«الذي يقيمون الصلاة» يأتون بها على وجهها «ويؤتون» يعطون «الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون» يعلمونها بالاستدلال وأعيد «هم» لما فصل بينه وبين الخبر.
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)
اعلم أن التالي إنما سمي تاليا لتتابع الكلام بعضه بعضا ، وتتابعه يقضي عليه بحرف الغاية ، وهما من وإلى ، فينزل من كذا إلى كذا ، ولما كان القلب من العالم الأعلى قال تعالى فيه (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) وكان اللسان من العالم الأنزل ، والحرف من عالم اللسان ،
ففصل اللسان الآيات وتلا بعضها بعضا ، فيسمى الإنسان تاليا من حيث لسانه ، فإنه المفصل لما أنزل مجملا .
------------
(92) الفتوحات ج 3 /
94
أي : إنما تحصل الهداية والبشارة من القرآن لمن آمن به واتبعه وصدقه ، وعمل بما فيه ، وأقام الصلاة المكتوبة ، وآتى الزكاة المفروضة ، وآمن بالدار الآخرة والبعث بعد الموت ، والجزاء على الأعمال ، خيرها وشرها ، والجنة والنار ، كما قال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ) [ فصلت : 44 ] . وقال : ( لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا )[ مريم : 97 ]
قوله تعالى: {طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين} مضى الكلام في الحروف المقطعة في البقرة وغيرها. و{تلك} بمعنى هذه؛ أي هذه السورة آيات القرآن وآيات كتاب مبين. وذكر القرآن بلفظ المعرفة، وقال {وكتاب مبين} بلفظ النكرة وهما في معنى المعرفة؛ كما تقول : فلان رجل عاقل وفلان الرجل العاقل. والكتاب هو القرآن، فجمع له بين الصفتين : بأنه قرآن وأنه كتاب؛ لأنه ما يظهر بالكتابة، ويظهر بالقراءة. وقد مضى اشتقاقهما في "البقرة" وقال في سورة الحجر {الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين} الحجر 1 فأخرج الكتاب بلفظ المعرفة والقرآن بلفظ النكرة؛ وذلك لأن القرآن والكتاب اسمان يصلح لكل واحد منهما أن يجعل معرفة، وأن يجعل صفة. ووصفه بالمبين لأنه بين فيه أمره ونهيه وحلاله وحرامه ووعده ووعيده؛ وقد تقدم. قوله تعالى: {هدى وبشرى للمؤمنين} {هدى} في موضع نصب على الحال من الكتاب؛ أي تلك آيات الكتاب هادية ومبشرة. ويجوز فيه الرفع على الابتداء؛ أي هو هدى. وإن شئت على حذف حرف الصفة؛ أي فيه هدى. ويجوز أن يكون الخبر {للمؤمنين} ثم وصفهم فقال {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون} وقد مضى بيانه. قوله تعالى: {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة} أي لا يصدقون بالبعث. {زينا لهم أعمالهم}قيل : أعمالهم السيئة حتى رأوها حسنة. وقيل : زينا لهم أعمالهم الحسنة فلم يعملوها. وقال الزجاج : جعلنا جزاءهم على كفرهم أن زينا لهم ما هم فيه. {فهم يعمهون} أي يترددون في أعمالهم الخبيثة، وفي ضلالتهم. عن ابن عباس. أبو العالية : يتمادون. قتادة : يلعبون. الحسن : يتحيرون؛ قال الراجز : ومهمه أطرافه في مهمه ** أعمى الهدى بالحائرين العمه قوله تعالى: {أولئك الذين لهم سوء العذاب} وهو جهنم. {وهم في الآخرة هم الأخسرون} {في الآخرة} تبيين وليس بمتعلق بالأخسرين فإن من الناس من خسر الدنيا وربح الآخرة، وهؤلاء خسروا الآخرة بكفرهم فهم أخسر كل خاسر. قوله تعالى: {وإنك لتلقى القرآن} أي يلقى عليك فتلقاه وتعلمه وتأخذه. {من لدن حكيم عليم} {لدن} بمعنى عند إلا أنها مبنية غير معربة، لأنها لا تتمكن، وفيها لغات ذكرت في "الكهف" وهذه الآية بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق من الأقاصيص، وما في ذلك من لطائف حكمته، ودقائق علمه.
