«قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي» لا يكون «لأحد من بعدي» أي سواي نحو (فمن يهديه من بعد الله) أي سوى الله «إنك أنت الوهاب».
قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)
فغلّب جزاء الإنسان على جزاء إبليس ، فإن اللّه ما جعل جزاءهما إلا جهنم وفيها عذاب إبليس ، فإن جهنم برد كلها ما فيها شيء من النارية ، فهو عذاب لإبليس أكثر من متبعه ، وإنما كان ذلك لأن إبليس طلب أن يشقي الغير ، فحار وباله عليه لما قصده ، فهو تنبيه من الحق لنا أن لا نقصد وقوع ما يؤدي إلى الشقاء لأحد ، فعذاب الشياطين من الجن في جهنم أكثر ما يكون بالزمهرير لا بالحرور ، وقد يعذب بالنار ، وبنو آدم أكثر عذابهم بالنار ، وسميت جهنم جهنما لأنها كريهة المنظر ، والجهام السحاب الذي هرق ماءه ، والغيث رحمة اللّه فلما أزال اللّه الغيث من السحاب بإنزاله أطلق عليه اسم الجهام ، لزوال الرحمة الذي هو الغيث منه ، كذلك الرحمة أزالها اللّه من جهنم ، فكانت كريهة المنظر والمخبر ، وسميت أيضا جهنم لبعد قعرها يقال : ركية جهنام ، انظر الإشارة سورة فاطر آية رقم 6 .
------------
(85) الفتوحات ج 3 /
368 - ج 1 /
134
( قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ) قال بعضهم : معناه : لا ينبغي لأحد من بعدي أي : لا يصلح لأحد أن يسلبنيه كما كان من قضية الجسد الذي ألقي على كرسيه لا أنه يحجر على من بعده من الناس . والصحيح أنه سأل من الله تعالى ملكا لا يكون لأحد من بعده من البشر مثله ، وهذا هو ظاهر السياق من الآية وبه وردت الأحاديث الصحيحة من طرق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا روح ومحمد بن جعفر عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة - أو كلمة نحوها - ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله منه وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان : ( رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي )
قال روح : فرده خاسئا
وكذا رواه مسلم والنسائي من حديث شعبة به
وقال مسلم في صحيحه : حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا عبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح حدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فسمعناه يقول : " أعوذ بالله منك " . ثم قال : " ألعنك بلعنة الله " - ثلاثا - وبسط يده كأنه يتناول شيئا فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله ، قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك ؟ قال : " إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت : أعوذ بالله منك - ثلاث مرات - ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة . فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به صبيان أهل المدينة "
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو أحمد حدثنا ميسرة بن معبد حدثنا أبو عبيد حاجب سليمان قال : رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائما يصلي ، فذهبت أمر بين يديه فردني ثم قال حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام يصلي صلاة الصبح وهو خلفه فقرأ فالتبست عليه القراءة فلما فرغ من صلاته قال : " لو رأيتموني وإبليس فأهويت بيدي فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين - الإبهام والتي تليها - ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد ، يتلاعب به صبيان المدينة فمن استطاع منكم ألا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل " .
