المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الحجر: [الآية 95]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة الحجر | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)
[ «حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» ]
ولما كان القسم بالرب ، جعل الحكم بالتسبيح لهذا الاسم والعبادة له ، حتى لا يكون لاسم آخر سلطان عليه في هذه النازلة على هذا المقام ، فقال له تعالى : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) وقال : «وَاعْبُدْ رَبَّكَ» المنعوت في الشرع «حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ»
- الوجه الأول -فتعرف باليقين من سجد منك ، ولمن سجدت ، فتعلم أنك آلة مسخرة بيد حق قادر ، اصطفاك وطهرك وحلاك بصفاته
- الوجه الثاني -اعلم أن الأسماء الإلهية نسب ، فمن عرف النسب فقد عرف اللّه ، ومن جهل النسب فقد جهل اللّه ، ومن عرف أن النسب تطلبها الممكنات فقد عرف العالم ، ومن عرف ارتفاع النسب فقد عرف ذات الحق من طريق السلب ، فلا يقبل النسب ولا تقبله ، وإذا لم يقبل النسب لم يقبل العالم ، فقوله تعالى : «وَاعْبُدْ رَبَّكَ» نسبة خاصة من الاسم الرب المضاف «حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» فتعلم من عبده ومن العابد والمعبود
–الوجه الثالث - «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» فينكشف الغطاء ويحتد البصر ، فترى ما رأى
الرسول صلّى اللّه عليه وسلم وتسمع ما سمع ، فتلحق به في درجته من غير نبوة تشريع ، بل وراثة محققة لنفس مصدقة متبعة - لذلك قرأ بعضهم من باب الإشارة «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ»
- الوجه الرابع - «حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» يعني الموت ، لأنه أمر متيقن لا اختلاف في وقوعه في كل حيوان
- الوجه الخامس - «اليقين»
[ «اليقين» ]
حكم اليقين سكون النفس بالمتيقن ، أو حركتها إلى المتيقن وهو ما يكون الإنسان فيه على بصيرة ، أي شيء كان ، فإذا كان حكم المبتغى حكم الحاصل فذلك اليقين ، سواء حصل المتيقن أو لم يحصل في الوقت ، وهو قول القائل لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ، مع أن المتيقن ما حصل في الوجود العيني ، فقال اللّه لنبيه ولكل عبد يكون بمثابته «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» ولما كان شرف اليقين بشرف المتيقن ، لهذا جاء بالألف واللام في قوله «حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» يريد متيقنا خاصا ، ما هو يقين يقع المدح به ، بل هو يقين معيّن ، واليقين هو الذي يأتي طالبا المحل الذي ينزل فيه ، فإذا تيقنت علمت بمن آمنت - الوجه السادس - إذا أضاف الحق نفسه إلى شيء من خلقه ، فانظر إلى عبادة ما أضاف نفسه إليه فقم بها أنت ، فإنك النسخة الجامعة ، وما عرفك الحق بهذه الإضافة الخاصة إلا لهذا ، مثال الإله المضاف : وإلهكم ، ربنا الذي أعطى ، رب المشرق والمغرب ، رب السماوات ، ورب آبائكم ، رب المشرقين ورب المغربين فعطف ، وما أظهر الإضافة كما فعل في غير ذلك ، ما فعله سدى ، فاعبد ربك على ما قلته لك في كل إضافة حتى يأتيك اليقين ، وإذا أتاك اليقين انجلى لك الأمر وعرفت شرف الإضافة ، فإنه ما عبد أحد الإله المطلق عن الإضافة فإنه الإله المجهول .
