«وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَنَ» جميعه «إن ربنا لغفور» للذنوب «شكور» للطاعة.
قُلْ رَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً ( (40إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (42)
«فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ» يعني دعاء الحق على لسان الرسول صلّى اللّه عليه وسلم «ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً» .
------------
(42) الفتوحات ج 3 /
226
( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) وهو الخوف من المحذور ، أزاحه عنا ، وأراحنا مما كنا نتخوفه ، ونحذره من هموم الدنيا والآخرة .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس على أهل " لا إله إلا الله " وحشة في قبورهم ولا في منشرهم ، وكأني بأهل " لا إله إلا الله " ينفضون التراب عن رءوسهم ، ويقولون : ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) رواه ابن أبي حاتم من حديثه .
وقال الطبراني : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، حدثنا يحيى بن موسى المروزي ، حدثنا سليمان بن عبد الله بن وهب الكوفي ، عن عبد العزيز بن حكيم ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس على أهل " لا إله إلا الله " وحشة في الموت ولا في قبورهم ولا في النشور . وكأني أنظر إليهم عند الصيحة ينفضون رءوسهم من التراب ، يقولون : ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور )
قال ابن عباس ، وغيره : غفر لهم الكثير من السيئات ، وشكر لهم اليسير من الحسنات .
فيه أربع مسائل: الأولى: هذه الآية مشكلة؛ لأنه قال جل وعز: {اصطفينا من عبادنا} ثم قال: {فمنهم ظالم لنفسه} وقد تكلم العلماء فيها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. قال النحاس : فإن أصح ما روي في ذلك ما روي عن ابن عباس {فمنهم ظالم لنفسه} قال : الكافر؛ رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أيضا. وعن ابن عباس أيضا {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} قال : نجت فرقتان، ويكون التقدير في العربية : فمنهم من عبادنا ظالم لنفسه؛ أي كافر. وقال الحسن : أي فاسق. ويكون الضمير الذي في "يدخلونها" يعود على المقتصد والسابق لا على الظالم. وعن عكرمة وقتادة والضحاك والفراء أن المقتصد المؤمن العاصي، والسابق التقي على الإطلاق. قالوا : وهذه الآية نظير قوله تعالى في سورة الواقعة {وكنتم أزواجا ثلاثة} الواقعة : 7] الآية. قالوا وبعيد أن يكون ممن يصطفي ظالم. ورواه مجاهد عن ابن عباس. قال مجاهد: {فمنهم ظالم لنفسه} أصحاب المشاهدة، {ومنهم مقتصد} أصحاب الميمنة، {ومنهم سابق بالخيرات} السابقون من الناس كلهم. وقيل : الضمير في "يدخلونها" يعود على الثلاثة الأصناف، على ألا يكون الظالم هاهنا كافرا ولا فاسقا. وممن روي عنه هذا القول عمر وعثمان وأبو الدرداء، وابن مسعود وعقبة بن عمرو ومنة، والتقدير على هذا القول : أن يكون الظالم لنفسه الذي عمل الصغائر. و"المقتصد" قال محمد بن يزيد : هو الذي يعطي الدنيا حقها والآخرة حقها؛ فيكون {جنات عدن يدخلونها} عائدا على الجميع على هذا الشرح والتبيين؛ وروي عن أبي سعيد الخدري. وقال كعب الأحبار : استوت مناكبهم ورب الكعبة وتفاضلوا بأعمالهم. وقال أبو إسحاق السبيعي : أما الذي سمعت منذ ستين سنة فكلهم ناج. وروى أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وقال : (كلهم في الجنة). وقرأ عمر بن الخطاب هذه الآية ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (سابقنا