«ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا» كالمؤمنين «وكرها» كالمنافقين ومن أكره بالسيف «و» يسجد «ظلالهم بالغدو» البكور «والآصال» العشايا.
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)
" فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً» يعني المكر المضاف إلى عباده والمكر المضاف إليه سبحانه فنفى المكر عنهم «يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ» فأتى بلفظ كل وهي حرف شمول فشملت كل نفس فما تركت شيئا في هذا الموضع «وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ» الكافر الذي ستر عنه هذا العلم في الحياة الدنيا «لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ» في الدار الآخرة حيث ينكشف الغطاء عن الأعين فيعلم من كان يجهل .
------------
(42) الفتوحات ج 1 /
698 - ج 4 /
249
يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه الذي قهر كل شيء ، ودان له كل شيء . ولهذا يسجد له كل شيء طوعا من المؤمنين ، وكرها من المشركين ، ( وظلالهم بالغدو ) أي : البكر والآصال ، وهو جمع أصيل وهو آخر النهار ، كما قال تعالى : ( أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ) [ النحل : 48 ] .
قوله تعالى {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها} قال الحسن وقتادة وغيرهما : المؤمن يسجد طوعا، والكافر يسجد كرها بالسيف. وعن قتادة أيضا : يسجد الكافر كارها حين لا ينفعه الإيمان. وقال الزجاج : سجود الكافر كرها ما فيه من الخضوع وأثر الصنعة. وقال ابن زيد {طوعا} من دخل في الإسلام رغبة، و{كرها} من دخل فيه رهبة بالسيف. وقيل {طوعا} من طالت مدة إسلامه فألف السجود، و{كرها} من يكره نفسه لله تعالى؛ فالآية في المؤمنين، وعلى هذا يكون معنى {والأرض} وبعض من في الأرض. قال القشيري : وفي الآية مسلكان : أحدهما : أنها عامة والمراد بها التخصيص؛ فالمؤمن يسجد طوعا، وبعض الكفار يسجدون إكراها وخوفا كالمنافقين؛ فالآية محمولة على هؤلاء، ذكره الفراء. وقيل على هذا القول : الآية في المؤمنين؛ منهم من يسجد طوعا لا يثقل عليه السجود، ومنهم من يثقل عليه؛ لأن التزام التكليف مشقة، ولكنهم يتحملون المشقة إخلاصا وإيمانا، إلى أن يألفوا الحق ويمرنوا عليه. والمسلك الثاني : وهو الصحيح - إجراء الآية على التعميم؛ وعلى هذا طريقان : أحدهما : أن المؤمن يسجد طوعا، وأما الكافر فمأمور : السجود مؤاخذ به. والثاني : وهو الحق - أن المؤمن يسجد ببدنه طوعا، وكل مخلوق من المؤمن والكافر يسجد من حيث إنه مخلوق، يسجد دلالة وحاجة إلى الصانع؛ وهذا كقوله {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} [
الإسراء : 44] وهو تسبيح دلالة لا تسبيح عبادة. قوله تعالى {وظلالهم بالغدو والآصال} أي ظلال الخلق ساجدة لله تعالى بالغدو والآصال؛ لأنها تبين في هذين الوقتين، وتميل من ناحية إلى ناحية؛ وذلك تصريف الله إياها على ما يشاء؛ وهو كقوله تعالى {أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون} [
النحل : 48] قال ابن عباس وغيره. وقال مجاهد : ظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع؛ وظل الكافر يسجد كرها وهو كاره. وقال ابن الأنباري : يجعل للظلال عقول تسجد بها وتخشع بها، كما جعل للجبال أفهام حتى خاطبت وخوطبت. قال القشيري : في هذا نظر؛ لأن الجبل عين، فيمكن أن يكون له عقل بشرط تقدير الحياة، وأما الظلال فآثار وأعراض، ولا يتصور تقدير الحياة لها، والسجود بمعنى الميل؛ فسجود الظلال ميلها من جانب إلى جانب؛ يقال : سجدت النخلة أي مالت. و}الآصال} جمع أصل، والأصل جمع أصيل؛ وهو ما بين العصر إلى الغروب، ثم أصائل جمع الجمع؛ قال أبو ذؤيب الهذلي : لعمري لأنتَ البيتُ أُكرِمُ أهلَهُ ** وأقعد في أفيائه بالأصائل و {ظلالهم} يجوز أن يكون معطوفا على {من} ويجوز أن يكون ارتفع بالابتداء والخبر محذوف؛ التقدير : وظلالهم سجد بالغدو والآصال و{بالغدو} يجوز أن يكون مصدرا، ويجوز أن يكون جمع غداة؛ يقوِّي كونه جمعا مقابلة الجمع الذي هو الآصال به.
