«واذكر» لهم «في الكتاب إبراهيم» أي: خبره «إنه كان صديقا» مبالغا في الصدق «نبيا» ويبدل من خبره.
لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّ (96)
الود هو ثبات الحب ، أي سيجعل لهم الرحمن ثباتا في المحبة عند اللّه وفي قلوب عباده .
------------
(96) الفتوحات ج 2 /
337
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر في الكتاب إبراهيم واتله على قومك هؤلاء الذين يعبدون الأصنام ، واذكر لهم ما كان من خبر إبراهيم خليل الرحمن الذين هم من ذريته ، ويدعون أنهم على ملته ، وهو كان صديقا نبيا - مع أبيه -
قوله تعالى{واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا} المعنى : واذكر في الكتاب الذي أنزل عليك وهو القرآن قصة إبراهيم وخبره. وقد تقدم معنى الصديق في [النساء] واشتقاق الصدق في [البقرة] فلا معنى للإعادة ومعنى الآية : اقرأ عليهم يا محمد في القرآن أمر إبراهيم فقد عرفوا أنهم من ولده، فإنه كان حنيفا مسلما وما كان يتخذ الأنداد، فهؤلاء لم يتخذون الأنداد؟ ! وهو كما قال {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه}[
البقرة : 130] قوله تعالى{إذ قال لأبيه} وهو آزر. {يا أبت} تقدم في (يوسف). {لم تعبد} أي لأي شي تعبد{ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا. يريد الأصنام{يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك} أي من اليقين والمعرفة بالله وما يكون بعد الموت، وأن من عبد غير الله عذب {فاتبعني} إلى ما أدعوك إليه. {أهدك صراطا سويا} أي أرشدك إلى دين مستقيم فيه النجاة. {يا أبت لا تعبد الشيطان} أي لا تطعه فيما يأمرك به من الكفر، ومن أطاع شيئا في معصية فقد عبده. {إن الشيطان كان للرحمن عصيا }كان صلة زائدة وقيل بمعنى صار. وقيل بمعنى الحال أي هو للرحمن. وعصيا وعاص بمعنى واحد قال الكسائي{يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن} أي إن مت على ما أنت عليه. ويكون {أخاف} بمعنى أعلم. ويجوز أن يكون {أخاف} على بابها فيكون المعنى : إني أخاف أن تموت على كفرك فيمسك العذاب. {فتكون للشيطان وليا} أي قرينا في النار. {قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم} أي أترغب عنها إلى غيرها. {لئن لم تنته لأرجمنك} قال الحسن : يعني بالحجارة. الضحاك : بالقول؛ أي لأشتمنك. ابن عباس : لأضربنك. وقيل : لأظهرن أمرك. {واهجرني مليا} قال ابن عباس : أي اعتزلني سالم العرض لا يصيبك منى معرة؛ واختاره الطبري، فقوله{مليا} على هذا حال من إبراهيم. وقال الحسن ومجاهد{مليا} دهرا طويلا؛ ومنه قول المهلهل : فتصدعت صم الجبال لموته ** وبكت عليه المرملات مليا قال الكسائي : يقال هجرته مليا وملوة وملوة وملاوة وملاوة، فهو على هذا القول ظرف، وهو بمعنى الملاوة من الزمان، وهو الطويل منه.
واذكر - أيها الرسول - لقومك في هذا القرآن قصة إبراهيم - عليه السلام - إنه كان عظيم الصدق، ومِن أرفع أنبياء الله تعالى منزلة.
تفسير الآيتين 41 و42 :ـ
أجل الكتب وأفضلها وأعلاها، هذا الكتاب المبين، والذكر الحكيم، فإن ذكر فيه الأخبار، كانت أصدق الأخبار وأحقها، وإن ذكر فيه الأمر والنهي، كانت أجل الأوامر والنواهي، وأعدلها وأقسطها، وإن ذكر فيه الجزاء والوعد والوعيد، كان أصدق الأنباء وأحقها وأدلها على الحكمة والعدل والفضل،. وإن ذكر فيه الأنبياء والمرسلون، كان المذكور فيه، أكمل من غيره وأفضل، ولهذا كثيرا ما يبدئ ويعيد في قصص الأنبياء، الذين فضلهم على غيرهم، ورفع قدرهم، وأعلى أمرهم، بسبب ما قاموا به، من عبادة الله ومحبته، والإنابة إليه، والقيام بحقوقه، وحقوق العباد، ودعوة الخلق إلى الله، والصبر على ذلك، والمقامات الفاخرة، والمنازل العالية،. فذكر الله في هذه السورة جملة من الأنبياء، يأمر الله رسوله أن يذكرهم، لأن في ذكرهم إظهار الثناء على الله وعليهم، وبيان فضله وإحسانه إليهم،. وفيه الحث على الإيمان بهم ومحبتهم، والاقتداء بهم، فقال: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ْ} جمع الله له بين الصديقية والنبوة.