وهي آيات ترشد إلى طريق الفوز في الدنيا والآخرة، وتبشر بحسن الثواب للمؤمنين الذين صَدَّقوا بها، واهتدَوْا بهديها، الذين يقيمون الصلوات الخمس كاملة الأركان، مستوفية الشروط، ويؤدون الزكاة المفروضة لمستحقيها، وهم يوقنون بالحياة الآخرة، وما فيها مِن ثواب وعقاب.
ربما قيل: لعله يكثر مدعو الإيمان فهل يقبل من كل أحد ادعى أنه مؤمن ذلك؟ أم لا بد لذلك من دليل؟ وهو الحق فلذلك بين تعالى صفة المؤمنين فقال: ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) فرضها ونفلها فيأتون بأفعالها الظاهرة، من أركانها وشروطها وواجباتها بل ومستحباتها، وأفعالها الباطنة وهو الخشوع الذي روحها ولبها باستحضار قرب الله وتدبر ما يقول المصلي ويفعله.
( وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) المفروضة لمستحقيها. ( وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) أي: قد بلغ معهم الإيمان إلى أن وصل إلى درجة اليقين وهو العلم التام الواصل إلى القلب الداعي إلى العمل. ويقينهم بالآخرة يقتضي كمال سعيهم لها، وحذرهم من أسباب العذاب وموجبات العقاب وهذا أصل كل خير.
"الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون".
(الَّذِينَ) اسم الموصول خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم الذين (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) مضارع وفاعل ومفعول به والجملة صلة (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) مضارع وفاعل ومفعول به والجملة معطوفة (وَهُمْ) الواو واو الحال وهم مبتدأ (بِالْآخِرَةِ) متعلقان بالفعل بعدهما (يُوقِنُونَ) الجملة خبر وجملة هم يوقنون في محل نصب على الحال
Traslation and Transliteration:
Allatheena yuqeemoona alssalata wayutoona alzzakata wahum bialakhirati hum yooqinoona
Who establish worship and pay the poor-due and are sure of the Hereafter.
O inananlara ki namazlarını kılarlar, zekatlarını verirler ve onlardır ahirete adamakıllı inananlar.
qui accomplissent la Salât, acquittent la Zakât et croient avec certitude en l'au-delà.
die das rituelle Gebet ordnungsgemäß verrichten und die Zakat entrichten, und sie haben Gewißheit an das Jenseits.
 |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النمل (An-Naml - The Ant) |
ترتيبها |
27 |
عدد آياتها |
93 |
عدد كلماتها |
1165 |
عدد حروفها |
4679 |
معنى اسمها |
(النَّمْلُ): الْحَشَرَةُ المَعْرُوفَةُ، وَالْوَاحِدَةُ (نَمْلَةٌ) |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذكر قِصَّةِ النَّمْلَةِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النَّمْلِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الهُدْهُدِ)، وَسُورَةَ (سُلَيمَانَ عليه السلام)، وَسُورَةَ: ﴿طسٓۚ﴾ |
مقاصدها |
ذِكْرُ نِعْمَةِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ سُبْحَانَهُ، وَمَا تَمَيَّزَ بِهِ كُلُّ نَبِيٍّ مِن مُعْجِزَاتٍ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُذكَرْ لَهَا سَبَبُ نُزُولٍ وَلا لِبَعضِ آياتِهَا |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَوْ أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النَّمل) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُهِمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي تَبْلِيغِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ٦﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَۖ ...٩٢﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النَّمْلِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الشُّعَرَاءِ): خُتِمَتِ (الشُّعَراءُ) بِصِفَاتِ المُؤمِنِيْن؛ فَقَالَ: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ...٢٢٧﴾، وافْتُتِحَتِ (النَّمْلُ) بِصِفَاتِهِمْ؛ فقال: ﴿ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٣﴾. |