ولله وحده يسجد خاضعًا منقادًا كُلُّ مَن في السموات والأرض، فيسجد ويخضع له المؤمنون طوعًا واختيارًا، ويخضع له الكافرون رغمًا عنهم؛ لأنهم يستكبرون عن عبادته، وحالهم وفطرتهم تكذِّبهم في ذلك، وتنقاد لعظمته ظلال المخلوقات، فتتحرك بإرادته أول النهار وآخره.
أي: جميع ما احتوت عليه السماوات والأرض كلها خاضعة لربها، تسجد له { طَوْعًا وَكَرْهًا } فالطوع لمن يأتي بالسجود والخضوع اختيارا كالمؤمنين، والكره لمن يستكبر عن عبادة ربه، وحاله وفطرته تكذبه في ذلك، { وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } أي: ويسجد له ظلال المخلوقات أول النهار وآخره وسجود كل شيء بحسب حاله كما قال تعالى: { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } فإذا كانت المخلوقات كلها تسجد لربها طوعا وكرها كان هو الإله حقا المعبود المحمود حقا وإلاهية غيره باطلة، ولهذا ذكر بطلانها
قوله عز وجل : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا ) يعني : الملائكة والمؤمنين ( وكرها ) يعني : المنافقين والكافرين الذين أكرهوا على السجود بالسيف .
( وظلالهم ) يعني : ظلال الساجدين طوعا وكرها تسجد لله عز وجل طوعا . قال مجاهد : ظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع ، وظل الكافر يسجد طوعا وهو كاره .
( بالغدو والآصال ) يعني إذا سجد بالغدو أو العشي يسجد معه ظله . و " الآصال " : جمع " الأصل " ، و " الأصل " جمع " الأصيل " ، وهو ما بين العصر إلى غروب الشمس .
وقيل : ظلالهم أي : أشخاصهم ، بالغدو والآصال : بالبكر والعشايا . وقيل : سجود الظل تذليله لما أريد له .
(وَلِلَّهِ) الواو استئنافية ولفظ الجلالة مجرور باللام متعلقان بيسجد (يَسْجُدُ) مضارع والجملة مستأنفة (مَنْ) موصول فاعل (فِي السَّماواتِ) متعلقان بمحذوف صلة (وَالْأَرْضِ) معطوف (طَوْعاً وَكَرْهاً) الأول حال والثاني معطوف عليه (وَظِلالُهُمْ) معطوف على من والهاء مضاف إليه (بِالْغُدُوِّ) متعلقان بيسجد (وَالْآصالِ) معطوف على بالغدو.
Traslation and Transliteration:
Walillahi yasjudu man fee alssamawati waalardi tawAAan wakarhan wathilaluhum bialghuduwwi waalasali
And unto Allah falleth prostrate whosoever is in the heavens and the earth, willingly or unwillingly, as do their shadows in the morning and the evening hours.
Göklerde ve yeryüzünde ne varsa, sabah ve akşam, isteristemez, kendileri de, gölgeleri de Allah'a secde eder.
Et c'est à Allah que se prosternent, bon gré mal gré, tous ceux qui sont dans les cieux et sur la terre, ainsi que leurs ombres, au début et à la fin de la journée.
Und für ALLAH vollziehen Sudschud alle, die in den Himmeln und auf Erden sind - aus freien Stücken und widerwillig - auch ihre Schatten morgens und abends.
 |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الرعد (Ar-Ra'd - The Thunder) |
ترتيبها |
13 |
عدد آياتها |
43 |
عدد كلماتها |
854 |
عدد حروفها |
3450 |
معنى اسمها |
(الرَّعْدُ): الصَّوتُ القَوِيُّ الَّذِي يُسْمَعُ مِنَ السَّحَابِ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ صِفَةِ تَسْبِيحِ الرَّعْدِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقْصِدِ العَامِّ للسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الرَّعْدِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ الأَدِلَّةِ العَدِيدَةِ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ تعَالَى وَتَوحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِن صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الرَّعْدِ) بِآخِرِهَا:
ذِكْرُ القُرْآنِ الكَرِيمِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ...١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ ...٤٣﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الرَّعْدِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام):
قَالَ عَنِ القُرْآنِ فِي آخِرِ (يُوسُفَ عليه السلام): ﴿مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ ...١١١﴾، وَوَصَفَ المُعْرِضِينَ عَنْهُ فِي أَوَّلِ (الرَّعْدِ) فَقَالَ: ﴿الٓمٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِۗ وَٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ ١﴾. |