المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة النساء: [الآية 19]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة النساء | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)
البرهان قوي السلطان ، ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، والقرآن ضياء لأن الضياء يكشف ، فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها . فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء ، فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته ، وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه . فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .
------------
(174) الفتوحات ج 4 / 352 - إيجاز البيان - الفتوحات ج 3 / 94 - ج 2 / 107تفسير ابن كثير:
قال البخاري : حدثنا محمد بن مقاتل ، حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا الشيباني عن عكرمة ، عن ابن عباس - قال الشيباني : وذكره أبو الحسن السوائي ، ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس - : ( ياأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) قال : كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوها ، فهم أحق بها من أهلها ، فنزلت هذه الآية في ذلك .
هكذا رواه البخاري وأبو داود ، والنسائي ، وابن مردويه ، وابن أبي حاتم ، من حديث أبي إسحاق الشيباني - واسمه سليمان بن أبي سليمان - عن عكرمة ، وعن أبي الحسن السوائي واسمه عطاء ، كوفي أعمى - كلاهما عن ابن عباس بما تقدم .
وقال أبو داود : حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ، حدثني علي بن حسين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته ، فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها ، فأحكم الله تعالى عن ذلك ، أي نهى عن ذلك .
تفرد به أبو داود وقد رواه غير واحد عن ابن عباس بنحو ذلك ، فقال وكيع عن سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن مقسم ، عن ابن عباس : كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها فجاء رجل فألقى عليها ثوبا ، كان أحق بها ، فنزلت : ( ياأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) .
وروى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( ياأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) قال : كان الرجل إذا مات وترك جارية ، ألقى عليها حميمه ثوبه ، فمنعها من الناس . فإن كانت جميلة تزوجها ، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها .
وروى العوفي عنه : كان الرجل من أهل المدينة إذا مات حميم أحدهم ألقى ثوبه على امرأته ، فورث نكاحها ولم ينكحها أحد غيره ، وحبسها عنده حتى تفتدي منه بفدية : فأنزل الله : ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها )
وقال زيد بن أسلم في الآية [ ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) ] كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله ، وكان يعضلها حتى يرثها ، أو يزوجها من أراد ، وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها ، ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها ، فنهى الله المؤمنين عن ذلك . رواه ابن أبي حاتم .
وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن إسحاق ، حدثنا علي بن المنذر ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه قال : لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته ، وكان لهم ذلك في الجاهلية ، فأنزل الله : ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها )
ورواه ابن جرير من حديث محمد بن فضيل ، به . ثم روي من طريق ابن جريج قال : أخبرني عطاء أن أهل الجاهلية كانوا إذا هلك الرجل وترك امرأة ، حبسها أهله على الصبي يكون فيهم ، فنزلت : ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) الآية .
قال ابن جريج : وقال مجاهد : كان الرجل إذا توفي كان ابنه أحق بامرأته ، ينكحها إن شاء ، إذا لم يكن ابنها ، أو ينكحها من شاء أخاه أو ابن أخيه .
قال ابن جريج : وقال عكرمة : نزلت في كبيشة بنت معن بن عاصم بن الأوس ، توفي عنها أبو قيس بن الأسلت ، فجنح عليها ابنه ، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، لا أنا ورثت زوجي ، ولا أنا تركت فأنكح ، فنزلت هذه الآية .
وقال السدي عن أبي مالك : كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها ، جاء وليه فألقى عليها ثوبا ، فإن كان له ابن صغير أو أخ حبسها حتى يشب أو تموت فيرثها ، فإن هي انفلتت فأتت أهلها ، ولم يلق عليها ثوبا نجت ، فأنزل الله : [ تعالى ] ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها )
وقال مجاهد في الآية : كان الرجل يكون في حجره اليتيمة هو يلي أمرها ، فيحبسها رجاء أن تموت امرأته ، فيتزوجها أو يزوجها ابنه . رواه ابن أبي حاتم . ثم قال : وروي عن الشعبي ، وعطاء بن أبي رباح ، وأبي مجلز ، والضحاك ، والزهري ، وعطاء الخراساني ، ومقاتل بن حيان - نحو ذلك .
قلت : فالآية تعم ما كان يفعله أهل الجاهلية ، وما ذكره مجاهد ومن وافقه ، وكل ما كان فيه نوع من ذلك ، والله أعلم .
وقوله : ( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) أي : لا تضاروهن في العشرة لتترك لك ما أصدقتها أو بعضه أو حقا من حقوقها عليك ، أو شيئا من ذلك على وجه القهر لها والاضطهاد .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( ولا تعضلوهن ) يقول : ولا تقهروهن ( لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) يعني : الرجل تكون له امرأة وهو كاره لصحبتها ، ولها عليه مهر فيضرها لتفتدي .
وكذا قال الضحاك ، وقتادة [ وغير واحد ] واختاره ابن جرير .