وقد روى أبو داود منه : " من استطاع منكم ألا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل " عن أحمد بن أبي سريج عن أبي أحمد الزبيري به
وقال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا إبراهيم بن محمد الفزاري حدثنا الأوزاعي ، حدثني ربيعة بن يزيد عن عبد الله الديلمي قال : دخلت على عبد الله بن عمرو ، وهو في حائط له بالطائف يقال له : " الوهط " ، وهو مخاصر فتى من قريش يزن بشرب الخمر ، فقلت : بلغني عنك حديث أنه " من شرب شربة خمر لم يقبل الله - عز وجل - له توبة أربعين صباحا ، وإن الشقي من شقي في بطن أمه وإنه من أتى بيت المقدس لا ينهزه إلا الصلاة فيه ، خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه ، فلما سمع الفتى ذكر الخمر اجتذب يده من يده ثم انطلق . فقال عبد الله بن عمرو إني لا أحل لأحد أن يقول علي ما لم أقل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من شرب من الخمر شربة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه . فإن عاد - قال فلا أدري في الثالثة أو الرابعة - فإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة " قال : وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نوره يومئذ اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله - عز وجل - " وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن سليمان سأل الله تعالى ثلاثا فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة : سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه فنحن نرجو أن يكون الله تعالى قد أعطانا إياها "
وقد روى هذا الفصل الأخير من هذا الحديث النسائي وابن ماجه من طرق عن عبد الله بن فيروز الديلمي عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه - عز وجل - خلالا ثلاثا . . . " وذكره
وقد روي من حديث رافع بن عمير رضي الله عنه ، بإسناد وسياق غريبين فقال الطبراني :
حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني حدثنا محمد بن أيوب بن سويد حدثني أبي حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة عن أبي الزاهرية عن رافع بن عمير قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قال الله - عز وجل - لداود - عليه السلام - : ابن لي بيتا في الأرض . فبنى داود بيتا لنفسه قبل البيت الذي أمر به فأوحى الله إليه : يا داود نصبت بيتك قبل بيتي ؟ قال : يا رب هكذا قضيت من ملك استأثر ثم أخذ في بناء المسجد فلما تم السور سقط ثلاثا فشكا ذلك إلى الله - عز وجل - فقال : يا داود إنك لا تصلح أن تبني لي بيتا قال : ولم يا رب ؟ قال : لما جرى على يديك من الدماء . قال : يا رب أو ما كان ذلك في هواك ومحبتك ؟ قال : بلى ولكنهم عبادي وأنا أرحمهم فشق ذلك عليه فأوحى الله إليه : لا تحزن فإني سأقضي بناءه على يدي ابنك سليمان . فلما مات داود أخذ سليمان في بنائه فلما تم قرب القرابين وذبح الذبائح وجمع بني إسرائيل فأوحى الله إليه : قد أرى سرورك ببنيان بيتي فسلني أعطك . قال : أسألك ثلاث خصال حكما يصادف حكمك وملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ومن أتى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما ثنتان فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة "
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد حدثنا عمر بن راشد اليمامي ، حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا دعاء إلا استفتحه ب " سبحان الله ربي الأعلى العلي الوهاب "