بحث في اليقين -اليقين مقام شريف بين العلم والطمأنينة ، وربما اشتق اليقين من يقن الماء إذا استقر ، فاليقين استقرار الإيمان في القلب ، واعلم أن اليقين لما اعتنى به اللّه دون غيره من المقامات ، أكمل نشأته فسوى ذاته أولا حين أرسله مطلقا ، مثل قوله تعالى : «حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» ثم جعل له عينا وعلما وحقا وأخفى حقيقته ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول : [ لكل شيء حقيقة ] وقد ثبت حق اليقين ، فلا بد لهذا الحق من حقيقة ، وهو حقيقة اليقين ، فصار اليقين على هذا نشأة قائمة على أربعة أركان : علم وعين وحق وحقيقة ، فالحقيقة سنّية ، والثلاثة الأركان الباقية كتابية ، فاليقين اسم يكون منه فعل فيظهر في حضرة الأفعال على مراتبها ، ولا يتمكن أن يوصف بوجه ، بخلاف العلم ، فلا يوصف بالقدم
ويوصف بالعلم والعين والحق وغير ذلك ، ولما كان فلك اليقين واسعا ، كان في حركته بطء لاتساع فلكه ولعلوه وارتفاعه ، فلا يظهر له في عالم التركيب ذلك الأثر الظاهر إلا عند القليل من المتروحنين من البشر ، وذلك لعلو هممهم ، فإنها جازت عليه من فلكه وقربت منه فحصل آثاره فيها ، ولذلك قال تعالى : (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) *فجعلهم قوما ، فإن الشكوك هي الغالبة والقطع على جهالة لا على يقين ، فسمي القطع يقينا ، واليقين من جهة الحقيقة غير حاصل عند أكثر الناس ، وإن القطع عندهم حاصل عندهم ويسمونه يقينا ، وليس كذلك ، فلو كانت دائرة فلك اليقين قريبة منا سريعة الدور ضيقة الفلك لكانت سريعة الأثر ، وكان الخلق أكثرهم على اليقين ، فكانوا على سبيل الحق ، لكن الأمر كما ترى بالعكس ، وانظر في إشارة الشارع بقوله تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلم (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وقلّل الصالحين فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) فأين أنت من أصحاب اليقين الذين هم أقل من عمّال الصالحات ، بل نبّه عليهم (بِقَوْمٍ) *فهم أقل من القليل ، واليقين فوق الإيمان بلا شك ، فأين الطمأنينة أبعد وأبعد ، وأخبر صلّى اللّه عليه وسلم أنه يتعلم اليقين ، وقيل له «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» وسر ذلك أنه قيل له (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) والعلم لا بد بأن يستند إلى اليقين ، لأن اليقين روح العلم والطمأنينة حياته ، فلا يزال يطلب الزيادة من العلم ، فلا يزال يتعلم اليقين لارتباطه به ، وهكذا في كل دقيقة من دقائق التفاصيل ، ولما كان العلم بهذه المثابة انبغى لكل عاقل أن لا يسأل سواه في كل شيء ، ولما كان لليقين نشأة كاملة كانت له عين مميزة ، فقيل عين اليقين ، لئلا يتخيل السامع أنا نريد عين الشمس وغير ذلك ، ونقول علم اليقين في العلم ، لئلا يتخيل علم النحو أو علم الأدب ، وكذلك حقّ اليقين ، لئلا يتخيل حق قدره وحق تقاته إذا قلنا حق ولا نضيفه إلى اليقين ، كذلك نقول حقيقة اليقين ، لئلا يتخيل أنا نريد حقيقة الإيمان وحقيقة الوجود ، فجاءت الإضافة قطعا ، لأن اليقين هو مجموع هذه الأشياء فجازت ، واليقين ما بأيدي الناس منه إلا مجرد ذاته الجسمانية ، أي حروفه اللفظية والرقمية ، ولذلك ما تجد أحدا إلا وهو يشك في المقدور ، إما بعقده وإما بحاله ضرورة ، وأدناها مرتبة هذه الكسيرة التي وقع القسم من اللّه عليها بضمانها ، ولا بد أن يعطيها ولم يشترط فيها إيمانا ولا كفرا ، ومع هذا كله لم يثلج صدره ولا حصل في النفس من اليقين
467
علم ولا عين ولا حق ولا حقيقة ، فأين أنت يا مسكين ؟ فمن كشف اللّه له عن بصيرته وانحل قفله من أهل الكمال قليلون جدا ، فانظر ما أعلى درجة اليقين ، فإن عين اليقين بها ينظر إلى الهمم عند تسابقها إليه وتجاريها على براقات الأعمال الصالحات ، فيشهدها خارجة من النفوس المسجونة في الهياكل الظلمانية ، واختراقها عالم الوهم والمثال الذي هو البحر الخضم الذي تهلك فيه أكثر الهمم ، وتعاين هذا اليقين بالعين المضافة ، فالصاحب يقول :
إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم كان يكلم دحية ، وإنما كان جبريل عليه السلام ، فإذا قال : إنه دحية فلا علم عنده ولا يقين ، لكنه عنده القطع الذي يسميه يقينا ، واليقين إذا نظر بعينه إلى مثل ما ذكرناه ورأى رجوع الهمم يتعجب مما خلق اللّه عليه العقول من القصور ، فما أشأم من وثق بعقله ، أو قال إنه يعرف ربه بعقله ، وإذا وصلت الهمم بالمسابقة إلى اليقين وهو ينظر إليها بعينه ، أنزلها في حضرته وحصل من صور الهمم التي يمتاز بعضها من بعض صورة معقولة ، لا يمكن للبصر أن يدركها ، لأنها غيب ، فيسلط علمه عليها ، وهذا هو علم اليقين المضاف إليه ، فعينك إذا لم تغلط من عين اليقين ، وإذا غلطت من عين القطع ، وعلمك إذا لم يغلط من علم اليقين وإذا غلط فمن علم القطع ، وهو قوله تعالى : [ كنت سمعه وبصره ] فلا يرى إلا اليقين ولا يعلم إلا اليقين ، وأما حق اليقين فهو أن ينظر عندما تميزت له صفات الفصل بين الهمم في الأمر الذي انبعثت عنه وحكم مزاج صاحب تلك الهمة وأين محله من عالمه وعلى ما ذا قامت بنيته حين يبدو له ما يعطي امتزاج أخلاطه من القوة ، فيكون الإمداد بحسب ذلك ، وأما حقيقة اليقين فهو أن ينظر في المقام المعلوم الذي منه نزل إلى أسفل سافلين ، فإنه إلى ذلك ينتهي بعد التكليف والالتحاق بالروحانيات العلى ، فإن اللّه تعالى أوجد كل لطيفة إنسانية في مقامها الذي تؤول إليه كالملائكة سواء ، ثم نزلت إلى تدبير الأبدان فهكذا الإنسان لا يزال يترقى إلى آخر نفسه الذي يموت عليه ، وهو مقامه الذي نزل منه ، ولذلك قال (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) *ولا يرجع إلى شيء إلا من خرج منه ، فبذلك المقام تتعلق حقيقة اليقين .
(16) سورة النّحل مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(99) كتاب القسم الإلهي - الفتوحات ج 3 / 311 - ج 2 / 34 ، 74 - ج 3 / 311 - كتاب الإعلام - الفتوحات ج 2 / 295 ، 204 - ج 4 / 365 - رسالة اليقينتفسير ابن كثير:
وقوله : ( وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين ) أي : بلغ ما أنزل إليك من ربك ، ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله . ( ودوا لو تدهن فيدهنون ) [ القلم : 9 ] ولا تخفهم ; فإن الله كافيك إياهم ، وحافظك منهم ، كما قال تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) [ المائدة : 67 ]
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، حدثنا عون بن كهمس ، عن يزيد بن درهم قال : سمعت أنسا يقول في هذه الآية : ( إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر ) قال : مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغمزه بعضهم ، فجاء جبريل أحسبه قال : فغمزهم فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة حتى ماتوا
وقال محمد بن إسحاق : كان عظماء المستهزئين - كما حدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير - خمسة نفر ، كانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم ، من بني أسد بن عبد العزى بن قصي : الأسود بن المطلب أبو زمعة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - قد دعا عليه ؛ لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه [ به ] فقال : اللهم ، أعم بصره ، وأثكله ولده . ومن بني زهرة : الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة . ومن بني مخزوم : الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم . ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي : العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد . ومن خزاعة : الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عبد عمرو بن ملكان - فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاستهزاء ، أنزل الله تعالى : ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين ) إلى قوله : ( فسوف يعلمون )
وقال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، أو غيره من العلماء ، أن جبريل أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يطوف بالبيت ، فقام وقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنبه ، فمر به الأسود [ ابن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء ، فعمي . ومر به الأسود ] بن عبد يغوث ، فأشار إلى بطنه ، فاستسقى بطنه ، فمات منه حبنا . ومر به الوليد بن المغيرة ، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله - كان أصابه قبل ذلك بسنتين وهو يجر إزاره - وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلا له ، فتعلق سهم من نبله بإزاره ، فخدش رجله ذلك الخدش ، وليس بشيء - فانتقض به فقتله . ومر به العاص بن وائل ، فأشار إلى أخمص قدمه ، فخرج على حمار له يريد الطائف ، فربض على شبرقة فدخلت في أخمص رجله منها شوكة فقتلته . ومر به الحارث بن الطلاطلة ، فأشار إلى رأسه ، فامتخط قيحا ، فقتله
قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن رجل ، عن ابن عباس قال : كان رأسهم الوليد بن المغيرة ، وهو الذي جمعهم .