سابق ومقصدنا ناج وظالمنا مغفور له). فعلى هذا القول يقدر مفعول الاصطفاء من قوله: {أورثنا الكتاب الذين أصطفينا من عبادنا} مضافا حذف كما حذف المضاف في {واسأل القرية} يوسف : 82] أي اصطفينا دينهم فبقى اصطفيناهم؛ فحذف العائد إلى الموصول كما حذف في قوله: {ولا أقول للذين تزدري أعينكم} هود : 31] أي تزدريهم، فالاصطفاء إذاً موجه إلى دينهم، كما قال تعالى: {إن الله اصطفى لكم الدين} البقرة : 132]. قال النحاس : وقوله ثالث : يكون الظالم صاحب الكبائر، والمقتصد الذي لم يستحق الجنة بزيادة حسناته على سيئاته؛ فيكون: {جنات عدن يدخلونها} للذين سبقوا بالخيرات لا غير. وهذا قول جماعة من أهل النظر؛ لأن الضمير في حقيقة النظر بما يليه أولى. قلت : القول الوسط أولاها وأصحها إن شاء الله؛ لأن الكافر والمنافق لم يصطفوا بحمد الله، ولا اصطفى دينهم. وهذا قول ستة من الصحابة، وحسبك. وسنزيده بيانا وإيضاحا في باقي الآية. الثانية: قوله تعالى: {ثم أورثنا الكتاب} أي أعطينا. والميراث، عطاء حقيقة أو مجازا؛ فإنه يقال فيما صار للإنسان بعد موت آخر. و"الكتاب" هاهنا يريد به معاني الكتاب وعلمه وأحكامه وعقائده، وكأن الله تعالى لما أعطى أمة محمد صلى القرآن، وهو قد تضمن معاني الكتب المنزلة، فكأنه ورث أمة محمد عليه السلام الكتاب الذي كان في الأمم قبلنا. "اصطفينا" أي اخترنا. واشتقاقه من الصفو، وهو الخلوص من شوائب الكدر. وأصله اصتفونا، فأبدلت التاء طاء والواو ياء. {من عبادنا} قيل المراد أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس وغيره. وكان اللفظ يحتمل جميع المؤمنين من كل أمة، إلا أن عباره توريث الكتاب لم تكن إلا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وورث سليمان يرثوه. وقيل : المصطفون الأنبياء، توارثوا الكتاب بمعنى أنه انتقل عن بعضهم إلى آخر، قال الله تعالى: {وورث سليمان داود} النمل : 16]، وقال: {يرثني ويرث من آل يعقوب} مريم : 6] فإذا جاز أن تكون النبوة موروثة فكذلك الكتاب. {فمنهم ظالم لنفسه} من وقع في صغيرة. قال ابن عطية : وهذا قول مردود من غير ما وجه. قال الضحاك : معنى {فمنهم ظالم لنفسه} أي من ذريتهم ظالم لنفسه وهو المشرك. الحسن : من أممهم، على ما تقدم ذكره من الخلاف في الظالم. والآية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقد اختلفت عبارات أرباب القلوب في الظالم والمقتصد والسابق، فقال سهل بن عبدالله : السابق العالم، والمقتصد المعلم، والظالم الجاهل. وقال ذو النون المصري : الظالم الذاكر الله بلسانه فقط، والمقتصد الذاكر بقلبه، والسابق الذي لا ينساه. وقال الأنطاكي : الظالم صاحب الأقوال، والمقتصد صاحب الأفعال، والسابق صاحب الأحوال. وقال ابن عطاء : الظالم الذي يحب الله من أجل الدنيا، والمقتصد الذي يحبه من أجل العقبى، والسابق الذي أسقط مراده بمراد الحق. وقيل : الظالم الذي يعبد الله خوفا من النار، والمقتصد الذي يعبد الله طمعا في الجنة، والسابق الذي يعبد الله لوجهه لا لسبب. وقيل : الظالم الزاهد في الدنيا، لأنه ظلم نفسه فترك لها حظا وهي المعرفة والمحبة، والمقتصد العارف، والسابق المحب. وقيل : الظالم الذي يجزع عند البلاء، والمقتصد الصابر على البلاء، والسابق المتلذذ بالبلاء. وقيل : الظالم الذي يعبد الله على الغفلة والعادة، والمقتصد الذي يعبده على الرغبة والرهبة، والسابق الذي يعبده على الهيبة. وقيل : الظالم الذي أعطي فمنع، والمقتصد الذي أعطي فبذل، والسابق الذي يمنع فشكر وآثر. يروى أن عابدين التقيا فقال : كيف حال إخوانكم بالبصرة؟ قال : بخير، إن أعطوا شكروا وإن منعوا صبروا. فقال : هذه حالة الكلاب عندنا ببلخ! عبادنا إن منعوا شكروا وإن أعطوا آثروا. وقيل : الظالم من استغنى بماله، والمقتصد من استغنى بدينه، والسابق من استغنى بربه. وقيل : الظالم التالي للقرآن ولا يعمل به، والمقتصد التالي للقرآن ويعمل به، والسابق القارئ للقرآن العامل به والعالم به. وقيل : السابق الذي يدخل المسجد قبل تأذين المؤذن، والمقتصد الذي يدخل المسجد وقد أذن، والظالم الذي يدخل المسجد وقد أقيمت الصلاة؛ لأنه ظلم نفسه الأجر فلم يحصل لها ما حصله غيره. وقال بعض أهل المسجد في هذا : بل السابق الذي يدرك الوقت والجماعة فيدرك الفضيلتين، والمقتصد الذي إن فاتته الجماعة لم يفرط في الوقت، والظالم الغافل عن الصلاة حتى يفوت الوقت والجماعة، فهو أولى بالظلم. وقيل : الظالم الذي يحب نفسه، والمقتصد الذي يحب دينه، والسابق الذي يحب ربه. وقيل : الظالم الذي ينتصف ولا ينصف، والمقتصد الذي ينتصف وينصف، والسابق الذي ينصف ولا ينصف. وقالت عائشة رضي الله عنها : السابق الذي أسلم قبل الهجرة، والمقتصد من أسلم بعد الهجرة، والظالم من لم يسلم إلا بالسيف؛ وهم كلهم مغفور لهم. قلت : ذكر هذه الأقوال وزيادة عليها الثعلبي في تفسيره. وبالجملة فهم طرفان وواسطة، وهو المقتصد الملازم للقصد وهو ترك الميل؛ ومنه قول جابر بن حُنَي التغلبي : نعاطي الملوك السلم ما قصدوا لنا ** وليس علينا قتلهم بمحرم أي نعاطيهم الصلح ما ركبوا بنا القصد، أي ما لم يجوروا، وليس قتلهم بمحرم علينا إن جاروا؛ فلذلك كان المقتصد منزلة بين المنزلتين، فهو فوق الظالم لنفسه ودون السابق بالخيرات. {ذلك هو الفضل الكبير} يعني إتياننا الكتاب لهم. وقيل : ذلك الاصطفاء مع علمنا بعيوبهم هو الفضل الكبير. وقيل : وعد الجنة لهؤلاء الثلاث فضل كبير. الثالثة: وتكلم الناس في تقديم الظالم على المقتصد والسابق فقيل : التقدير في الذكر لا يقتضي تشريفا؛ كقوله تعالى: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة} الحشر : 20]. وقيل : قدم الظالم لكثرة الفاسقين منهم وغلبتهم وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم، والسابقين أقل من القليل؛ ذكره الزمخشري ولم يذكره غيره وقيل : قدم الظالم لتأكيد الرجاء في حقه، إذ ليس له شيء يتكل عليه إلا رحمة ربه. واتكل المقتصد على حسن ظنه، والسابق على طاعته. وقيل : قدم الظالم لئلا ييأس من رحمة الله، وأخر السابق لئلا يعجب بعمله. وقال جعفر بن محمد بن علي الصادق رضي الله عنه : قدم الظالم ليدبر أنه لا يتقرب إليه إلا بصرف رحمته وكرمه، وأن الظلم لا يؤثر في الاصطفائية إذا كانت ثم عناية، ثم ثنى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف والرجاء، ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن أحد مكر الله، وكلهم في الجنة بحرمة كلمة الإخلاص {لا إله إلا الله محمد رسول الله}. وقال محمد بن علي الترمذي : جمعهم في الاصطفاء إزالة للعلل عن العطاء؛ لأن الاصطفاء يوجب الإرث، لا الإرث يوجب الاصطفاء، ولذلك قيل في الحكمة : صحح النسبة ثم النسبة ادع في الميراث. وقيل : أخر السابق ليكون أقرب إلى الجنات والثواب، كما قدم الصوامع والبيع في سورة "الحج" على المساجد، لتكون الصوامع أقرب إلى الهدم والخراب، وتكون المساجد أقرب إلى ذكر الله. وقيل : إن الملوك إذا أرادوا الجمع بين الأشياء بالذكر قدموا الأدنى؛ كقوله تعالى: {لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} الأعراف : 167]، وقوله: {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور} الشورى : 49]، وقوله: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة} الحشر : 20]. قلت : ولقد أحسن من قال : وغاية هذا الجود أنت وإنما ** يوافي إلى الغايات في آخر الأمر الرابعة: قوله تعالى: {جنات عدن يدخلونها} جمعهم في الدخول لأنه ميراث، والعاق والبار في الميراث سواء إذا كانوا معترفين بالنسب؛ فالعاصي والمطيع مقرّون بالرب. وقرئ: "جنة عدن" على الأفراد، كأنها جنة مختصة بالسابقين لقلتهم؛ على ما تقدم. و{جنات عدن} بالنصب على، إضمار فعل يفسره الظاهر؛ أي يدخلون جنات عدن يدخلونها. وهذا للجميع، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. وقرأ أبو عمرو: "يُدخلونها" بضم الياء وفتح الخاء. قال : لقوله: "يحلون". وقد مضى في الحج الكلام في قوله تعالى: { يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير} الحج :23]. قوله تعالى: {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال أبو ثابت : دخل رجل المسجد. فقال اللهم ارحم غربتي وأنس وحدتي يسر لي جليسا صالحا. فقال أبو الدرداء : لئن كنت صادقا فلأنا أسعد بذلك منك، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {ثم أورثنا الكتاب الذين أصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} قال فيجيء هذا السابق فيدخل الجنة بغير حساب، وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا، وأما الظالم لنفسه فيحبس في المقام ويوبخ ويقرع ثم يدخل الجنة فهم الذين قالوا: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور} وفي لفظ آخر وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين يتلقاهم الله برحمته فهم الذين يقولون: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ـ إلى قوله ـ ولا يمسنا فيها لغوب}. وقيل : هو الذي يؤخذ منه في مقامه؛ يعني يكفر عنه بما يصيبه من الهم والحزن، ومنه قوله تعالى: {من يعمل سوءا يجز به} النساء : 123] يعني في الدنيا. قال الثعلبي : وهذا التأويل أشبه بالظاهر؛ لأنه قال: {جنات عدن يدخلونها}، ولقوله: {الذين اصطفينا من عبادنا} والكافر والمنافق لم يصطفوا. قلت : وهذا هو الصحيح، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر. فأخبر أن المنافق يقرؤه، وأخبر الحق سبحانه وتعالى أن المنافق في الدرك الأسفل من النار، وكثير من الكفار واليهود والنصارى يقرءونه في زماننا هذا. وقال مالك : قد يقر القرآن من لا خير فيه. والنصب : التعب. واللغوب : الإعياء
جنات إقامة دائمة للذين أورثهم الله كتابه يُحلَّون فيها الأساور من الذهب واللؤلؤ، ولباسهم المعتاد في الجنة حرير أي: ثياب رقيقة. وقالوا حين دخلوا الجنة: الحمد لله الذي أذهب عنا كل حَزَن، إن ربنا لغفور؛ حيث غفر لنا الزلات، شكور؛ حيث قبل منا الحسنات وضاعفها. وهو الذي أنزلَنا دار الجنة من فضله، لا يمسنا فيها تعب ولا إعياء.
{ و } لما تم نعيمهم، وكملت لذتهم { قَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ } وهذا يشمل كل حزن، فلا حزن يعرض لهم بسبب نقص في جمالهم، ولا في طعامهم وشرابهم، ولا في لذاتهم ولا في أجسادهم، ولا في دوام لبثهم، فهم في نعيم ما يرون عليه مزيدا، وهو في تزايد أبد الآباد.
{ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ } حيث غفر لنا الزلات { شَكُورٌ } حيث قبل منا الحسنات وضاعفها، وأعطانا من فضله ما لم تبلغه أعمالنا ولا أمانينا، فبمغفرته نجوا من كل مكروه ومرهوب، وبشكره وفضله حصل لهم كل مرغوب محبوب.
