«الذي خلق الموت» في الدنيا «والحياة» في الآخرة أو هما في الدنيا فالنطفة تعرض لها الحياة وهي ما به الإحساس، والموت ضدها أو عدمها قولان، والخلق على الثاني بمعنى لتقدير «ليبلوكم» ليختبركم في الحياة «أيكم أحسن عملا» أطوع لله «وهو العزيز» في انتقامه ممن عصاه «الغفور» لمن تاب إليه.
أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)
"أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ " وهو الذي سقط على وجهه في النار من الصراط وهو من الموحدين «أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» .
------------
(22) الفتوحات ج 3 /
319
ثم قال : ( الذي خلق الموت والحياة ) واستدل بهذه الآية من قال : إن الموت أمر وجودي لأنه مخلوق . ومعنى الآية : أنه أوجد الخلائق من العدم ، ليبلوهم ، ويختبرهم أيهم أحسن عملا ؟ كما قال : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ) [ البقرة : 28 ] فسمى الحال الأول - وهو العدم - موتا ، وسمى هذه النشأة حياة . ولهذا قال : ( ثم يميتكم ثم يحييكم ) [ البقرة : 28 ] .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا خليد ، عن قتادة في قوله : ( الذي خلق الموت والحياة ) قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله أذل بني آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ، ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ، ثم دار بقاء " .
ورواه معمر ، عن قتادة .
وقوله : ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) أي : خير عملا كما قال محمد بن عجلان : ولم يقل أكثر عملا .
ثم قال : ( وهو العزيز الغفور ) أي : هو العزيز العظيم المنيع الجناب ، وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب ، بعدما عصاه وخالف أمره ، وإن كان تعالى عزيزا ، هو مع ذلك يغفر ، ويرحم ، ويصفح ، ويتجاوز .
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى {الذي خلق الموت والحياة} قيل : المعنى خلقكم للموت والحياة؛ يعني للموت في الدنيا والحياة في الآخرة وقدم الموت على الحياة؛ لأن الموت إلى القهر أقرب؛ كما قدم البنات على البنين فقال {يهب لمن يشاء إناثا} [
الشورى : 49]. وقيل : قدمه لأنه أقدم؛ لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوه. وقال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن الله تعالى أذل بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء). وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه الفقر والمرض والموت وإنه مع ذلك لوثّاب). المسألة الثانية: قدم الموت على الحياة، لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه؛ فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم قال العلماء : الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار. والحياة عكس ذلك. وحكي عن ابن عباس والكلبي ومقاتل : أن الموت والحياة جسمان، فجعل الموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء - وهي التي كان جبريل والأنبياء عليهم السلام يركبونها - خطوتها مد البصر، فوق الحمار ودون البغل، لا تمر بشيء يجد ريحها إلا حيي، ولا تطأ على شيء إلا حيي. وهي التي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل فحيي. حكاه الثعلبي والقشيري عن ابن عباس. والماوردي معناه عن مقاتل والكلبي. قلت : وفي التنزيل {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم} [
السجدة : 11]، {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة} [
الأنفال : 50] ثم {توفته رسلنا} [
الأنعام : 61]، ثم قال {الله يتوفى الأنفس حين موتها} [
