«قال» نوح «ربَّ انصرني» عليهم «بما كذَّبونِ» بسبب تكذيبهم إياي بأن تهلكهم قال تعالى مجيباً دعاءه.
وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)
[ «وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ» ]
فأمر نبيه أن يقول «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ» هذه الفرق التي وفّت النظر استطاعتها التي آتيتها ، فلم تصل إلا إلى التعطيل أو الشرك «وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ» فإنهم ما تعدوا ما آتاهم اللّه ، فيشفع هنا فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من حيث لا يشعرون ، فإذا نالتهم السعادة بالخروج من النار ، وقد غفر لهم اللّه بسؤال الرسول فيهم إذ قال «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ» حين أمره اللّه بذلك ، وما أمره بهذا الدعاء إلا ليجيبه ، فأجابه في ذلك ، فعرفوا قدر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عند ذلك إذا دخلوا الجنة ، فينتمون إليه فيها لأنه السيد الأكبر ، وهذا الدعاء يعم كل من هو بهذه المثابة من وقت آدم إلى نفخة الصعق ، لأنه ما خصص في دعوته إلا من هذه صفته ، ومن ينبغي أن يرحم ويغفر له ، فكل موحد للّه ولو بدليله وإن لم يكن مؤمنا ففي الجنة ، يدخله اللّه خاصة لا غيره ، ويشفع المؤمنون والأنبياء في أهل الكبائر من أهل الإيمان ، لأن الأنبياء بعثت بالخير وهو الإيمان ، والموحدون الذين لم يؤمنوا لكونهم ما بعث إليهم رسول ، أو كانوا في فترة ، فهم الذين يحشر كل واحد منهم أمة وحده ، فإن بعث في أمة - هو فيهم - رسول فلم يؤمن به مع علمه بأحدية خالقه دخل النار ، فما يخرج منها إلا بإخراج خالقه ، لأن الخلود في النار لا يكون بالنص لأهل التوحيد بأي وجه حصل لهم ، قال صلّى اللّه عليه وسلم [ من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا اللّه دخل الجنة ]
ولم يقل يقول ولا يؤمن ، وإنما ذكر العلم خاصة ، فلا يبقى في النار إلا مشرك أو معطل لا عن شبهة ولا عن نظر مستوف في النظر قوته ، فلم يبق في النار إلا المقلدة الذين كان في قوتهم واستعدادهم أن ينظروا فما نظرو
- مسئلة -قوله تعالى : «خَيْرُ الرَّاحِمِينَ» من باب المفاضلة ، فمعلوم أنه ما يرحم أحد من المخلوقين أحدا إلا بالرحمة التي أوجدها الرحمن فيه ، فهي رحمته تعالى ، لا رحمتهم ، ظهرت
في صورة مخلوق ، كما قال في [ سمع اللّه لمن حمده ] أن ذلك القول هو قول اللّه على لسان عبده ، فقوله تعالى الذي سمعه موسى أتم في الشرف من قوله تعالى على لسان قائل ، فوقع التفاضل بالمحل الذي سمع منه القول المعلوم أنه قول اللّه ،
وكذلك أيضا رحمته من حيث ظهورها من مخلوق أدنى من رحمته بعبده في غير صورة مخلوق ، فتعيّن التفاضل والأفضلية بالمحال ، إلا أن رحمة اللّه بعبده في صورة المخلوق تكون عظيمة ، فإنه يرحم عن ذوق ، فيزيل برحمته ما يجده الراحم من الألم في نفسه من هذا المرحوم ، والحق ليس كذلك ، فرحمته خالصة لا يعود عليه منها إزالة ألم ، فهو خير الراحمين ، فرحمة المخلوق عن شفقة ورحمة اللّه مطلقة .
