«فأمه» فمسكنه «هاوية».
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (10) نارٌ حامِيَةٌ (11)
[ وزن الأعمال : ]
-الوجه الأول -اعلم أن الميزان الذي يوزن به الأعمال على شكل القبان ، ولهذا وصف بالثقل والخفة ، ليجمع بين الميزان العددي وهو قوله تعالى (بِحُسْبانٍ) وبين ما يوزن بالرطل ، وذلك لا يكون إلا في القبان ،
فلذلك لم يعين الكفتين بل قال : «فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ» في حق السعداء «وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ» في حق الأشقياء ، ولو كان ميزان الكفتين
لقال : وأما من ثقلت كفة حسناته فهو كذا ، وأما من ثقلت كفة سيئاته فهو كذا ؛
وإنما جعل ميزان الثقل هو عين ميزان الخفة كصورة القبان ، ولو كان ذا كفتين لوصف كفة السيئات بالثقل أيضا إذا رجحت على الحسنات ، وما وصفها قط إلا بالخفة ، فعرفنا أن الميزان على شكل القبان . - راجع الأعراف آية 9 –
الوجه الثاني -الوزن وزنان :
وزن الأعمال بعضها ببعض ويعتبر في ذلك كفة الحسنات ،
ووزن الأعمال بعاملها ويعتبر فيها كفة العمل .
لما كان الحشر يوم القيامة والنشور في الأجسام الطبيعية ، ظهر الميزان بصورة نشأتهم من الثقل ، فإذا ثقلت موازينهم وهم الذين أسعدهم اللّه فأرادوا حسنا ، وفعلوا في ظاهر أبدانهم حسنا ، فثقلت موازينهم ، فإن الحسنة بعشر أمثالها إلى مائة ألف مما دون ذلك وما فوقه ، وأما القبيح السيّئ فواحدة بواحدة ، فيخف ميزانه أعني ميزان الشقي بالنسبة إلى ثقل السعيد . واعلم أن الحق تعالى ما اعتبر في الوزن إلا كفة الخير ، لا كفة الشر ، فهي الثقيلة في حق السعيد ، الخفيفة في حق الشقي ، مع كون السيئة غير مضاعفة ، ومع هذا فقد خفت كفة خيره ، فانظر ما أشقاه ، فالكفة الثقيلة للسعيد هي بعينها الخفيفة للشقي لقلة ما فيها من الخير أو لعدمه بالجملة ، مثل الذي يخرجه سبحانه من النار وما عمل خيرا قط ، فميزان مثل هذا ما في كفة اليمين منه شيء أصلا ، وليس عنده إلا ما في قلبه من العلم الضروري بتوحيد اللّه ، وليس له في ذلك تعمل ، مثل سائر الضروريات ؛ فلو اعتبر الحق بالثقل والخفة الكفتين ، كفة الخير والشر لكان يزيد بيانا في ذلك ، فإن إحدى الكفتين إذا ثقلت خفت الأخرى بلا شك ، خيرا كان أو شرا ؛ وأما إذا وقع الوزن به فيكون هو في إحدى الكفتين ، وعمله في الأخرى ، فذلك وزن آخر ، فمن ثقل ميزانه نزل عمله إلى
أسفل ، فإن الأعمال في الدنيا من مشاق النفوس ، والمشاق محلها النار ، فتنزل كفة عمله تطلب النار ، وترتفع الكفة التي هو فيها لخفتها فيدخل الجنة ، لأن لها العلو . والشقي تثقل كفة الميزان التي هو فيها ، وتخف كفة عمله ، فيهوي في النار ، وهو قوله «فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ» فكفة ميزان العمل هي المعتبرة في هذا النوع من الوزن ، الموصوفة بالثقل في السعيد لرفعة صاحبها ، والموصوفة بالخفة في حق الشقي لثقل صاحبها ، وهو قوله تعالى: (يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) وليس إلا ما يعطيهم من الثقل الذي يهوون به في نار جهنم
(102) سورة التكاثر مكيّة
------------
(11) الفتوحات ج 3 /
6 - ج 4 /
35
وقوله : ( فأمه هاوية ) قيل : معناه : فهو ساقط هاو بأم رأسه في نار جهنم . وعبر عنه بأمه - يعني دماغه - روي نحو هذا عن ابن عباس ، وعكرمة ، وأبي صالح ، وقتادة - قال قتادة : يهوي في النار على رأسه ، وكذا قال أبو صالح : يهوون في النار على رءوسهم .