وقد قال أبو عبيد : حدثنا علي بن ثابت عن جعفر بن برقان عن صالح بن مسمار قال : لما مات نبي الله داود أوحى الله إلى ابنه سليمان عليهما السلام : أن سلني حاجتك . قال : أسألك أن تجعل لي قلبا يخشاك كما كان قلب أبي وأن تجعل قلبي يحبك كما كان قلب أبي . فقال الله : أرسلت إلى عبدي وسألته حاجته فكانت [ حاجته ] أن أجعل قلبه يخشاني وأن أجعل قلبه يحبني لأهبن له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده .
قوله تعالى: {ولقد فتنا سليمان} قيل : فتن سليمان بعد ما ملك عشرين سنة، وملك بعد الفتنة عشرين سنة؛ ذكره الزمخشري. و{فتنا} أي ابتلينا وعاقبنا. وسبب ذلك ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : اختصم إلى سليمان عليه السلام فريقان أحدهما من أهل جرادة امرأة سليمان؛ وكان يحبها فهوى أن يقع القضاء لهم، ثم قضى بينهما بالحق، فأصابه الذي أصابه عقوبة لذلك الهوى. وقال سعيد بن المسيب : إن سليمان عليه السلام احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يقضي بين أحد، ولا ينصف مظلوما من ظالم، فأوحى الله تعالى إليه: {إنى لم أستخلفك لتحتجب عن عبادي ولكن لتقضي بينهم وتنصف مظلومهم}. وقال شهر بن حوشب ووهب بن منبه : إن سليمان عليه السلام سبى بنت ملك غزاه في البحر، في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون. فألقيت عليه محبتها وهي تعرض عنه، لا تنظر إليه إلا شزرا، ولا تكلمه إلا نزرا، وكان لا يرقأ لها دمع حزنا على أبيها، وكانت في غاية من الجمال، ثم إنها سألته أن يصنع لها تمثالا على صورة أبيها حتى تنظر إليه، فأمر فصنع لها فعظمته وسجدت له، وسجدت معها جواريها، وصار صنما معبودا في داره وهو لا يعلم، حتى مضت أربعون ليلة، وفشا خبره في بني إسرائيل وعلم به سليمان فكسره، وحرقه ثم ذراه في البحر. وقيل : إن سليمان لما أصاب ابنة ملك صيدون واسمها جرادة - فيما ذكر الزمخشري - أعجب بها، فعرض عليها الإسلام فأبت، فخوفها فقالت : اقتلني ولا أسلم فتزوجها وهي مشركة فكانت تعبد صنما لها من ياقوت أربعين يوما في خفية من سليمان إلى أن أسلمت فعوقب سليمان بزوال ملكه أربعين يوما. وقال كعب الأحبار : إنه لما ظلم الخيل بالقتل سلب ملكه. وقال الحسن : إنه قارب بعض نسائه في شيء من حيض أوغيره. وقيل : إنه أمر ألا يتزوج امرأة إلا من بني إسرائيل، فتزوج امرأة من غيرهم، فعوقب على ذلك؛ والله أعلم. قوله تعالى: {وألقينا على كرسيه جسدا} قيل : شيطان في قول أكثر أهل التفسير؛ ألقى الله شبه سليمان عليه السلام عليه، واسمه صخر بن عمير صاحب البحر، وهو الذي دل سليمان على الماس حين أمر سليمان ببناء بيت المقدس، فصوتت الحجارة لما صنعت بالحديد، فأخذوا الماس فجعلوا يقطعون به الحجارة والفصوص وغيرها ولا تصوت. قال ابن عباس : كان ماردا لا يقوى عليه جميع الشياطين، ولم يزل يحتال حتى ظفر بخاتم سليمان بن داود، وكان سليمان لا يدخل الكنيف بخاتمه، فجاء صخر في صورة سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نساء سليمان أم ولد له يقال لها الأمينة؛ قال شهر ووهب. وقال ابن عباس وابن جبير : اسمها جرادة. فقام أربعين يوما على ملك سليمان وسليمان هارب، حتى رد الله عليه الخاتم والملك. وقال سعيد بن المسيب : كان سليمان قد وضع خاتمه تحت فراشه، فأخذه الشيطان من تحته. وقال مجاهد : أخذه الشيطان من يد سليمان؛ لأن سليمان سأل الشيطان وكان اسمه آصف : كيف تضلون الناس؟ فقال له الشيطان : أعطني خاتمك حتى أخبرك. فأعطاه خاتمه، فلما أخذ الشيطان الخاتم جلس على كرسي سليمان، متشبها بصورته، داخلا على نسائه، يقضي بغير الحق، ويأمر بغير الصواب. واختلف في إصابته لنساء سليمان، فحكي عن ابن عباس ووهب بن منبه : أنه كان يأتيهن في حيضهن. وقال مجاهد : منع من إتيانهن وزال عن سليمان ملكه فخرج هاربا إلى ساحل البحر يتضيف الناس؛ ويحمل سموك الصيادين بالأجر، وإذا أخبر الناس أنه سليمان أكذبوه. قال قتادة : ثم إن سليمان بعد أن استنكر بنو إسرائيل حكم الشيطان أخذ حوته من صياد. قيل : إنه استطعمها. وقال ابن عباس : أخذها أجرة في حمل حوت. وقيل : إن سليمان صادها فلما شق بطنها وجد خاتمه فيها، وذلك بعد أربعين يوما من زوال ملكه، وهي عدد الأيام التي عبد فيها الصنم في داره، وإنما وجد الخاتم في بطن الحوت؛ لأن الشيطان الذي أخذه ألقاه في البحر. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : بينما سليمان على شاطئ البحر وهو يعبث بخاتمه، إذ سقط منه في البحر وكان ملكه في خاتمه. وقال جابر بن عبدالله : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كان نقش خاتم سليمان بن داود لا إله إلا الله محمد رسول الله). وحكى يحيى بن أبي عمرو الشيباني أن سليمان وجد خاتمه بعسقلان، فمشى منها إلى بيت المقدس تواضعا لله تعالى. قال ابن عباس وغيره : ثم إن سليمان لما رد الله عليه ملكه، أخذ صخرا الذي أخذ خاتمه، ونقر له صخرة وأدخله فيها، وسد عليه بأخرى وأوثقها بالحديد والرصاص، وختم عليها بخاتمه وألقاها في البحر، وقال : هذا محبسك إلى يوم القيامة. وقال علي رضي الله عنه : لما أخذ سليمان الخاتم، أقبلت إليه الشياطين والجن والإنس والطير والوحش والريح، وهرب الشيطان الذي خلف في أهله، فأتى جزيرة في البحر، فبعث إليه الشياطين فقالوا : لا نقدر عليه، ولكنه يرد عينا في الجزيرة في كل سبعة أيام يوما، ولا نقدر عليه حتى يسكر! قال : فنزح سليمان ماءها وجعل فيها خمرا، فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر، فقال : والله إنك لشراب طيب إلا أنك تطيشين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا. ثم عطش عطشا شديدا ثم أتاه فقال مثل مقالته، ثم شربها فغلبت على عقله؛ فأروه الخاتم فقال : سمعا وطاعة. فأتوا به سليمان فأوثقه وبعث به إلى جبل، فذكروا أنه جبل الدخان فقالوا : إن الدخان الذي ترون من نفسه، والماء الذي يخرج من الجبل من بوله. وقال مجاهد : اسم ذلك الشيطان آصف. وقال السدي اسمه حبقيق؛ فالله أعلم. وقد ضعف هذا القول من حيث إن الشيطان لا يتصور بصورة الأنبياء، ثم من المحال أن يلتبس على أهل مملكة سليمان الشيطان بسليمان حتى يظنوا أنهم مع نبيهم في حق، وهم مع الشيطان في باطل. وقيل : إن الجسد وَلدٌ وُلِدَ لسليمان، وأنه لما ولد اجتمعت الشياطين؛ وقال بعضهم لبعض : إن عاش له ابن لم ننفك مما نحن فيه من البلاء والسخرة، فتعالوا نقتل ولده أو نخبله. فعلم سليمان بذلك فأمر الريح حتى حملته إلى السحاب، وغدا ابنه في السحاب خوفا من مضرة الشياطين، فعاقبه الله بخوفه من الشياطين، فلم يشعر إلا وقد وقع على كرسيه ميتا. قال معناه الشعبي. فهو الجسد الذي قال الله تعالى: {وألقينا على كرسيه جسدا}. وحكى النقاش وغيره : إن أكثر ما وطئ سليمان جواريه طلبا للولد، فولد له نصف إنسان، فهو كان الجسد الملقى على كرسيه جاءت به القابلة فألقته هناك. وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قال سليمان لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله فطاف عليهن جميعا فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون) وقيل : إن الجسد هو آصف بن برخيا الصديق كاتب سليمان، وذلك أن سليمان لما فتن سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه، فأعاده إلى يده فسقط فأيقن بالفتنة؛ فقال له آصف : إنك مفتون ولذلك لا يتماسك في يدك، ففر إلى الله تعالى تائبا من ذلك، وأنا أقوم مقامك في عالمك إلى أن يتوب الله عليك، ولك من حين فتنت أربعة عشر يوما. ففر سليمان هاربا إلى ربه، وأخذ آصف الخاتم فوضعه في يده