«أَفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون» أي المؤمنون والفاسقون.
وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ فَلا يُبْصِرُونَ (27)
[ جميع الحواس لا تخطئ أبدا ]
إن العين لا تخطئ أبدا ، لا هي ولا جميع الحواس ، فإن إدراك الحواس إدراك ذاتي ، ولا تؤثر العلل الظاهرة العارضة في الذاتيات ، وإدراك العقل على قسمين : إدراك ذاتي هو فيه كالحواس لا يخطئ ، وإدراك غير ذاتي ، وهو ما يدركه بالآلة التي هي الفكر وبالآلة التي هي الحس ، فالخيال يقلد الحس فيما يعطيه ، والفكر ينظر في الخيال فيجد الأمور مفردات فيحب أن ينشئ منها صورة يحفظها العقل ، فينسب بعض المفردات إلى بعض ، فقد يخطئ في النسبة الأمر على ما هو عليه وقد يصيب ، فيحكم العقل على ذلك الحد فيخطئ ، فالعقل مقلد ، ولهذا اتصف بالخطإ ، وقد حصرت الآيات في السمع والبصر ، فإما شهود وإما خبر .
------------
(27) الفتوحات ج 2 /
628 - ج 3 /
351
يخبر تعالى عن عدله [ وكرمه ] أنه لا يساوي في حكمه يوم القيامة من كان مؤمنا بآياته متبعا لرسله ، بمن كان فاسقا ، أي : خارجا عن طاعة ربه مكذبا لرسله إليه ، كما قال تعالى : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) [ الجاثية : 21 ] ، وقال تعالى : ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) ، وقال تعالى : ( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ) [ الحشر : 20 ] ; ولهذا قال تعالى هاهنا : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ) أي : عند الله يوم القيامة .
فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا} أي ليس المؤمن كالفاسق؛ فلهذا آتينا هؤلاء المؤمنين الثواب العظيم. قال ابن عباس وعطاء بن يسار : نزلت الآية في علّي ابن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط؛ وذلك أنهما تلاحيا فقال له الوليد : أنا أبسط منك لسانا وأحد سنانا وأرد للكتيبة - وروي وأملأ في الكتيبة - جسدا. فقال له علّي : اسكت! فإنك فاسق؛ فنزلت الآية. وذكر الزجاج والنحاس أنها نزلت في علّي وعقبة بن أبي مُعيط. قال ابن عطية : وعلى هذا يلزم أن تكون الآية مكية؛ لأن عقبة لم يكن بالمدينة، وإنما قتل في طريق مكة منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر. ويعترض القول الآخر بإطلاق اسم الفسق على الوليد. وذلك يحتمل أن يكون في صدر إسلام الوليد لشيء كان في نفسه، أو لما روي من نقله عن بني المصطلق ما لم يكن، حتى نزلت فيه: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} الحجرات : 6] على ما يأتي في الحجرات بيانه. ويحتمل أن تطلق الشريعة ذلك عليه؛ لأنه كان على طرف مما يبغي. وهو الذي شرب الخمر في زمن عثمان رضي الله عنه، وصلى الصبح بالناس ثم التفت وقال : أتريدون أن أزيدكم، ونحو هذا مما يطول ذكره. الثانية: لما قسم الله تعالى المؤمنين والفاسقين الذين فسقهم بالكفر - لأن التكذيب في آخر الآية يقتضي ذلك - اقتضى ذلك نفي المساواة بين المؤمن والكافر؛ ولهذا منع القصاص بينهما؛ إذ من شرط وجوب القصاص المساواة بين القاتل والمقتول. وبذلك احتج علماؤنا على أبي حنيفة في قتله المسلم بالذمّي. وقال : أراد نفي المساواة ها هنا في الآخرة في الثواب وفي الدنيا في العدالة. ونحن حملناه على عمومه، وهو أصح، إذ لا دليل يخصه؛ قاله ابن العربي. الثالثة: قوله تعالى: {لا يستوون} قال الزجاج وغيره "من" يصلح للواحد والجمع. النحاس : لفظ "من" يؤدي عن الجماعة؛ فلهذا قال: "لا يستوون"؛ هذا قول كثير من النحويين. وقال بعضهم: {لا يستوون} الاثنين؛ لأن الاثنين جمع؛ لأنه واحد جمع مع آخر. وقاله الزجاج أيضا. والحديث يدل على هذا القول؛ لأنه عن ابن عباس وغيره قال : نزلت {أفمن كان مؤمنا} في علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، {كمن كان فاسقا} في الوليد بن عقبة بن أبي معيط. وقال الشاعر : أليس الموت بينهما سواء ** إذا ماتوا وصاروا في القبور
أفمن كان مطيعًا لله ورسوله مصدقًا بوعده ووعيده، مثل من كفر بالله ورسله وكذب باليوم الآخر؟ لا يستوون عند الله.