فالصديق: كثير الصدق، فهو الصادق في أقواله وأفعاله وأحواله، المصدق بكل ما أمر بالتصديق به،.وذلك يستلزم العلم العظيم الواصل إلى القلب، المؤثر فيه، الموجب لليقين، والعمل الصالح الكامل،. وإبراهيم عليه السلام، هو أفضل الأنبياء كلهم بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الأب الثالث للطوائف الفاضلة، وهو الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، وهو الذي دعا الخلق إلى الله، وصبر على ما ناله من العذاب العظيم، فدعا القريب والبعيد، واجتهد في دعوة أبيه، مهما أمكنه، وذكر الله مراجعته إياه، فقال: { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ ْ} مهجنا له عبادة الأوثان: { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ْ} أي: لم تعبد أصناما، ناقصة في ذاتها، وفي أفعالها، فلا تسمع، ولا تبصر، ولا تملك لعابدها نفعا ولا ضرا، بل لا تملك لأنفسها شيئا من النفع، ولا تقدر على شيء من الدفع، فهذا برهان جلي دال على أن عبادة الناقص في ذاته وأفعاله مستقبح عقلا وشرعا. ودل بتنبيهه وإشارته، أن الذي يجب ويحسن عبادة من له الكمال، الذي لا ينال العباد نعمة إلا منه، ولا يدفع عنهم نقمة إلا هو، وهو الله تعالى.
قوله عز وجل : ( واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا ) " الصديق " : الكثير الصدق القائم عليه . وقيل : من صدق الله في وحدانيته وصدق أنبياءه ورسله وصدق بالبعث ، وقام بالأوامر فعمل بها ، فهو الصديق . و " النبي " : العالي في الرتبة بإرسال الله تعالى إياه .
(وَاذْكُرْ) الواو استئنافية وأمر فاعله مستتر والجملة مستأنفة (فِي الْكِتابِ) متعلقان باذكر (إِبْراهِيمَ) مفعول به (إِنَّهُ) إن والهاء اسمها والجملة تعليلية لا محل لها (كانَ) ماض ناقص والجملة خبر إنه واسمها مستتر، (صِدِّيقاً) خبر (نَبِيًّا) خبر ثان
Traslation and Transliteration:
Waothkur fee alkitabi ibraheema innahu kana siddeeqan nabiyyan
And make mention (O Muhammad) in the Scripture of Abraham. Lo! he was a saint, a prophet.
Kitapta İbrahim'i de an. Şüphe yok ki o, çok gerçek bir peygamberdi.
Et mentionne dans le Livre, Abraham. C'était un très véridique et un Prophète.
Und erwähne in der Schrift Ibrahim! Gewiß, er war ein äußerst Wahrhaftiger, ein Prophet!
 |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة مريم (Maryam - Mary) |
ترتيبها |
19 |
عدد آياتها |
98 |
عدد كلماتها |
972 |
عدد حروفها |
3835 |
معنى اسمها |
(مَرْيَمُ) ابْنةُ عِمْرَانَ: امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ عَابِدَةٌ، وَأُمُّ عِيسَى عليه السلام |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِطُولِ قِصَّةِ مَرْيَمَ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (مَرْيَمَ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (كٓهيعٓصٓ) |
مقاصدها |
بَيَانُ عِنَايَةِ اللهِ تَعَالَى لِأَولِيَائِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، فَعَنِ ابْنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: فِي (بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالكَهْفِ، وَمَرْيَمَ، وَطَهَ، وَالأنْبِيَاءِ) -«هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي». (رَوَاهُ البُخَارِيّ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (مَرْيَمَ) بِآخِرِهَا: حَدِيثُهَا عَنِ البِشَارَةِ لِلْمُتَّقِينَ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿يَٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ ٱسۡمُهُۥ يَحۡيَىٰ ...٧﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِينَ ...٩٧﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (مَرْيَمَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الكَهْفِ): لَمَّا ذَكَرَتِ (الْكَهْفُ) أَعَاجِيبَ الْقَصَصِ تَلَتْهَا (مَرْيمُ) بِأَعْجَبِ قِصَّتَينِ؛ وِلَادَةُ يَحْيَى وَعِيسَى عليه السلام (1). |