فثبت، وكان عنده علم من الكتاب. وقام آصف في ملك سليمان وعياله، يسير بسيره ويعمل بعمله، إلى أن رجع سليمان إلى منزله تائبا إلى الله تعالى، ورد الله عليه ملكه؛ فأقام آصف في مجلسه، وجلس على كرسيه وأخذ الخاتم. وقيل : إن الجسد كان سليمان نفسه؛ وذلك أنه مرض مرضا شديدا حتى صار جسدا. وقد يوصف به المريض المضنى فيقال : كالجسد الملقى. صفة كرسي سليمان وملكه روي عن ابن عباس قال : كان سليمان يوضع له ستمائة كرسي، ثم يجيء أشراف الناس فيجلسون مما يليه، ثم يأتي أشراف الجن فيجلسون مما يلي الإنس، ثم يدعو الطير فتظلهم، ثم يدعو الريح فتقلهم، وتسير بالغداة الواحدة مسيرة شهر. وقال وهب وكعب وغيرهما : إن سليمان عليه السلام لما ملك بعد أبيه، أمر باتخاذ كرسي ليجلس عليه للقضاء، وأمر أن يعمل بديعا مهولا بحيث إذا رآه مبطل أو شاهد زور ارتدع وتهيب؛ فأمر أن يعمل من أنياب الفيلة مفصصة بالدر والياقوت والزبرجد، وأن يحف بنخيل الذهب؛ فحف بأربع نخلات من ذهب، شماريخها الياقوت الأحمر والزمرد الأخضر، على رأس نخلتين منهما طاووسان من ذهب، وعلى رأس نخلتين نسران من ذهب بعضها مقابل لبعض، وجعلوا من جنبي الكرسي أسدين من ذهب، على رأس كل واحد منهما عمود من الزمرد الأخضر. وقد عقدوا على النخلات أشجار كروم من الذهب الأحمر، واتخذوا عناقيدها من الياقوت الأحمر، بحيث أظل عريش الكروم النخل والكرسي. وكان سليمان عليه السلام إذا أراد صعوده وضع قدميه على الدرجة السفلى، فيستدير الكرسي كله بما فيه دوران الرحى المسرعة، وتنشر تلك النسور والطواويس أجنحتها، ويبسط الأسدان أيديهما، ويضربان الأرض بأذنابهما. وكذلك يفعل في كل درجة يصعدها سليمان، فإذا استوى بأعلاه أخذ النسران اللذان على النخلتين تاج سليمان فوضعاه على رأسه، ثم يستدير الكرسي بما فيه، ويدور معه النسران والطاووسان والأسدان مائلان برءوسهما إلى سليمان، وينضحن عليه من أجوافهن المسك والعنبر، ثم تناول حمامة من ذهب قائمة على عمود من أعمدة الجواهر فوق الكرسي التوراة، فيفتحها سليمان عليه السلام ويقرؤها على الناس ويدعوهم إلى فصل القضاء. قالوا : ويجلس عظماء بني إسرائيل على كراسي الذهب المفصصة بالجواهر، وهي ألف كرسي عن يمينه، ويجلس عظماء الجن على كراسي الفضة عن يساره وهي ألف كرسي، ثم تحف بهم الطير تظلهم، ويتقدم الناس لفصل القضاء. فإذا تقدمت الشهود للشهادات، دار الكرسي بما فيه وعليه دوران الرحى المسرعة، ويبسط الأسدان أيديهما ويضربان الأرض بأذنابهما، وينشر النسران والطاووسان أجنحتهما، فتفزع الشهود فلا يشهدون إلا بالحق. وقيل : إن الذي كان يدور بذلك الكرسي تنين من ذهب ذلك الكرسي عليه، وهو عظم مما عمله له صخر الجني؛ فإذا أحست بدورانه تلك النسور والأسد والطواويس التي في أسفل الكرسي إلى أعلاه درن معه، فإذا وقفن وقفن كلهن عل رأس سليمان وهو جالس، ثم ينضحن جميعا على رأسه ما في أجوافهن من المسك والعنبر. فلما توفي سليمان بعث بختنصر فأخذ الكرسي فحمله إلى أنطاكية، فأراد أن يصعد إليه ولم يكن له علم كيف يصعد إليه؛ فلما وضع رجله ضرب الأسد رجله فكسرها، وكان سليمان إذا صعد وضع قدميه جميعا. ومات بختنصر وحمل الكرسي إلى بيت المقدس، فلم يستطع قط ملك أن يجلس عليه، ولكن لم يدر أحد عاقبة أمره ولعله رفع. قوله تعالى: {ثم أناب} أي رجع إلى الله وتاب. وقد تقدم. قوله تعالى: {قال رب اغفر لي} أي اغفر لي ذنبي {وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} يقال : كيف أقدم سليمان على طلب الدنيا، مع ذمها من الله تعالى، وبغضه لها، وحقارتها لديه؟. فالجواب أن ذلك محمول عند العلماء على أداء حقوق الله تعالى وسياسة ملكه، وترتيب منازل خلقه، وإقامة حدوده، والمحافظة على رسومه، وتعظيم شعائره، وظهور عبادته، ولزوم طاعته، ونظم قانون الحكم النافذ عليهم منه، وتحقيق الوعود في أنه يعلم ما لا يعلم أحد من خلقه حسب ما صرح بذلك لملائكته فقال: {إني أعلم ما لا تعلمون} [