الزمر : 42]. فالوسائط ملائكة مكرمون صلوات الله عليهم. وهو سبحانه المميت على الحقيقة، وإنما يمثل الموت بالكبش في الآخرة ويذبح على الصراط؛ حسب ما ورد به الخبر الصحيح. وما ذكر عن ابن عباس يحتاج إلى خبر صحيح يقطع العذر. والله أعلم. وعن مقاتل أيضا : خلق الموت؛ يعني النطفة والعلقة والمضغة، وخلق الحياة؛ يعني خلق إنسانا ونفخ فيه الروح فصار إنسانا. قلت : وهذا قول حسن؛ يدل عليه قوله تعالى {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} وتقدم الكلام فيه في سورة الكهف . وقال السدي في قوله تعالى {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} أي أكثركم للموت ذكرا وأحسن استعدادا، ومنه أشد خوفا وحذرا. وقال ابن عمر : تلا النبي صلى الله عليه وسلم {تبارك الذي بيده الملك} - حتى بلغ - {أيكم أحسن عملا} فقال : (أورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله). وقيل : معنى {ليبلوكم} ليعاملكم معاملة المختبر؛ أي ليبلو العبد بموت من يعز عليه ليبين صبره، وبالحياة ليبين شكره. وقيل : خلق الله الموت للبعث والجزاء، وخلق الحياة للابتلاء. فاللام في {ليبلوكم} تتعلق بخلق الحياة لا بخلق الموت؛ ذكره الزجاج. وقال الفراء والزجاج أيضا : لم تقع البلوى على {أي} لأن فيما بين البلوى و{أي} إضمار فعل؛ كما تقول : بلوتكم لأنظر أيكم أطوع. ومثله قوله تعالى {سلهم أيهم بذلك زعيم}[
القلم : 40] أي سلهم ثم انظر أيهم. {فأيكم} رفع بالابتداء و{أحسن} خبره. والمعنى : ليبلوكم فيعلم أو فينظر أيكم أحسن عملا. {وهو العزيز} في انتقامه ممن عصاه. {الغفور} لمن تاب.
الذي خلق الموت والحياة؛ ليختبركم - أيها الناس-: أيكم خيرٌ عملا وأخلصه؟ وهو العزيز الذي لا يعجزه شيء، الغفور لمن تاب من عباده. وفي الآية ترغيب في فعل الطاعات، وزجر عن اقتراف المعاصي.
وخلق الموت والحياة أي: قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم؛ { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } أي: أخلصه وأصوبه، فإن الله خلق عباده، وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء.
{ وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي له العزة كلها، التي قهر بها جميع الأشياء، وانقادت له المخلوقات.
{ الْغَفُورُ } عن المسيئين والمقصرين والمذنبين، خصوصًا إذا تابوا وأنابوا، فإنه يغفر ذنوبهم، ولو بلغت عنان السماء، ويستر عيوبهم، ولو كانت ملء الدنيا.
( الذي خلق الموت والحياة ) قال عطاء عن ابن عباس : يريد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة .
وقال قتادة : أراد موت الإنسان وحياته في الدنيا جعل الله الدنيا دار حياة وفناء ، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء .
قيل إنما قدم الموت لأنه إلى القهر أقرب : وقيل : قدمه لأنه أقدم لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوهما ثم اعترضت عليها الحياة .
وقال ابن عباس : خلق الموت على صورة كبش أملح لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات وخلق الحياة على صورة فرس بلقاء [ أنثى ] وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي ، وهي التي أخذ السامري قبضة من أثرها فألقى على العجل فحيي .
( ليبلوكم ) فيما بين [ الحياة إلى الموت ] ( أيكم أحسن عملا ) روي عن ابن عمر مرفوعا : " أحسن عملا " أحسن عقلا وأورع عن محارم الله ، وأسرع في طاعة الله
وقال فضيل بن عياض " أحسن عملا " أخلصه وأصوبه . وقال : العمل لا يقبل حتى يكون خالصا صوابا ، الخالص : إذا كان لله ، والصواب : إذا كان على السنة .
وقال الحسن : أيكم أزهد في الدنيا وأترك لها .
وقال الفراء : لم يوقع البلوى على " أي " [ إلا ] وبينهما إضمار كما تقول بلوتكم لأنظر أيكم أطوع . ومثله : " سلهم أيهم بذلك زعيم " ( القلم - 40 ) أي : سلهم وانظر أيهم ف " أي " : رفع على الابتداء " وأحسن " خبره ( وهو العزيز ) في انتقامه ممن عصاه ( الغفور ) لمن تاب إليه .
