المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الليل: [الآية 10]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة الليل | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (12) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14) لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (15)
فهو أشقى ما دام يصلى النار الكبرى - راجع سورة الأعلى آية 11 - .
------------
(15) الفتوحات ج 4 / 290تفسير ابن كثير:
( فسنيسره للعسرى ) أي : لطريق الشر ، كما قال تعالى : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ) [ الأنعام : 11 ] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة دالة على أن الله ، - عز وجل - يجازي من قصد الخير بالتوفيق له ، ومن قصد الشر بالخذلان . وكل ذلك بقدر مقدر ، والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة :
رواية أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عياش ، حدثني العطاف بن خالد ، حدثني رجل من أهل البصرة ، عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، عن أبيه قال : سمعت أبي يذكر أن أباه سمع أبا بكر وهو يقول : قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، أنعمل على ما فرغ منه أو على أمر مؤتنف ؟ قال : " بل على أمر قد فرغ منه " . قال : ففيم العمل يا رسول الله ؟ قال : " كل ميسر لما خلق له " .
رواية علي ، رضي الله عنه : قال البخاري ، حدثنا أبو نعيم : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بقيع الغرقد في جنازة ، فقال : " ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار " . فقالوا : يا رسول الله ، أفلا نتكل ؟ فقال : " اعملوا ، فكل ميسر لما خلق له " . قال : ثم قرأ : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ) إلى قوله : ( للعسرى ) .
وكذا رواه من طريق شعبة ووكيع ، عن الأعمش ، بنحوه ثم رواه عن عثمان بن أبي شيبة ، عن جرير ، عن منصور ، عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : كنا في جنازة في بقيع الغرقد ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقعد وقعدنا حوله ، ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته ، ثم قال : " ما منكم من أحد - أو : ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار ، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة " . فقال رجل : يا رسول الله ، أفلا نتكل وندع العمل ؟ فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة ، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى أهل الشقاء ؟ فقال : " أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاء فييسرون إلى عمل أهل الشقاء " . ثم قرأ : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ) الآية .
وقد أخرجه بقية الجماعة ، من طرق ، عن سعد بن عبيدة ، به .
رواية عبد الله بن عمر : وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله قال : سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن ابن عمر : قال : قال عمر : يا رسول الله ، أرأيت ما نعمل فيه ؟ أفي أمر قد فرغ أو مبتدأ أو مبتدع ؟ قال : " فيما قد فرغ منه ، فاعمل يا ابن الخطاب ، فإن كلا ميسر ، أما من كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء " .
ورواه الترمذي في القدر ، عن بندار ، عن ابن مهدي ، به وقال : حسن صحيح .
حديث آخر من رواية جابر : قال ابن جرير : حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله أنه قال : يا رسول الله ، أنعمل لأمر قد فرغ منه ، أو لأمر نستأنفه ؟ فقال : " لأمر قد فرغ منه " . فقال سراقة : ففيم العمل إذا ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل عامل ميسر لعمله " .
ورواه مسلم عن أبي الطاهر ، عن ابن وهب ، به .
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثني يونس ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن طلق بن حبيب ، عن بشير بن كعب العدوي قال : سأل غلامان شابان النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالا يا رسول الله ، أنعمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ، أو في شيء يستأنف ؟ فقال : " بل فيما جفت به الأقلام ، وجرت به المقادير " . قالا ففيم العمل إذا ؟ قال : " اعملوا فكل عامل ميسر لعمله الذي خلق له " . قالا فالآن نجد ونعمل .
رواية أبي الدرداء : قال الإمام أحمد : حدثنا هيثم بن خارجة ، حدثنا أبو الربيع سليمان بن عتبة السلمي ، عن يونس بن ميسرة بن حلبس ، عن أبي إدريس ، عن أبي الدرداء قال : قالوا : يا رسول الله ، أرأيت ما نعمل ، أمر قد فرغ منه أم شيء نستأنفه ؟ قال : " بل أمر قد فرغ منه " . قالوا : فكيف بالعمل يا رسول الله ؟ قال : " كل امرئ مهيأ لما خلق له " .
تفرد به أحمد من هذا الوجه .
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كبشة ، حدثنا عبد الملك بن عمرو ، حدثنا عباد بن راشد ، عن قتادة ، حدثني خليد العصري ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من يوم غربت فيه شمسه إلا وبجنبتيها ملكان يناديان بصوت يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين : اللهم أعط منفقا خلفا ، وأعط ممسكا تلفا " . وأنزل الله في ذلك القرآن : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) .
ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن ابن أبي كبشة ، بإسناده مثله .
حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثني أبو عبد الله الطهراني ، حدثنا حفص بن عمر العداني ، حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة ، عن ابن عباس ; أن رجلا كان له نخل ، ومنها نخلة فرعها إلى دار رجل صالح فقير ذي عيال ، فإذا جاء الرجل فدخل داره وأخذ الثمر من نخلته ، فتسقط الثمرة فيأخذها صبيان الفقير فنزل من نخلته فنزع الثمرة من أيديهم ، وإن أدخل أحدهم الثمرة في فمه أدخل أصبعه في حلق الغلام ونزع الثمرة من حلقه . فشكا ذلك الرجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بما هو فيه من صاحب النخلة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اذهب " . ولقي النبي - صلى الله عليه وسلم - صاحب النخلة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أعطني نخلتك التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة " فقال له : لقد أعطيت ، ولكن يعجبني ثمرها ، وإن لي لنخلا كثيرا ما فيها نخلة أعجب إلي ثمرة من ثمرها . فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - فتبعه رجل كان يسمع الكلام من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن صاحب النخلة . فقال الرجل : يا رسول الله ، إن أنا أخذت النخلة فصارت لي النخلة فأعطيتها أتعطيني بها ما أعطيته بها نخلة في الجنة ؟ قال : " نعم " . ثم إن الرجل لقي صاحب النخلة ، ولكلاهما نخل ، فقال له : أخبرك أن محمدا ، [ قد ] أعطاني بنخلتي المائلة في دار فلان نخلة في الجنة ، فقلت ، له : قد أعطيت ولكن يعجبني ثمرها . فسكت عنه الرجل ، فقال له : أتراك إذا بعتها ؟ قال : لا إلا أن أعطى بها شيئا ، ولا أظنني أعطاه . قال : وما مناك بها ؟ قال : أربعون نخلة . فقال الرجل : لقد جئت بأمر عظيم ، نخلتك تطلب بها أربعين نخلة ؟! ثم سكتا وأنشأ في كلام [ آخر ] ثم قال : أنا أعطيتك أربعين نخلة ، فقال : أشهد لي إن كنت صادقا . فأمر بأناس فدعاهم فقال : اشهدوا أني قد أعطيته من نخلي أربعين نخلة بنخلته التي فرعها في دار فلان ابن فلان . ثم قال : ما تقول ؟ فقال صاحب النخلة : قد رضيت . ثم قال بعد : ليس بيني وبينك بيع لم نفترق قال له : قد أقالك الله ، ولست بأحمق حين أعطيتك أربعين نخلة بنخلتك المائلة . فقال صاحب النخلة : قد رضيت على أن تعطيني الأربعين على ما أريد . قال : تعطينيها على ساق . ثم مكث ساعة ، ثم قال : هي لك على ساق وأوقف له شهودا وعد له أربعين نخلة على ساق ، فتفرقا ، فذهب الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إن النخلة المائلة في دار فلان قد صارت لي ، فهي لك . فذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرجل صاحب الدار فقال له : " النخلة لك ولعيالك " . قال عكرمة : قال ابن عباس : فأنزل الله - عز وجل - : ( والليل إذا يغشى ) إلى قوله : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) إلى آخر السورة .
هكذا رواه ابن أبي حاتم ، وهو حديث غريب جدا .
قال ابن جرير : وذكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه : حدثني هارون بن إدريس الأصم ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال : كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة ، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن ، فقال له أبوه : أي بني ، أراك تعتق أناسا ضعفاء ، فلو أنك تعتق رجالا جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك ؟! فقال : أي أبت ، إنما أريد - أظنه قال - ما عند الله : قال : فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية أنزلت فيه : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ) .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } أي: للحالة العسرة، والخصال الذميمة، بأن يكون ميسرًا للشر أينما كان، ومقيضًا له أفعال المعاصي، نسأل الله العافية.
تفسير البغوي
"فسنيسره للعسرى" سنهيئه للشر بأن نجريه على يديه حتى يعمل بما لا يرضي الله ، فيستوجب به النار . قال مقاتل : نعسر عليه أن يأتي خيرا .
وروينا عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما من نفس منفوسة إلا [ كتب الله ] مكانها من الجنة أو النار " فقال رجل : أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ قال : " لا ولكن اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما أهل الشقاء فييسرون لعمل أهل الشقاء ، وأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة " ، ثم تلا " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى " .
قيل : نزلت في أبي بكر الصديق اشترى بلالا من أمية بن خلف ببردة وعشرة أواق ، فأعتقه فأنزل الله تعالى : " والليل إذا يغشى " إلى قوله : " إن سعيكم لشتى " يعني : سعي أبي بكر وأمية .
وروى علي بن حجر عن إسحاق عن أبي نجيح عن عطاء ، قال : كان لرجل من الأنصار نخلة وكان له جار يسقط من بلحها في دار جاره ، وكان صبيانه يتناولون منه ، فشكا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " بعنيها بنخلة في الجنة " فأبى ، فخرج فلقيه أبو الدحداح ، فقال له : هل لك أن تبيعها بحش [ البستان ] ، يعني حائطا له ، فقال له : هي لك ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله أتشتريها مني بنخلة في الجنة ؟ قال : " نعم " قال : هي لك ، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - جار الأنصاري فقال : " خذها " . فأنزل الله تعالى : " والليل إذا يغشى " إلى قوله : " إن سعيكم لشتى " [ سعي أبي ] الدحداح والأنصاري صاحب النخلة .
( فأما من أعطى واتقى ) [ يعني أبا ] الدحداح ، ( وصدق بالحسنى ) [ الثواب ] ( فسنيسره لليسرى ) يعني الجنة ، ( وأما من بخل واستغنى ) يعني الأنصاري ، ( وكذب بالحسنى ) يعني الثواب ، ( فسنيسره للعسرى ) يعني النار .
الإعراب:
انظر الآية رقم - 7 - .