البقرة : 30] وحوشي سليمان عليه السلام أن يكون سؤاله طلبا لنفس الدنيا؛ لأنه هو والأنبياء أزهد خلق الله فيها، وإنما سأل مملكتها لله، كما سأل نوح دمارها وهلاكها لله؛ فكانا محمودين مجابين إلى ذلك، فأجيب نوح فأهلك من عليها، وأعطى سليمان المملكة. وقد قيل : أن ذلك كان بأمر من الله جل وعز على الصفة التي علم الله أنه لا يضبطه إلا هو وحده دون سائر عباده، أو أراد أن يقول ملكا عظيما فقال: {لا ينبغي لأحد من بعدي} وهذا فيه نظر. والأول أصح. ثم قال له: {هذا عطاؤنا فأمنن أو أمسك بغير حساب} قال الحسن : ما من أحد إلا ولله عليه تبعة في نعمه غير سليمان بن داود عليه السلام فإنه قال: {هذا عطاؤنا} الآية. قلت : وهذا يرد ما روي في الخبر : إن آخر الأنبياء دخولا الجنة سليمان بن داود عليه السلام لمكان ملكه في الدنيا. وفي بعض الأخبار : يدخل الجنة بعد الأنبياء بأربعين خريفا؛ ذكره صاحب القوت وهو حديث لا أصل له؛ لأنه سبحانه إذا كان عطاؤه لا تبعة فيه لأنه من طريق المنة، فكيف يكون آخر الأنبياء دخولا الجنة، وهو سبحانه يقول: {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}. وفي الصحيح : (لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته...) الحديث. وقد تقدم فجعل له من قبل السؤال حاجة مقضية، فلذلك لم تكن عليه تبعة. ومعنى قوله: {لا ينبغي لأحد من بعدي} أي أن يسأله. فكأنه سأل منع السؤال بعده، حتى لا يتعلق به أمل أحد، ولم يسأل منع الإجابة. وقيل : إن سؤاله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده؛ ليكون محله وكرامته من الله ظاهرا في خلق السموات والأرض؛ فإن الأنبياء عليهم السلام لهم تنافس في المحل عنده، فكل يحب أن تكون له خصوصية يستدل بها على محله عنده، ولهذا لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم العفريت الذي أراد أن يقطع عليه صلاته وأمكنه الله منه، أراد ربطه ثم تذكر قوله أخيه سليمان: {رب اغفر لي وهب لى ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي} فرده خاسئا. فلو أعطي أحد بعده مثله ذهبت الخصوصية، فكأنه كره صلى الله عليه وسلم أن يزاحمه في تلك الخصوصية، بعد أن علم أنه شيء هو الذي خص به من سخرة الشياطين، وأنه أجيب إلى ألا يكون لأحد بعده. والله أعلم. قوله تعالى: {فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء} أي لينة مع قوتها وشدتها حتى لا تضر بأحد، وتحمله بعسكره وجنوده وموكبه. وكان موكبه فيما روي فرسخا في فرسخ، مائة درجة بعضها فوق بعض، كل درجة صنف من الناس، وهو في أعلى درجة مع جواريه وحشمه وخدمه؛ صلوات الله وسلامه عليه. وذكر أبو نعيم الحافظ قال : حدثنا أحمد بن جعفر، قال حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب، قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن إدريس بن وهب بن منبه، قال حدثني أبي قال : كان لسليمان بن داود عليه السلام ألف بيت أعلاه قوارير وأسفله حديد، فركب الريح يوما فمر بحراث فنظر إليه الحراث فقال : لقد أوتي آل داود ملكا عظيما فحملت الريح كلامه فألقته في أذن سليمان، قال فنزل حتى أتى الحراث فقال : إني سمعت قولك، وإنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه؛ لتسبيحة واحدة يقبلها الله منك لخير مما أوتي آل داود. فقال الحراث : أذهب الله همك كما أذهبت همي. قوله تعالى: {حيث أصاب} أي أراد؛ قاله مجاهد. والعرب تقول : أصاب الصواب وأخطأ الجواب. أي أراد الصواب وأخطأ الجواب؛ قال ابن الأعرابي. وقال الشاعر : أصاب الكلام فلم يستطع ** فأخطأ الجواب لدى المفصل وقيل : أصاب أراد بلغة حمير. وقال قتادة : هو بلسان هجر. وقيل: {حيث أصاب} حينما قصد، وهو مأخوذ من إصابة السهم الغرض المقصود. {والشياطين} أي وسخرنا له الشياطين وما سخرت لأحد قبله. {كل بناء} بدل من الشياطين أي كل بناء منهم، فهم يبنون له ما يشاء. قال : إلا سليمــان إذ قال الإله له ** قم في البرية فاحددها عن الفند وخيس الجن إني قد أذنت لهم ** يبنون تدمر بالصفاح والعمـد {وغواص} يعني في البحر يستخرجون له الدر. فسليمان أول من استخرج له اللؤلؤ من البحر. {وآخرين مقرنين في الأصفاد} أي وسخرنا له مردة الشياطين حتى قرنهم في سلاسل الحديد وقيود الحديد؛ قال قتادة. السدي : الأغلال. ابن عباس : في وثاق. ومنه قول الشاعر : فآبوا بالنهاب وبالسبايا ** وأبنا بالملوك مصفدينا قال يحيى بن سلام : ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفارهم، فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم. قوله تعالى: {هذا عطاؤنا} الإشارة بهذا إلى الملك، أي هذا الملك عطاؤنا فأعط من شئت أو امنع من شئت لا حساب عليك؛ عن الحسن والضحاك وغيرهما. قال الحسن : ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه فيها تبعة إلا سليمان عليه السلام؛ فإن الله تعالى يقول: {هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب}. وقال قتادة : الإشارة في قوله تعالى: {هذا عطاؤنا} إلى ما أعطيه من القوة على الجماع، وكانت له ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية، وكان في ظهره ماء مائة رجل، رواه عكرمة عن ابن عباس. ومعناه في البخاري. {فامنن أو أمسك بغير حساب} وعلى هذا {فامنن} من المني؛ يقال : أمنى يمني ومنى يمني لغتان، فإذا أمرت من أمنى قلت أمن؛ ويقال : من منى يمني في الأمر آمن، فإذا جئت بنون الفعل نون الخفيفة قلت امنن. ومن ذهب به إلى المنة قال : من عليه؛ فإذا أخرجه مخرج الأمر أبرز النونين؛ لأنه كان مضاعفا فقال امنن. فيروى في الخبر أنه سخر له الشياطين، فمن شاء من عليه بالعتق والتخلية، ومن شاء أمسكه؛ قال قتادة والسدي. وعلى ما روى عكرمة عن ابن عباس : أي جامع من شئت من نسائك، واترك جماع من شئت منهن لا حساب عليك. {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} أي إن أنعمنا عليه في الدنيا فله عندنا في الآخرة قربة وحسن مرجع.
ولقد ابتلينا سليمان وألقينا على كرسيه شق وَلَد، وُلِد له حين أقسم ليطوفنَّ على نسائه، وكلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن جميعًا، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد، ثم رجع سليمان إلى ربه وتاب، قال: رب اغفر لي ذنبي، وأعطني ملكًا عظيمًا خاصًا لا يكون مثله لأحد من البشر بعدي، إنك- سبحانك- كثير الجود والعطاء. فاستجبنا له، وذللنا الريح تجري بأمره طيِّعة مع قوتها وشدتها حيث أراد.
فـ { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } فاستجاب اللّه له وغفر له، ورد عليه ملكه، وزاده ملكا لم يحصل لأحد من بعده، وهو تسخير الشياطين له، يبنون ما يريد، ويغوصون له في البحر، يستخرجون الدر والحلي، ومن عصاه منهم قرنه في الأصفاد وأوثقه.
( قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ) قال مقاتل وابن كيسان : لا يكون لأحد من بعدي . قال عطاء بن أبي رباح : يريد هب لي ملكا لا تسلبنيه في آخر عمري وتعطه غيري ، كما استلبته فيما مضى من عمري .
( إنك أنت الوهاب ) قيل : سأل ذلك ليكون آية لنبوته ، ودلالة على رسالته ، ومعجزة .
وقيل : سأل ذلك ليكون علما على قبول توبته حيث أجاب الله دعاءه ورد إليه ملكه ، وزاد فيه .