وهكذا روي عن سعيد بن جبير وعكرمة نحو سياق محمد بن إسحاق ، عن يزيد ، عن عروة بطوله ، إلا أن سعيدا يقول : الحارث بن غيطلة . وعكرمة يقول : الحارث بن قيس .
قال الزهري : وصدقا ، هو الحارث بن قيس ، وأمه غيطلة .
وكذا روي عن مجاهد ، ومقسم ، وقتادة ، وغير واحد ، أنهم كانوا خمسة .
وقال الشعبي : كانوا سبعة .
والمشهور الأول .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ إنا كفيناك المستهزئين } بك وبما جئت به وهذا وعد من الله لرسوله، أن لا يضره المستهزئون، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة. وقد فعل تعالى فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة.
تفسير البغوي
( إنا كفيناك المستهزئين ) يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : فاصدع بأمر الله ، ولا تخف أحدا غير الله عز وجل ، فإن الله كافيك من عاداك كما كفاك المستهزئين ، وهم خمسة نفر من رؤساء قريش : الوليد بن المغيرة المخزومي - وكان رأسهم - والعاص بن وائل السهمي والأسود بن عبد المطلب بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن زمعة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا عليه فقال : " اللهم أعم بصره واثكله بولده والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة ، والحارث بن قيس بن الطلاطلة ، فأتى جبريل محمدا صلى الله عليه وسلم ، والمستهزئون يطوفون بالبيت ، فقام جبريل وقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، فمر به الوليد بن المغيرة ، فقال جبريل : يا محمد كيف تجد هذا ؟ فقال : بئس عبد الله ، فقال : قد كفيته ، وأومأ إلى ساق الوليد ، فمر برجل من خزاعة نبال يريش نبلا له وعليه برد يمان ، وهو يجر إزاره ، فتعلقت شظية من نبل بإزاره فمنعه الكبر أن " يطاطئ رأسه " فينزعها ، وجعلت تضرب ساقه ، فخدشته ، فمرض منها فمات .
ومر به العاص بن وائل فقال جبريل : كيف تجد هذا يا محمد ؟ قال : بئس عبد الله ، فأشار جبريل إلى أخمص رجليه ، وقال : قد كفيته ، فخرج على راحلته ومعه ابنان له يتنزه فنزل شعبا من تلك الشعاب فوطئ على شبرقة فدخلت منها شوكة في أخمص رجله ، فقال : لدغت لدغت ، فطلبوا فلم يجدوا شيئا ، وانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق البعير ، فمات مكانه .
ومر به الأسود بن المطلب ، فقال جبريل : كيف تجد هذا ؟ قال عبد سوء ، فأشار بيده إلى عينيه ، وقال : قد كفيته ، فعمي .
قال ابن عباس رماه جبريل بورقة خضراء فذهب بصره ووجعت عيناه ، فجعل يضرب برأسه الجدار حتى هلك .
وفي رواية الكلبي : أتاه جبريل وهو قاعد في أصل شجرة ومعه غلام له فجعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك ، فاستغاث بغلامه ، فقال غلامه : لا أرى أحدا يصنع بك شيئا غير نفسك ، حتى مات ، وهو يقول قتلني رب محمد .
ومر به الأسود بن عبد يغوث ، فقال جبريل : كيف تجد هذا يا محمد ؟ قال : بئس عبد الله على أنه ابن خالي . فقال : قد كفيته ، وأشار إلى بطنه فاستسقى [ بطنه ] فمات حينا .
وفي رواية للكلبي أنه خرج من أهله فأصابه السموم فاسود حتى عاد حبشيا ، فأتى أهله فلم يعرفوه ، وأغلقوا دونه الباب حتى مات ، وهو يقول : قتلني رب محمد .
ومر به الحارث بن قيس فقال جبريل : كيف تجد هذا يا محمد فقال : عبد سوء فأومأ إلى رأسه وقال : قد كفيته فامتخط قيحا فقتله .
وقال ابن عباس : إنه أكل حوتا مالحا فأصابه العطش فلم يزل يشرب عليه من الماء حتى انقد بطنه فمات ، فذلك قوله تعالى : ( إنا كفيناك المستهزئين ) بك وبالقرآن .
الإعراب:
(إِنَّا) إن واسمها (كَفَيْناكَ) ماض وفاعله ومفعوله الأول والجملة مستأنفة (الْمُسْتَهْزِئِينَ) مفعول به ثان منصوب بالياء