكر ما يبشرهم به، ليعم جميع ما رتب على الإيمان من ثواب الدنيا والدين والآخرة، فالبشارة متناولة لكل مؤمن‏.‏

وأما مقدارها وصفتها فإنها بحسب حال المؤمنين، وإيمانهم، قوة، وضعفا، وعملا بمقتضاه‏.‏


تفسير البغوي

ثم وصفهم فقال : ( التائبون ) قال الفراء : استؤنفت بالرفع لتمام الآية وانقطاع الكلام . وقال الزجاج : التائبون رفع للابتداء ، وخبره مضمر . المعنى : التائبون - إلى آخر الآية - لهم الجنة أيضا . أي : من لم يجاهد غير معاند ولا قاصد لترك الجهاد ، لأن بعض المسلمين يجزي عن بعض في الجهاد ، فمن كانت هذه صفته فله الجنة أيضا ، وهذا أحسن ، فكأنه وعد الجنة لجميع المؤمنين ، كما قال : " وكلا وعد الله الحسنى ( النساء - 95 ) ، فمن جعله تابعا للأول كان الوعد بالجنة خاصا للمجاهدين الموصوفين بهذه الصفة .

قوله تعالى : ( التائبون ) أي : الذين تابوا من الشرك وبرئوا من النفاق ، ( العابدون ) المطيعون الذين أخلصوا العبادة لله عز وجل ( الحامدون ) الذين يحمدون الله على كل حال في السراء والضراء .

وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله في السراء والضراء " . ( السائحون ) قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما : هم الصائمون .

وقال سفيان بن عيينة : إنما سمي الصائم سائحا لتركه اللذات كلها من المطعم والمشرب والنكاح .

وقال عطاء : السائحون الغزاة المجاهدون في سبيل الله . روي عن عثمان بن مظعون ، رضي الله عنه ، أنه قال : يا رسول الله ائذن لي في السياحة ، فقال : " إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " .

وقال عكرمة : السائحون هم طلبة العلم .

( الراكعون الساجدون ) يعني : المصلين ، ( الآمرون بالمعروف ) بالإيمان ، ( والناهون عن المنكر ) عن الشرك . وقيل : المعروف : السنة ، والمنكر : البدعة . ( والحافظون لحدود الله ) القائمون بأوامر الله . وقال الحسن : أهل الوفاء ببيعة الله . ( وبشر المؤمنين )


الإعراب:

(التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ) هذه أخبار متعددة لمبتدأ متقدم مرفوعة بالواو لأنها جمع مذكر سالم.

(بِالْمَعْرُوفِ) متعلقان بالآمرون (وَالنَّاهُونَ) معطوف على ما قبله (عَنِ الْمُنْكَرِ) متعلقان بالناهون (وَالْحافِظُونَ) معطوف على ما قبله (لِحُدُودِ) متعلقان بالحافظون (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه (وَبَشِّرِ) الواو استئنافية وأمر فاعله مستتر (الْمُؤْمِنِينَ) مفعول به منصوب بالياء والجملة مستأنفة

---

Traslation and Transliteration:

Alttaiboona alAAabidoona alhamidoona alssaihoona alrrakiAAoona alssajidoona alamiroona bialmaAAroofi waalnnahoona AAani almunkari waalhafithoona lihudoodi Allahi wabashshiri almumineena

بيانات السورة

اسم السورة سورة التوبة (At-Tauba - The Repentance)
ترتيبها 9
عدد آياتها 129
عدد كلماتها 2506
عدد حروفها 10873
معنى اسمها (التَّوْبَةُ): الاعْتِرَافُ بِالذَّنْبِ، وَالنَّدَمُ عَلَيهِ، والعَزْمُ عَلى عَدَمِ العَودَةِ إِلَيهِ.
سبب تسميتها دَعْوةُ المُشْرِكِينَ إِلَى التَّوبَةِ إِلَى اللهِ والإِيمَانِ بِهِ؛ ولِذَا لَمْ تَبْدَأ السُّورةُ بالبَسْمَلَةِ. وتَوبَةُ اللهِ تَعَالَى عَلَى المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ: (الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عن غَزْوَةِ تَبُوكَ)
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (التَّوْبَةِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (بَرَاءَة)، وَسُورَةَ (الفَاضِحَةِ)، وَسُورَةَ (العَذَابِ)
مقاصدها بَيَانُ أَحْوَالِ المُشْرِكِينَ وَالمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِم، وبيَانُ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم .(حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد). قال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «تَعَلَّمُوا سُورَةَ بَرَاءَةَ، وَعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ». (أَثَرٌ صَحِيحٌ، سُنَنَ سَعِيدِ بِن مَنصُوْر)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (التَّوْبَةِ) بِآخِرهَا: الحَدِيثُ عَنْ صِفَةِ إِعْرَاضِ المُشْرِكِين، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِ ...٣﴾، ، الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ ...١٢٩﴾ ...الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (التَّوْبَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الأَنْفَالِ): ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ (الأَنفَالِ) خِيَانةَ المُشْرِكِينَ للهِ ولِرسُولِهِ، فَقَالَ: ﴿وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدۡ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ ...٧١﴾، ثُمَّ افتَتَحَ (التَّوْبَةَ) بِالبَرَاءَةِ مِنْهُم، فَقَالَ: ﴿بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!