«والله الذي أرسل الرياح» وفي قراءة الريح «فتثير سحابا» المضارع لحكاية الحال الماضية، أي تزعجه «فسقناه» فيه التفات عن الغيبة «إلى بلد ميت» بالتشديد والتخفيف لا نبات بها «فأحيينا به الأرض» من البلد «بعد موتها» يبسها، أي أنبتنا به الزرع والكلأ «كذلك النشور» أي البعث والإحياء.
قُلْ رَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً ( (40إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (42)
«فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ» يعني دعاء الحق على لسان الرسول صلّى اللّه عليه وسلم «ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً» .
------------
(42) الفتوحات ج 3 /
226
كثيرا ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها - كما في [ أول ] سورة الحج - ينبه عباده أن يعتبروا بهذا على ذلك ، فإن الأرض تكون ميتة هامدة لا نبات فيها ، فإذا أرسل إليها السحاب تحمل الماء وأنزله عليها ، ( اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) [ الحج : 5 ] ، كذلك الأجساد ، إذا أراد الله سبحانه بعثها ونشورها ، أنزل من تحت العرش مطرا يعم الأرض جميعا فتنبت الأجساد في قبورها كما ينبت الحب في الأرض; ولهذا جاء في الصحيح : " كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب ، منه خلق ومنه يركب " ; ولهذا قال تعالى : ( كذلك النشور ) .
وتقدم في " الحج " حديث أبي رزين : قلت : يا رسول الله ، كيف يحيي الله الموتى ؟ وما آية ذلك في خلقه ؟ قال : " يا أبا رزين ، أما مررت بوادي قومك محلا ثم مررت به يهتز خضرا ؟ " قلت : بلى . قال : " فكذلك يحيي الله الموتى " .
قوله تعالى: {والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت} ميّت وميْت واحد، وكذا ميتة وميتة؛ هذا قول الحذاق من النحويين. وقال محمد بن يزيه : هذا قول البصريين، ولم يستثن أحدا، واستدل على ذلك بدلائل قاطعة. وأنشد : ليس من مات فاستراح بميت ** إنما الميْت ميّت الأحياء إنما الميت من يعيش كئيبا ** كاسفا باله قليل الرجاء قال : فهل ترى بين ميت وميت فرقا، وأنشد : هينون لينون أيسار بنو يَسَر ** سواس مكرمة أبناء أيسار قال : فقد أجمعوا على أن هينون ولينون واحد، وكذا ميّت وميْت، وسيد وسيد. قال: "فسقناه" بعد أن قال: {والله الذي أرسل الرياح} وهو من باب تلوين الخطاب. وقال ابن عبيدة : سبيله "فتسوقه"، لأنه قال: "فتثير سحابا". الزمخشري : فإن قلت : لم جاء "فتثير" على المضارعة دون ما قبله وما بعده؟ قلت : لتحكي الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب، وتستحضر تلك الصورة البديعة الدالة على القدوة الربانية؛ وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب، أو تهم المخاطب أو غير ذلك؛ كما قال تأبط شرا : بأني قد لقيت الغول تهوي ** بسهب كالصحيفة صحصحان فأضربها بلا دهش فخرت ** صريعا لليدين وللجران لأنه قصد أن يصور لقومه الحالة التي تشجع فيها بزعمه على ضرب الغول، كأنه يبصرهم إياها، ويطلعهم على كنهها مشاهدة للتعجب. من جرأته على كل هول، وثباته عند كل شدة وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت، لما كانا من الدلائل على القدرة الباهرة قيل: "فسقنا" و"أحيينا" معدولا بهما عن لفظة الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه. وقراءة العامة "الرياح". وقرأ ابن محيصن وابن كثير والأعمش ويحيى وحمزة والكسائي: "الريح" توحيدا. وقد مضى بيان هذه الآية والكلام فيها مستوفى. {كذلك النشور} أي كذلك تحيون بعدما متم؛ من نشر الإنسان نشورا. فالكاف في محل الرفع؛ أي مثل إحياء الأموات نشر الأموات. وعن أبي رزين العقيلي قال : قلت يا رسول الله، كيف يحيي الله الموتى، وما آية ذلك في خلقه؟ قال : (أما مررت بوادي أهلك ممحلا ثم مررت به يهتز خضرا) قلت : نعم يا رسول الله. قال (فكذلك يحيي الله الموتى وتلك آيته في خلقه) وقد ذكرنا هذا الخبر في "الأعراف" وغيرها.
واللهُ هو الذي أرسل الرياح فتحرك سحابًا، فسقناه إلى بلد جدب، فينزل الماء فأحيينا به الأرض بعد يُبْسها فتخضر بالنبات، مثل ذلك الإحياء يحيي الله الموتى يوم القيامة.