وقيل : معناه : ( فأمه ) التي يرجع إليها ، ويصير في المعاد إليها ( هاوية ) وهي اسم من أسماء النار .
قال ابن جرير : وإنما قيل : للهاوية أمه ; لأنه لا مأوى له غيرها .
وقال ابن زيد : الهاوية : النار ، هي أمه ومأواه التي يرجع إليها ويأوي إليها ، وقرأ : ( ومأواهم النار ) [ آل عمران : 151 ] .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن قتادة أنه قال : هي النار ، وهي مأواهم
قد تقدم القول في الميزان في {الأعراف والكهف والأنبياء}. وأن له كفة ولسانا توزن فيه الصحف المكتوب فيها الحسانات والسيئات. ثم قيل : إنه ميزان واحد بيد جبريل يزن أعمال بني آدم، فعبر عنه بلفظ الجوع. وقيل : موازين، كما قال : فلكل حادثة لها ميزان وقد ذكرناه فيما تقدم. وذكرناه أيضا في كتاب التذكرة وقيل : إن الموازين الحجج والدلائل، قاله عبدالعزيز بن يحيى، واستشهد بقول الشاعر : قد كنت قبل لقائكم ذا مرة ** عندي لكل مخاصم ميزانه {عيشة راضية} أي عيش مرضي، يرضاه صاحبه. وقيل {عيشة راضية} أي فاعلة للرضا،وهو اللين والانقياد لأهلها. فالفعل للعيشة لأنها أعطت الرضا من نفسها، وهو اللين والانقياد. فالعيشة كلمة تجمع النعم التي في الجنة، فهي فاعلة للرضا، كالفرش المرفوعة، وارتفاعها مقدار مائة عام، فإذا دنا منها ولي الله أتضعت حتى يستوي عليها، ثم ترتفع كهيئتها، ومثل الشجرة فرعها، كذلك أيضا من الارتفاع، فإذا أشتهى ولي الله ثمرتها تدلت إليه، حتى يتناولها ولي الله قاعدا وقائما، وذلك قوله تعالى{قطوفها دانية}[
الحاقة : 23]. وحيثما مشى أو ينتقل من مكان إلى مكان، جرى معه نهر حيث شاء، علوا وسفلا، وذلك قوله تعالى {يفجرونها تفجيرا}[الإنسان : 6]. فيروى في الخبر (إنه يشير بقضيبه فيجري من غير أخدود حيث شاء من قصوره وفي مجالسه). فهذه الأشياء كلها عيشة قد أعطت الرضا من نفسها، فهي فاعلة للرضا، وهي أنزلت وانقادت بذلا وسماحة. {فأمه هاوية} يعني جهنم. وسماها أما، لأنه يأوي إليها كما يأوي إلى أمه، قاله ابن زيد. ومنه قول أمية بن أبي الصلت : فالأرض معقلنا وكانت أمنا ** فيها مقابرنا وفيها نولد وسميت النار هاوية، لأنه يهوي فيها مع بعد قعرها. ويروى أن الهاوية اسم الباب الأسفل من النار. وقال قتادة : معنى {فأمه هاوية} فمصيره إلى النار. عكرمة : لأنه يهوي فيها على أم رأسه. الأخفش {أمه} : مستقره، والمعنى متقارب. وقال الشاعر : يا عمرو لو نالتك أرماحنا ** كنت كمن تهوي به الهاوية والهاوية : المهواة. وتقول : هوت أمه، فهي هاوية، أي ثاكلة، قال كعب بن سعد الغنوي : هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا ** وماذا يؤدي الليل حين يؤوب والمهوي والمهواة : ما بين الجبلين، ونحو ذلك. وتهاوى القوم في المهواة : إذا سقط بعضهم في إثر بعض. {وما أدراك ما هيه} الأصل {ما هي} فدخلت الهاء للسكت. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وابن محيصن {ما هي نار} بغير هاء في الوصل، ووقفوا بها. وقد مضى في سورة [الحاقة] بيانه. {نار حامية} أي شديدة الحرارة."" وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة"" : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من حر جهنم) قالوا : والله إن كانت لكافية يا رسول الله. قال (فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا، كلها مثل حرها). وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال : إنما ثقل ميزان من ثقل ميزانه، لأنه وضع فيه الحق، وحق لميزان يكون فيه الحق أن يكون ثقيلا. وإنما خف ميزان من خف ميزانه، لأنه وضع فيه الباطل، وحق لميزان يكون فيه الباطل أن يكون خفيفا. وفي الخبر عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أن الموتى يسألون الرجل يأتيهم عن رجل مات قبله، فيقول ذلك مات قبلي، أما مر بكم؟ فيقولون لا والله، فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون! ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية). وقد ذكرناه بكماله في كتاب التذكرة ، والحمد لله.