(24) سورة النّور مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(118) الفتوحات ج 3 /
285 ، 553
يقول تعالى مخبرا عن نوح ، عليه السلام ، أنه دعا ربه يستنصره على قومه ، كما قال تعالى مخبرا [ عنه ] في الآية الأخرى : ( فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ) [ القمر : 10 ] ، وقال هاهنا : ( [ قال ] رب انصرني بما كذبون )
قوله {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون، وعليها وعلى الفلك تحملون }- تقدم القول فيهما في النحل.{ وعليها }أي وعلى الأنعام في البر. {وعلى الفلك} في البحر. {تحملون} وإنما يحمل في البر على البر فيجوز أن ترجع الكناية إلى بعض الأنعام. وروي أن رجلا ركب بقرة في الزمان الأول فأنطقها الله تعالى معه فقالت : إنا لم نخلق لهذا! وإنما خلقت للحرث. {ما لكم من إله غيره} قرئ بالخفض ردا على اللفظ، وبالرفع ردا على المعنى. وقد مضى في - الأعراف - . قوله {ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم} أي يسودكم ويشرف عليكم بأن يكون متبوعا ونحن له تبع. {ولو شاء الله لأنزل ملائكة} أي لو شاء الله ألا يعبد شيء سواه لجعل رسول ملكا. {ما سمعنا بهذا} أي بمثل دعوته. وقيل : ما سمعنا بمثله بشرا؛ أي برسالة ربه. {في آبائنا الأولين} أي في الأمم الماضية؛ قال ابن عباس. والباء في {بهذا} زائدة؛ أي ما سمعنا هذا كائنا في أبائنا الأولين، ثم عطف بعضهم على بعض فقالوا{إن هو}- يعنون نوحا {إلا رجل به جنة} أي جنون لا يدري ما يقول. {فتربصوا به حتى حين} أي انتظروا موته. وقيل : حتى يستبين جنونه. وقال الفراء : ليس يراد بالحين ها هنا وقت بعينه، إنما هو كقول : دعه إلى يوم ما. فقال حين تمادوا على كفرهم {رب انصرني بما كذبون} أي انتقم ممن لم يطعن ولم يسمع رسالتي. {فأوحينا إليه} أي أرسلنا إليه رسلا من السماء {أن اصنع الفلك} على ما تقدم بيانه. قوله {فاسلك فيها} أي أدخل فيها واجعل فيها؛ يقال : سلكته في كذا وأسلكته فيه في كذا وأسلكته فيه إذا أدخلته. قال عبد مناف بن ربع الهذلي : حتى إذا أسلكوهم في قتائدة ** شلا كما تطرد الجمالة الشردا {من كلٍّ زوجين اثنين} قرأ حفص {من كل} بالتنوين، الباقون بالإضافة؛ وقد ذكر. وقال الحسن : لم يحمل نوح في السفينة إلا ما يلد ويبيض، فأما البق والذباب والدود فلم يحمل شيئا منها، وإنما خرج من الطين. وقد مضى القول في السفينة والكلام فيها مستوفى، والحمد لله.
قال نوح: رب انصرني على قومي؛ بسبب تكذيبهم إياي فيما بلَّغتهم من رسالتك.
فلما رأى نوح أنه لا يفيدهم دعاؤه إلا فرارا { قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } فاستنصر ربه عليهم، غضبا لله، حيث ضيعوا أمره، وكذبوا رسوله وقال: { رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا* إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا } قال تعالى: { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ }
( قال رب انصرني بما كذبون ) أي : أعني بإهلاكهم لتكذيبهم إياي .
(قالَ) ماض فاعله مستتر (رَبِّ) منادى بأداة نداء محذوفة وهو منصوب والجملة مقول القول (انْصُرْنِي) فعل دعاء والفاعل مستتر والنون للوقاية وياء المتكلم مفعول به (بِما) مصدرية في محل جر (كَذَّبُونِ) ماض مبني على الضم والواو فاعل والنون للوقاية وياء المتكلم المحذوفة مفعول به
Traslation and Transliteration:
Qala rabbi onsurnee bima kaththabooni
He said: My Lord! Help me because they deny me.
Nuh, Rabbim dedi, beni yalanlamalarına karşı sen yardım et bana.
Il dit: «Seigneur! Apporte-moi secours parce qu'ils me traitent de menteur».
Er sagte: "Mein HERR! Stehe mir bei wegen dem, wie sie mich der Lüge bezichtigten."
 |
بيانات السورة |
| اسم السورة |
سورة المؤمنون (Al-Muminun - The Believers) |
| ترتيبها |
23 |
| عدد آياتها |
118 |
| عدد كلماتها |
1051 |
| عدد حروفها |
4354 |
| معنى اسمها |
(المُؤْمِنُونَ): جَمْعُ (مُؤْمِنٍ)، وَهُوَ مَنِ اتَّصَفَ بِالإِيمَانِ الَّذِي هُوَ: قَولٌ باللِسَانِ، وَاعْتِقَادٌ بِالجَنَانِ؛ أَيِ: الْقَلْبُ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ |
| سبب تسميتها |
صِفَاتُ المُؤْمِنِينَ هِيَ المَوضُوعُ البَارِزُ في السُّورَةِ؛ لِذَا بِهَا افْتُتِحَتْ؛ وَبِهَا سُمِّيَتْ |
| أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (المُؤْمِنُونَ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (قَدْ أَفلَحَ)، وَسُورَةَ (الْفَلاحِ) |
| مقاصدها |
التَّرْكِيزُ عَلَى مَسَائِلِ الإِيمَانِ، وَبَيَانُ صِفَاتِ أَهْلِ الإِيمَانِ، وَذِكْرُ مَنْ خَالَفَهُمْ، وبَيَانُ مَصِيرِهِمْ |
| أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
| فضلها |
خَصَّهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ ﷺ قَرَأَهَا فِي صَلاةِ الصُّبْحِ. (رَوَاهُ مُسْلِم) |
| مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (المُؤْمِنُونَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ فَلاحِ المُؤْمِنِينَ وَخَسَارَةِ الْكَافِرِينَ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ١١٧﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (المُؤْمِنُونَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الحَجِّ): لَمَّا اخْتُتِمَتِ (الحَجُّ) بِإِرْشَادِ المُؤْمِنِينَ عَلَى أَعْمَالِ الفَلَاحِ بِقَولِهِ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ۩ ٧٧﴾ افْتَتَحَ (المُؤْمِنُونَ) بِذِكْرِ الْفَلَاحِ فَقَالَ: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١﴾. |