وقال ابن المبارك وعبد الرزاق : أخبرنا معمر قال : أخبرني سماك بن الفضل ، عن ابن البيلماني قال : نزلت هاتان الآيتان إحداهما في أمر الجاهلية ، والأخرى في أمر الإسلام . قال عبد الله بن المبارك : يعني قوله : ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) في الجاهلية ( ولا تعضلوهن ) في الإسلام .
وقوله : ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) قال ابن مسعود ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، والشعبي ، والحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء الخراساني ، والضحاك ، وأبو قلابة ، وأبو صالح ، والسدي ، وزيد بن أسلم ، وسعيد بن أبي هلال : يعني بذلك الزنا ، يعني : إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها وتضاجرها حتى تتركه لك وتخالعها ، كما قال تعالى في سورة البقرة : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله [ فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ] ) الآية [ البقرة : 229 ] .
وقال ابن عباس ، وعكرمة ، والضحاك : الفاحشة المبينة : النشوز والعصيان .
واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله : الزنا ، والعصيان ، والنشوز ، وبذاء اللسان ، وغير ذلك .
يعني : أن هذا كله يبيح مضاجرتها حتى تبرئه من حقها أو بعضه ويفارقها ، وهذا جيد ، والله أعلم ، وقد تقدم فيما رواه أبو داود منفردا به من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] في قوله : ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) قال : وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته ، فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها ، فأحكم الله عن ذلك ، أي نهى عن ذلك .
قال عكرمة والحسن البصري : وهذا يقتضي أن يكون السياق كله كان في أمر الجاهلية ، ولكن نهي المسلمون عن فعله في الإسلام .
قال عبد الرحمن بن زيد : كان العضل في قريش بمكة ، ينكح الرجل المرأة الشريفة فلعلها لا توافقه ، فيفارقها على أن لا تزوج إلا بإذنه ، فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد ، فإذا خطبها الخاطب فإن أعطته وأرضته أذن لها ، وإلا عضلها . قال : فهذا قوله : ( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) الآية .
وقال مجاهد في قوله : ( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) هو كالعضل في سورة البقرة .
وقوله : ( وعاشروهن بالمعروف ) أي : طيبوا أقوالكم لهن ، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم ، كما تحب ذلك منها ، فافعل أنت بها مثله ، كما قال تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) [ البقرة : 228 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي " وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائم البشر ، يداعب أهله ، ويتلطف بهم ، ويوسعهم نفقته ، ويضاحك نساءه ، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يتودد إليها بذلك . قالت : سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته ، وذلك قبل أن أحمل اللحم ، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني ، فقال : " هذه بتلك " ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها . وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد ، يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار ، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام ، يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) [ الأحزاب : 21 ] .
وأحكام عشرة النساء وما يتعلق بتفصيل ذلك موضعه كتاب " الأحكام " ، ولله الحمد .
وقوله تعالى : ( فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا [ ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ] ) أي : فعسى أن يكون صبركم مع إمساككم لهن وكراهتهن فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة . كما قال ابن عباس في هذه الآية : هو أن يعطف عليها ، فيرزق منها ولدا . ويكون في ذلك الولد خير كثير وفي الحديث الصحيح : " لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن سخط منها خلقا رضي منها آخر " .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
كانوا في الجاهلية إذا مات أحدهم عن زوجته، رأى قريبُه كأخيه وابن عمه ونحوهما أنه أحق بزوجته من كل أحد، وحماها عن غيره، أحبت أو كرهت. فإن أحبها تزوجها على صداق يحبه دونها، وإن لم يرضها عضلها فلا يزوجها إلا من يختاره هو، وربما امتنع من تزويجها حتى تبذل له شيئًا من ميراث قريبه أو من صداقها، وكان الرجل أيضا يعضل زوجته التي [يكون] يكرهها ليذهب ببعض ما آتاها، فنهى الله المؤمنين عن جميع هذه الأحوال إلا حالتين: إذا رضيت واختارت نكاح قريب زوجها الأول، كما هو مفهوم قوله: { كَرْهًا } وإذا أتين بفاحشة مبينة كالزنا والكلام الفاحش وأذيتها لزوجها فإنه في هذه الحال يجوز له أن يعضلها، عقوبة لها على فعلها لتفتدي منه إذا كان عضلا بالعدل. ثم قال: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال. { فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } أي: ينبغي لكم -أيها الأزواج- أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا. من ذلك امتثال أمر الله، وقبولُ وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة. ومنها أن إجباره نفسَه -مع عدم محبته لها- فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة. وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك. وربما رزق منها ولدا صالحا نفع والديه في الدنيا والآخرة. وهذا كله مع الإمكان في الإمساك وعدم المحذور. فإن كان لا بد من الفراق، وليس للإمساك محل، فليس الإمساك بلازم.