( وقالوا ) أي : ويقولون إذا دخلوا الجنة : ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) والحزن والحزن واحد كالبخل والبخل . قال ابن عباس : أي حزن النار . وقال قتادة : حزن الموت . وقال مقاتل : حزنوا لأنهم كانوا لا يدرون ما يصنع الله بهم . وقال عكرمة : حزن الذنوب والسيئات وخوف رد الطاعات . وقال القاسم : حزن زوال النعم وتقليب القلب ، وخوف العاقبة ، وقيل : حزن أهوال يوم القيامة . وقال الكلبي : ما كان يحزنهم في الدنيا من أمر يوم القيامة . وقال سعيد بن جبير : هم الخبز في الدنيا . وقيل : هم المعيشة . وقال الزجاج : أذهب الله عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاش أو لمعاد .
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن الضحاك الخطيب ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفرايني ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد الترابي ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في منشرهم ، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم ، ويقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " .
قوله تعالى : ( إن ربنا لغفور شكور )
(وَقالُوا) الواو عاطفة والجملة معطوفة (الْحَمْدُ) مبتدأ والجملة مقول القول (لِلَّهِ) لفظ الجلالة مجرور باللام وهما متعلقان بخبر محذوف (الَّذِي) اسم موصول صفة للّه (أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) ماض والحزن مفعوله وفاعله مستتر وعنا متعلقان بالفعل قبلهما والجملة صلة (إِنَّ رَبَّنا) إن واسمها ونا مضاف إليه (لَغَفُورٌ شَكُورٌ) اللام المزحلقة وخبران لأن والجملة تعليلية لا محل لها
Traslation and Transliteration:
Waqaloo alhamdu lillahi allathee athhaba AAanna alhazana inna rabbana laghafoorun shakoorun
And they say: Praise be to Allah Who hath put grief away from us. Lo! Our Lord is Forgiving, Bountiful,
Ve hamd Allah'a ki derler, bizden gamı, gussayı giderdi; şüphe yok ki Rabbimiz, suçları örter, mükafatlarını da fazlasıyle verir.
Et ils diront: «Louange à Allah qui a écarté de nous l'affliction. Notre Seigneur est certes Pardonneur et Reconnaissant.
Und sie sagten: "Alhamdulillah: Alles Lob gebührt ALLAH, Der von Uns die Traurigkeit weggehen ließ. Gewiß, unser HERR ist doch allvergebend, reichlichst belohnend.
 |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة فاطر (Fatir - Originator) |
ترتيبها |
35 |
عدد آياتها |
45 |
عدد كلماتها |
780 |
عدد حروفها |
3159 |
معنى اسمها |
الفَطْرُ: الشَّقُّ، وَفَطَرَ اللهُ الخَلْق؛ أَيْ: خَلَقَهُم، وَابْتَدَأَ صَنْعَةَ الأَشْيَاءِ، وَالمُرَادُ (بِفَاطِرٍ): اللهُ خَالِقُ السّمَاوَاتِ والأَرْضِ |
سبب تسميتها |
ذَكَرَتِ السُّورَةُ نِعَمًا كَثِيرَةً، كَانَ مِن أَعْظَمِهَا خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ؛ لِذَلِكَ سُمِّيَت بِـ(فَاطِرٍ) |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (فَاطِرٍ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (المَلائِكَة) |
مقاصدها |
التَّذْكِيرُ بِنِعَمِ اللهِ تَعَالَى، وَانْقِسَامِ النَّاسِ بَينَ مُؤْمِنٍ بِالخَالِقِ المُنْعِمِ أَو كَافِرٍ بِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
لَم يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (فَاطِرٍ) بِآخِرِهَا: التّأَكِيدُ عَلَى سَعَةِ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ...١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿... وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ ...٤٤﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (فَاطِرٍ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (سَبَأ): اختُتِمَتْ (سَبَأٌ) بِسُوءِ خُلُقِ الكَافِرِيْنَ، فَقَالَ: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُواْ فِي شَكّٖ مُّرِيبِۭ ٥٤﴾، وَافْتُتِحَتْ (فَاطِرٌ) بِذِكْرِ سُوءِ خُلُقِهِم، فَقَالَ: ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ٤﴾. |