المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة ابراهيم: [الآية 21]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة ابراهيم | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52)
[ «هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ» ]
-الوجه الأول - «هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ» فهو بلاغ للإنسان من كونه من الناس «وَلِيُنْذَرُوا بِهِ» من كونه على قدم غرور وخطر فيحذرو «وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ»
أي بفعل ما يريد ما ثمّ آخر يرده عن إرادته فيك ويصده «وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ»
بما أشهدهم على نفسه أنه ربه ، ليقوم بما يجب على المملوك في حق سيده الذي أقر له بالملك ، فإن التذكر لا يكون إلا عن علم متقدم منسي ، فيذكره من يعلم ذلك ، فالقرآن بلاغ من وجه وإنذار من وجه وإعلام من وجه وتذكرة لما نسيه من وجه ، والمخاطب بهذا كله واحد العين وهو الإنسان
- الوجه الثاني -ميز اللّه بين طبقات العالم ليعلموا أن اللّه قد رفع بعضهم فوق بعض درجات فقال : «هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ» يريد طائفة مخصوصة لا يعقلون منه سوى أنه بلاغ ، يسمعون حروفه إيمانا بها أنها من عند اللّه لا يعرفون غير ذلك «وَلِيُنْذَرُوا بِهِ» في حق طائفة أخرى عينها بهذا الخطاب «وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ» في حق طائفة أخرى عينها بهذا الخطاب ، وأراد بالعلم هنا الإيمان ، وهو الذي يعول عليه في السعادة ، فإن اللّه به أمر ،
وسميناه علما لكون المخبر هو اللّه فقال : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ) وقال تعالى : «وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ» «وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ» في حق طائفة أخرى وهم العلماء باللّه وبالأمر على ما هو عليه ، فيتذكر أرباب العقول ما كانوا قد علموه قبل ، أي ما جاءوا بما تحيله الأدلة الغامض إدراكها ،
فإنها لب الدلالات ، والقرآن واحد في نفسه ، تكون الآية منه تذكرة لذي اللب ، وتوحيدا لطالب العلم بتوحيده ، وإنذارا للمترقب الحذر ، وبلاغا للسامع ليحصل له أجر السماع ، كالأعجمي الذي لا يفهم اللسان ، فيسمع
فيعظم كلام اللّه من حيث نسبته إلى اللّه ، ولا يعرف معنى ذلك اللفظ حتى يشرح له بلسانه ويترجم له عنه .
(15) سورة الحجر مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(51) الفتوحات ج 4 / 268 - ج 3 / 85 - ج 1 / 513">513 - ج 3 / 85 - ج 1 / 326 - ج 3 / 85 - ج 1 / 513">513 - ج 3 / 544تفسير ابن كثير:
يقول : ( وبرزوا [ لله ] ) أي : برزت الخلائق كلها ، برها وفاجرها لله وحده الواحد القهار ، أي : اجتمعوا له في براز من الأرض ، وهو المكان الذي ليس فيه شيء يستر أحدا .
( فقال الضعفاء ) وهم الأتباع لقادتهم وسادتهم وكبرائهم الذين استكبروا عن عبادة الله وحده لا شريك له ، وعن موافقة الرسل ، فقالوا لهم : ( إنا كنا لكم تبعا ) أي : مهما أمرتمونا ائتمرنا وفعلنا ، ( فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء ) أي : فهل تدفعون عنا شيئا من عذاب الله ، كما كنتم تعدوننا وتمنوننا ؟ فقالت القادة لهم : ( لو هدانا الله لهديناكم ) ولكن حق علينا قول ربنا ، وسبق فينا وفيكم قدر الله ، وحقت كلمة العذاب على الكافرين ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) أي : ليس لنا خلاص مما نحن فيه إن صبرنا عليه أو جزعنا منه .
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إن أهل النار قال بعضهم لبعض : تعالوا ، فإنما أدرك أهل الجنة الجنة ببكائهم وتضرعهم إلى الله - عز وجل - تعالوا نبك ونتضرع إلى الله فبكوا وتضرعوا ، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا : تعالوا ، فإنما أدرك أهل الجنة الجنة بالصبر ، تعالوا حتى نصبر فصبروا صبرا لم ير مثله ، فلم ينفعهم ذلك ، فعند ذلك قالوا ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص )
قلت : والظاهر أن هذه المراجعة في النار بعد دخولهم إليها ، كما قال تعالى : ( وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد ) [ غافر : 47 ، 48 ] وقال تعالى : ( قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ) [ الأعراف : 38 ، 39 ] ، وقال تعالى : ( يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ) [ الأحزاب : 66 - 68 ] .
وأما تخاصمهم في المحشر ، فقال تعالى : ( ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ) [ سبأ : 31 - 33 ] .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ وَبَرَزُوا } أي: الخلائق { لِلَّهِ جَمِيعًا } حين ينفخ في الصور فيخرجون من الأجداث إلى ربهم فيقفون في أرض مستوية قاع صفصف، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ويبرزون له لا يخفى [عليه] منهم خافية، فإذا برزوا صاروا يتحاجون، وكل يدفع عن نفسه، ويدافع ما يقدر عليه، ولكن أني لهم ذلك؟
فيقول { الضُّعَفَاءُ } أي: التابعون والمقلدون { لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا } وهم: المتبوعون الذين هم قادة في الضلال: { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } أي: في الدنيا، أمرتمونا بالضلال، وزينتموه لنا فأغويتمونا، { فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ } أي: ولو مثقال ذرة، { قَالُوا } أي: المتبوعون والرؤساء { أغويناكم كما غوينا } و { لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } فلا يغني أحد أحدا، { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا } من العذاب { أَمْ صَبَرْنَا } عليه، { مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ } أي: من ملجأ نلجأ إليه، ولا مهرب لنا من عذاب الله.