(الَّذِي) بدل (خَلَقَ) ماض وفاعله مستتر (الْمَوْتَ) مفعول به والجملة صلة (وَالْحَياةَ) معطوفة على الموت.
(لِيَبْلُوَكُمْ) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والفاعل مستتر والكاف مفعول به والمصدر المؤول من أن والفعل في محل جر باللام والجار والمجرور متعلقان بخلق (أَيُّكُمْ) اسم استفهام مبتدأ (أَحْسَنُ) خبره (عَمَلًا) تمييز والجملة الاسمية مفعول به ثان ليبلوكم (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) مبتدأ وخبراه والجملة حال.
Traslation and Transliteration:
Allathee khalaqa almawta waalhayata liyabluwakum ayyukum ahsanu AAamalan wahuwa alAAazeezu alghafooru
Who hath created life and death that He may try you which of you is best in conduct; and He is the Mighty, the Forgiving,
Öyle bir mabuttur ki yaratmıştır ölümü ve dirimi, hanginiz daha güzel işte bulunacak, sınamak için sizi ve odur üstün olan ve suçları örten.
Celui qui a créé la mort et la vie afin de vous éprouver (et de savoir) qui de vous est le meilleur en œuvre, et c'est Lui le Puissant, le Pardonneur.
Der den Tod und das Leben erschuf, damit ER euch prüft, wer von euch besser im Tun ist. Und ER ist Der Allwürdige, Der Allvergebende.
 |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الملك (Al-Mulk - The Sovereignty) |
ترتيبها |
67 |
عدد آياتها |
30 |
عدد كلماتها |
337 |
عدد حروفها |
1316 |
معنى اسمها |
المُلْكُ: مَا يُمْلَكُ وَيُتَصَرَّفُ فِيهِ، وَالمُرَادُ (بِالمُلْكِ): مُلْكُ اللهِ تَعَالَى لِكُلِّ شَيءٍ |
سبب تسميتها |
لأنَّ السُّورَةَ كُلَّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ دَلائِلِ مُلْكِ اللهِ تَعَالَى؛ فَسُمِّيَتْ بِهِ |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الْمُلْكِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (تَبَارَكَ)، وَوُصِفَتْ بِـ(الْمُنْجِيَةِ) وَ(الْمُجَادِلَةِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ مُلْكِ اللهِ تَعَالَى الْفَرِيدِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ فِي خَلْقِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
مُنْجِيَةٌ مِن عَذَابِ القَبْرِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ سُورَةً فِي القُرْآنِ ثَلاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِصَاحِبِهَا حَتَّى غُفِرَ لَه: ﴿تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ ...١﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ ابنُ مَاجَة).
تُستَحَبُّ قِراءَتُهَا كُلَّ لَيلَةٍ قَبلَ النَّومِ، فعَنْ جَابِـرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «كَانَ لاَ يَنَامُ حَتَى يَقرَأَ: ﴿الٓمٓ ١ تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ﴾ السَّجْدَةَ وَ ﴿تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ ...١﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَحْمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (المُلْكِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى، فَافتُتِحَتْ بِأَوَّلِ أَدِلَّةِ الْقُدْرَةِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ ...٢﴾، وَخُتِمَتْ بِأَهَمِّ مُقَوِّمَاتِ الْحَيَاةِ فَقَالَ: ﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَصۡبَحَ مَآؤُكُمۡ غَوۡرٗا فَمَن يَأۡتِيكُم بِمَآءٖ مَّعِينِۭ ٣٠﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (المُلْكِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (التَّحْرِيمِ): خُتِمَتِ (التَّحْرِيمُ) بِذِكْرِ صِنْفَينِ مِمَّنْ آمَنَ وَكَفَرَ، وَافْتُتِحَتِ (الْمُلْكُ) بِاخْتِبَارِهِمَا؛ فَقَالَ: ﴿أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ ...٢﴾. |