وقال مقاتل بن حيان : كان لسليمان ملكا ولكنه أراد بقول : " لا ينبغي لأحد من بعدي " تسخير الرياح والطير والشياطين ، بدليل ما بعده .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي ، فأمكنني الله منه ، فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد ، حتى تنظروا إليه كلكم ، فذكرت دعوة أخي سليمان " رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي " فرددته خاسئا .
مسألة: الجزء السابعالتحليل الموضوعي
( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ( 35 ) )
( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) قَالَ مُقَاتِلٌ وَابْنُ كَيْسَانَ : لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي . قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ : يُرِيدُ هَبْ لِي مُلْكًا لَا تَسْلُبْنِيهِ فِي آخِرِ عُمْرِي وَتُعْطِهِ غَيْرِي ، كَمَا اسْتَلَبْتَهُ فِيمَا مَضَى مِنْ عُمُرِي .
( إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) قِيلَ : سَأَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ آيَةً لِنُبُوَّتِهِ ، وَدَلَالَةً عَلَى رِسَالَتِهِ ، وَمُعْجِزَةً .
وَقِيلَ : سَأَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ عَلَمًا عَلَى قَبُولِ تَوْبَتِهِ حَيْثُ أَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ وَرَدَّ إِلَيْهِ مُلْكَهُ ، وَزَادَ فِيهِ .
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ : كَانَ لِسُلَيْمَانَ مُلْكًا وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِ : " لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي " تَسْخِيرَ الرِّيَاحِ وَالطَّيْرِ وَالشَّيَاطِينِ ، بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي ، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ ، فَأَخَذْتُهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ ، حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ " رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي " فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا .
مسألة: الجزء السابعالتحليل الموضوعي
( قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ( 35 ) )
( قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ) قال مقاتل وابن كيسان : لا يكون لأحد من بعدي . قال عطاء بن أبي رباح : يريد هب لي ملكا لا تسلبنيه في آخر عمري وتعطه غيري ، كما استلبته فيما مضى من عمري .
( إنك أنت الوهاب ) قيل : سأل ذلك ليكون آية لنبوته ، ودلالة على رسالته ، ومعجزة .
وقيل : سأل ذلك ليكون علما على قبول توبته حيث أجاب الله دعاءه ورد إليه ملكه ، وزاد فيه .
وقال مقاتل بن حيان : كان لسليمان ملكا ولكنه أراد بقول : " لا ينبغي لأحد من بعدي " تسخير الرياح والطير والشياطين ، بدليل ما بعده .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي ، فأمكنني الله منه ، فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد ، حتى تنظروا إليه كلكم ، فذكرت دعوة أخي سليمان " رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي " فرددته خاسئا .
(قالَ) ماض فاعله مستتر (رَبِّ) منادى بأداة نداء محذوفة مضاف إلى ياء المتكلم المحذوفة والجملة مقول القول (اغْفِرْ) فعل دعاء فاعله مستتر (لِي) متعلقان باغفر (وَهَبْ) الواو حرف عطف وفعل دعاء فاعله مستتر (لِي) متعلقان بهب (مُلْكاً) مفعول به (لا) نافية (يَنْبَغِي) مضارع مرفوع فاعله مستتر (لِأَحَدٍ) متعلقان بينبغي والجملة صفة لملكا (مِنْ بَعْدِي) متعلقان بمحذوف صفة لأحد (إِنَّكَ) إن واسمها (أَنْتَ) ضمير فصل (الْوَهَّابُ) خبر إن والجملة الاسمية تعليل للدعاء
Traslation and Transliteration:
Qala rabbi ighfir lee wahab lee mulkan la yanbaghee liahadin min baAAdee innaka anta alwahhabu
He said: My Lord! Forgive me and bestow on me sovereignty such as shall not belong to any after me. Lo! Thou art the Bestower.
Rabbim demişti, beni yarlıga ve bana öyle bir saltanat ver ki benden sonra hiçbir kimse nail olamasın o saltanata, şüphe yok ki senin vergin, ihsanın, boldur.
Il dit: «Seigneur, pardonne-moi et fais-moi don d'un royaume tel que nul après moi n'aura de pareil. C'est Toi le grand Dispensateur».
Er sagte: "Mein HERR! Vergib mir und schenke mir eine Herrschaft, die niemandem nach mir möglich wird. Gewiß, DU bist Der reichlich Schenkende."