وأما من خفت موازين حسناته، ورجحت موازين سيئاته، فمأواه جهنم.
{ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } أي: مأواه ومسكنه النار، التي من أسمائها الهاوية، تكون له بمنزلة الأم الملازمة كما قال تعالى: { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا } .
وقيل: إن معنى ذلك، فأم دماغه هاوية في النار، أي: يلقى في النار على رأسه.
( فأمه هاوية ) مسكنه النار ، سمي المسكن أما لأن الأصل في السكون إلى الأمهات ، والهاوية اسم من أسماء جهنم ، وهو المهواة لا يدرك قعرها ، وقال قتادة : وهي كلمة عربية تقولها العرب للرجل إذا وقع في أمر شديد ، يقال : هوت أمه . وقيل : [ " فأمه هاوية "أراد أم رأسه [ " منحدرة منكوسة " يعني أنهم يهوون في النار على رءوسهم ، وإلى هذا التأويل ذهب قتادة وأبو صالح .
(فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) الفاء رابطة ومبتدأ وخبره والجملة الاسمية خبر المبتدأ من.
Traslation and Transliteration:
Faommuhu hawiyatun
A bereft and Hungry One will be his mother,
Onun, ana kucağı gibi sığınacak yeri, ana yurdu, cehennem uçurumudur.
sa mère [destination] est un abîme très profond.
so ist seine Mutter Hawiya.
 |
بيانات السورة |
| اسم السورة |
سورة القارعة (Al-Qari'a - The Calamity) |
| ترتيبها |
101 |
| عدد آياتها |
11 |
| عدد كلماتها |
36 |
| عدد حروفها |
158 |
| معنى اسمها |
(الْقَارِعَةُ): مِنْ أَسْمَاءِ يَومِ الْقِيَامَةِ، وسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقْرَعُ الْقُلُوبَ بِأَهْوَالِهَا |
| سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِالقَسَمِ (بِالْقَارِعَةِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
| أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الْقَارِعَةِ) |
| مقاصدها |
تَرْهِيبُ الْقُلُوبِ مِنْ أَهْوَالِ يَومِ الْقِيَامَةِ، وَتْرغِيبُهَا فِي تَثْقِيلِ الْأعْمَالِ الصَّالِحَةِ |
| أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُذكَرْ لَهَا سَبَبُ نُزُولٍ وَلَا لِبَعْضِ آيَاتِهَا |
| فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنَّهَا مِنْ قِصَارِ المُفَصَّل |
| مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ سُوْرَةِ (القاَرِعَةِ) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُوْرَةِ (العَادِيَاتِ):لَمَّا أَشَارَتِ (الْعَادِيَاتُ) إِلَى أَحْدَاثِ يَومِ الْقِيَامَةِ فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿۞أَفَلَا يَعۡلَمُ إِذَا بُعۡثِرَ مَا فِي ٱلۡقُبُورِ ٩ وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ ١٠﴾، نَاسَبَ ذِكْرَ بَعْضِ أَحْدَاثِ هَذَا الْيَومِ فِي (الْقَارِعَةِ) |