ينبه تعالى، العقول على ما تقرر فيها، من عدم تساوي المتفاوتين المتباينين، وأن حكمته تقتضي عدم تساويهما فقال: { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا } قد عمر قلبه بالإيمان، وانقادت جوارحه لشرائعه، واقتضى إيمانه آثاره وموجباته، من ترك مساخط اللّه، التي يضر وجودها بالإيمان.
{ كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا } قد خرب قلبه، وتعطل من الإيمان، فلم يكن فيه وازع ديني، فأسرعت جوارحه بموجبات الجهل والظلم، من كل إثم ومعصية، وخرج بفسقه عن طاعة الله.
أفيستوي هذان الشخصان؟.
{ لَا يَسْتَوُونَ } عقلاً وشرعًا، كما لا يستوي الليل والنهار، والضياء والظلمة، وكذلك لا يستوي ثوابهما في الآخرة.
قوله عز وجل: "أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون"، نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه، وذلك أنه كان بينهما تنازع وكلام في شيء، فقال الوليد بن عقبة لعلي اسكت فإنك صبي وأنا والله أبسط منك لساناً، وأحد منك سناناً، وأشجع منك جناناً، وأملأ حشواً في الكتيبة. فقال له علي: اسكت فإنك فاسق، فأنزل الله تعالى: "أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون"، ولم يقل: لا يستويان، لأنه لم يرد مؤمناً واحداً وفاسقاً واحداً، بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين.
(أَفَمَنْ) الهمزة حرف استفهام والفاء حرف عطف ومن اسم موصول مبتدأ (كانَ) ماض ناقص اسمه مستتر (مُؤْمِناً) خبره والجملة صلة من (كَمَنْ) خبر المبتدأ من.
(كانَ) ماض ناقص اسمه مستتر (فاسِقاً) خبره والجملة صلة من (لا يَسْتَوُونَ) لا نافية ومضارع مرفوع والواو فاعله والجملة مستأنفة لا محل لها.
Traslation and Transliteration:
Afaman kana muminan kaman kana fasiqan la yastawoona
Is he who is a believer like unto him who is an evil-liver? They are not alike.
İnanan kişi, inançtan çıkan kişiye benzer mi hiç? Eşit olmaz bunlar.
Celui qui est croyant est-il comparable au pervers? (Non), ils ne sont point égaux.
Ist etwa derjenige, der iman-erfüllt war, gleich demjenigen, der Fasiq war?! Sie werden bestimmt nicht gleich sein.
 |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة السجدة (As-Sajda - The Prostration) |
ترتيبها |
32 |
عدد آياتها |
30 |
عدد كلماتها |
374 |
عدد حروفها |
1523 |
معنى اسمها |
سَجَدَ: خَضَعَ، ومِنْهُ سُجُودُ الصَّلاةِ، وَالمُرَادُ (بِالسَّجْدَةِ): سَجْدَةُ التِّلاوَةِ |
سبب تسميتها |
دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (السَّجْدَةِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ ﴿الٓمٓ ١ تَنزِيلُ﴾ السَّجْدَةِ، وَسُورَةَ (المَضَاجِعِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ آيَاتِ اللهِ تَعَالَى فِي الكَونِ وفِي الخَلْقِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
تُسَنُّ قِراءَتُها فَجْرَ الجُمُعَةِ، فَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ يَومَ الجُمُعَةِ ﴿الٓمٓ ١ تَنزِيلُ﴾ السَّجْدَةَ و ﴿هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ ...١﴾». (رَوَاهُ البُخارِيّ وَمُسْلِم).
تُستَحَبُّ قِراءَتُهَا كُلَّ لَيلَةٍ قَبلَ النَّومِ، فعَنْ جَابِـرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «كَانَ لاَ يَنَامُ حَتَى يَقرَأَ: ﴿الٓمٓ ١ تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ﴾ السَّجْدَةَ وَ ﴿تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ ...١﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَحْمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (السَّجْدَةِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَن شُبْهَةِ اخْتِلاقِ القُرْآنِ وَتَوْجِيهُ النَّبِيِّ ﷺ تِجَاهِهَا، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۚ بَلۡ هُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ ...٣﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَٱنتَظِرۡ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ ٣٠﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (السَّجْدَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (لُقْمَانَ): لَمَّا خَتَمَ سُبْحَانَهُ سُورَةَ (لُقْمَانٍ) بِذِكْرِ مَفَاتِيحِ الْغَيبِ الخَمسَةِ مُجْمَلَة؛ جَاءَ بَيَانُها فِي (السَّجْدَةِ). |