يخبر تعالى عن كمال اقتداره، وسعة جوده، وأنه { أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ } فأنزله اللّه عليها { فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا }
فحييت البلاد والعباد، وارتزقت الحيوانات، ورتعت في تلك الخيرات، { كَذَلِكَ } الذي أحيا الأرض بعد موتها، ينشر الله الأموات من قبورهم، بعدما مزقهم البلى، فيسوق إليهم مطرا، كما ساقه إلى الأرض الميتة، فينزله عليهم فتحيا الأجساد والأرواح من القبور، ويأتون للقيام بين يدي الله ليحكم بينهم، ويفصل بحكمه العدل.
(والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور ) من القبور .
(وَاللَّهُ) لفظ الجلالة مبتدأ (الَّذِي) اسم موصول في محل رفع خبر والجملة مستأنفة (أَرْسَلَ الرِّياحَ) ماض ومفعوله وفاعله مستتر والجملة صلة (فَتُثِيرُ سَحاباً) الفاء عاطفة ومضارع ومفعوله وفاعله مستتر والجملة معطوفة (فَسُقْناهُ) الفاء عاطفة وماض وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة (إِلى بَلَدٍ) متعلقان بالفعل قبلهما (مَيِّتٍ) صفة لبلد (فَأَحْيَيْنا) الفاء عاطفة وماض وفاعله والجملة معطوفة (بِهِ) متعلقان بأحيينا (الْأَرْضَ) مفعول به (بَعْدَ) ظرف زمان متعلق بمحذوف حال (مَوْتِها) مضاف إليه (كَذلِكَ) خبر مقدم (النُّشُورُ) مبتدأ مؤخر.
Traslation and Transliteration:
WaAllahu allathee arsala alrriyaha fatutheeru sahaban fasuqnahu ila baladin mayyitin faahyayna bihi alarda baAAda mawtiha kathalika alnnushooru
And Allah it is Who sendeth the winds and they raise a cloud; then We lead it unto a dead land and revive therewith the earth after its death. Such is the Resurrection.
Ve Allah, öyle bir mabuttur ki rüzgarları yollar da bulutu sürer, derken ölü şehri yağmurla suya kandırırız da ölümünden sonra yeryüzünü diriltiriz onunla, işte ölülerin diriltilmesi de böyledir.
Et c'est Allah qui envoie les vents qui soulèvent un nuage que Nous poussons ensuite vers une contrée morte; puis, Nous redonnons la vie à la terre après sa mort. C'est ainsi que se fera la Résurrection!
Und ALLAH ist Derjenige, Der die Winde schickte, die dann Wolken aufwirbeln. Dann fuhren WIR sie zu einer toten Ortschaft, dann belebten WIR damit die Landschaft nach ihrem Tod. Solcherart ist die Erweckung.
 |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة فاطر (Fatir - Originator) |
ترتيبها |
35 |
عدد آياتها |
45 |
عدد كلماتها |
780 |
عدد حروفها |
3159 |
معنى اسمها |
الفَطْرُ: الشَّقُّ، وَفَطَرَ اللهُ الخَلْق؛ أَيْ: خَلَقَهُم، وَابْتَدَأَ صَنْعَةَ الأَشْيَاءِ، وَالمُرَادُ (بِفَاطِرٍ): اللهُ خَالِقُ السّمَاوَاتِ والأَرْضِ |
سبب تسميتها |
ذَكَرَتِ السُّورَةُ نِعَمًا كَثِيرَةً، كَانَ مِن أَعْظَمِهَا خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ؛ لِذَلِكَ سُمِّيَت بِـ(فَاطِرٍ) |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (فَاطِرٍ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (المَلائِكَة) |
مقاصدها |
التَّذْكِيرُ بِنِعَمِ اللهِ تَعَالَى، وَانْقِسَامِ النَّاسِ بَينَ مُؤْمِنٍ بِالخَالِقِ المُنْعِمِ أَو كَافِرٍ بِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
لَم يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (فَاطِرٍ) بِآخِرِهَا: التّأَكِيدُ عَلَى سَعَةِ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ...١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿... وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ ...٤٤﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (فَاطِرٍ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (سَبَأ): اختُتِمَتْ (سَبَأٌ) بِسُوءِ خُلُقِ الكَافِرِيْنَ، فَقَالَ: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُواْ فِي شَكّٖ مُّرِيبِۭ ٥٤﴾، وَافْتُتِحَتْ (فَاطِرٌ) بِذِكْرِ سُوءِ خُلُقِهِم، فَقَالَ: ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ٤﴾. |