تفسير البغوي
قوله عز وجل : ( وبرزوا لله جميعا ) [ أي : خرجوا من قبورهم إلى الله وظهروا جميعا ] ( فقال الضعفاء ) يعني : الأتباع ( للذين استكبروا ) أي : تكبروا على الناس وهم القادة والرؤساء : ( إنا كنا لكم تبعا ) جمع تابع ، مثل : حرس وحارس ( فهل أنتم مغنون ) دافعون ( عنا من عذاب الله من شيء ) .
( قالوا ) يعني القادة المتبوعين : ( لو هدانا الله لهديناكم ) أي : لو هدانا الله لدعوناكم إلى الهدى ، فلما أضلنا دعوناكم إلى الضلالة ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) مهرب ولا منجاة .
قال مقاتل : يقولون في النار : تعالوا نجزع ، فيجزعون خمسمائة عام ، فلا ينفعهم الجزع ، ثم يقولون : تعالوا نصبر ، فيصبرون خمسمائة عام فلا ينفعهم ، فحينئذ يقولون : ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) .
قال محمد بن كعب القرظي بلغني أن أهل النار استغاثوا بالخزنة . فقال الله تعالى : ( وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ) ( غافر - 49 ) ، فردت الخزنة عليهم : " أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى " ، فردت الخزنة عليهم : ( فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) ( غافر - 50 ) فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا : ( يا مالك ليقض علينا ربك ) ( الزخرف - 77 ) سألوا الموت ، فلا يجيبهم ثمانين سنة والسنة ستون وثلاثمائة يوما ، واليوم كألف سنة مما تعدون ، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين إنكم ماكثون ، فلما يئسوا مما قبله قال بعضهم لبعض : إنه قد نزل بكم من البلاء ما ترون فهلموا فلنصبر ، فلعل الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم ، فأجمعوا على الصبر ، فطال صبرهم ، ثم جزعوا فنادوا : " سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص " ، أي : من منجى .
قال : فقام إبليس عند ذلك فخطبهم ، فقال : " إن الله وعدكم وعد الحق " الآية ، فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم فنودوا : ( لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ) ( غافر - 10 ) قالوا فنادوا الثانية : " فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " ، فرد عليهم : ( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ) الآيات ( السجدة - 12 ، 13 ) فنادوا الثالثة : ( ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل ) ( إبراهيم 44 ) ، فرد عليهم : ( أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ) الآيات ( إبراهيم - 44 ) ، ثم نادوا الرابعة : ( ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ) فرد عليهم : ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ) ، الآية ( فاطر - 37 ) قال : فمكث عليهم ما شاء الله ، ثم ناداهم : " ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون " ، فلما سمعوا ذلك قالوا : الآن يرحمنا ، فقالوا عند ذلك : " ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون " ، قال عند ذلك : ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) ( المؤمنون 105 - 108 ) فانقطع عند ذلك الرجاء والدعاء عنهم ، فأقبل بعضهم على بعض ينبح بعضهم في وجوه بعض ، وأطبقت عليهم النار .
الإعراب:
(وَبَرَزُوا) الواو حرف استئناف وماض وفاعله والجملة مستأنفة (لِلَّهِ) لفظ الجلالة مجرور باللام متعلقان ببرزوا (جَمِيعاً) حال (فَقالَ الضُّعَفاءُ) الفاء عاطفة وماض وفاعله والجملة معطوفة (لِلَّذِينَ) موصول متعلقان بقال (اسْتَكْبَرُوا) ماض وفاعله والجملة صلة (إِنَّا) إن واسمها والجملة مقول القول (كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) كان واسمها وخبرها والجار والمجرور متعلقان بتبعا والجملة خبر إنا (فَهَلْ) الفاء حرف استئناف وهل حرف استفهام (أَنْتُمْ مُغْنُونَ) مبتدأ وخبر مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والجملة مستأنفة (عَنَّا) متعلقان بمغنون (مِنْ عَذابِ) متعلقان بمغنون (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه (مِنْ شَيْءٍ) من حرف جر زائد وشيء مجرور لفظا منصوب محلا مفعول به لاسم الفاعل مغنون (قالُوا) ماض وفاعله والجملة مستأنفة (لَوْ) حرف شرط غير جازم (هَدانَا) ماض ومفعوله (اللَّهِ) لفظ الجلالة فاعل والجملة ابتدائية لا محل لها (لَهَدَيْناكُمْ) اللام واقعة في جواب الشرط وفعل ماض وفاعله ومفعوله والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم (سَواءٌ) مبتدأ (عَلَيْنا) الجار والمجرور متعلقان بسواء (أَجَزِعْنا) الهمزة للتسوية وماض وفاعله والجملة من همزة التسوية وما بعدها مقول القول (أَمْ) عاطفة (صَبَرْنا) معطوف على جزعنا (ما لَنا) ما تعمل عمل ليس ولنا متعلقان بالخبر المقدم (مِنْ مَحِيصٍ) من حرف جر زائد ومحيص اسم ما مجرور لفظا مرفوع محلا والجملة مقول القول.