تفسير البغوي
( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) نزلت في أهل المدينة كانوا في الجاهلية وفي أول الإسلام ، إذا مات الرجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها أو قريبه من عصبته فألقى ثوبه على تلك المرأة وعلى خبائها ، فصار أحق بها من نفسها ومن غيره ، فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الأول الذي أصدقها الميت ، وإن شاء زوجها غيره وأخذ صداقها ، وإن شاء عضلها ومنعها من الأزواج يضارها لتفتدي منه بما ورثته من الميت ، أو تموت هي فيرثها ، فإن ذهبت المرأة إلى أهلها قبل أن يلقي عليها ولي زوجها ثوبه فهي أحق بنفسها ، فكانوا على هذا حتى توفي أبو قيس بن الأسلت الأنصاري وترك امرأته كبيشة بنت معن الأنصارية ، فقام ابن له من غيرها يقال له حصن ، وقال مقاتل بن حيان : اسمه قيس بن أبي قيس ، فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها ، ثم تركها ولم ينفق عليها ، يضارها لتفتدي منه ، فأتت كبيشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أبا قيس توفي وورث نكاحي ابنه فلا هو ينفق علي ولا يدخل بي ولا يخلي سبيلي ، فقال : " اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله " ، فأنزل الله تعالى هذه الآية :
( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) .
قرأ حمزة والكسائي : كرها بضم الكاف ، هاهنا وفي التوبة وقرأ الباقون بالفتح ، قال الكسائي : هما لغتان . قال الفراء : الكره بالفتح ما أكره عليه ، وبالضم ما كان من قبل نفسه من المشقة .
( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) أي : لا تمنعوهن من الأزواج لتضجر فتفتدي ببعض مالها ، قيل : هذا خطاب لأولياء الميت ، والصحيح أنه خطاب للأزواج .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : هذا في الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضارها لتفتدي وترد إليه ما ساق إليها من المهر ، فنهى الله تعالى عن ذلك ، ثم قال : ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) فحينئذ يحل لكم إضرارهن ليفتدين منكم .
واختلفوا في الفاحشة ، قال ابن مسعود وقتادة : هي النشوز ، وقال بعضهم وهو قول الحسن : هي الزنا ، يعني : المرأة إذا نشزت ، أو زنت حل للزوج أن يسألها الخلع ، وقال عطاء : كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها ، فنسخ الله تعالى ذلك بالحدود .
وقرأ ابن كثير وأبو بكر " مبينة ومبينات " بفتح الياء ، ووافق أهل المدينة والبصرة في " مبينات " والباقون بكسرها ، .
( وعاشروهن بالمعروف ) قال الحسن : رجع إلى أول الكلام ، يعني ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ( وعاشروهن بالمعروف ) والمعاشرة بالمعروف : هي الإجمال في القول والمبيت والنفقة ، وقيل : هو أن يتصنع لها كما تتصنع له ، ( فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) قيل : هو ولد صالح ، أو يعطفه الله عليها .
الإعراب:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ) يا أداة نداء وأي منادى نكرة مقصودة في محل نصب على النداء واسم الموصول بدل وجملة (آمَنُوا) صلة (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ) المصدر المؤول من أن والفعل المضارع في محل رفع فاعل يحل ولكم متعلقان به النساء مفعول به (كَرْهاً) حال (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ) الواو عاطفة ولا نافية تعضلوهن مضارع منصوب بحذف النون والواو فاعل والهاء مفعول به. ويجوز أن تكون الواو استئنافية ولا ناهية جازمة والمضارع مجزوم (لِتَذْهَبُوا) اللام لام التعليل تذهبوا منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل والمصدر المؤول للذهاب متعلقان بتعضلوهن والواو فاعل.
(بِبَعْضِ) متعلقان بتذهبوا (ما آتَيْتُمُوهُنَّ) ما اسم موصول في محل جر بالإضافة آتيتموهن فعل ماض وفاعل ومفعول به والجملة صلة الموصول (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ) إلا أداة استثناء والمصدر المؤول في محل نصب على الاستثناء يأتين فعل مضارع مبني على السكون في محل نصب ونون النسوة فاعله (مُبَيِّنَةٍ) صفة فاحشة (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فعل أمر وفاعل ومفعول به وفعل الأمر مبني على حذف النون تعلق به الجار والمجرور بعده والجملة معطوفة (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ) فعل ماض والتاء فاعله والهاء مفعول به والواو للإشباع وهو في محل جزم فعل الشرط وجواب الشرط محذوف تقديره: فاحتملوهن (فَعَسى) الفاء للتعليل وفعل ماض جامد (أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) فعل مضارع وفاعل ومفعول به والمصدر المؤول في محل رفع فاعل عسى (وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً) فعل مضارع ولفظ الجلالة فاعل وخيرا مفعول به والجار والمجرور متعلقان بالفعل وهما بمنزلة المفعول الثاني ليجعل (كَثِيراً) صفة وجملة (وَيَجْعَلَ) معطوفة وجملة (عسى) تعليلية لا محل لها.