موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الفيل: [الآية 1]

سورة الفيل
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَٰبِ ٱلْفِيلِ ﴿1﴾

تفسير الجلالين:

«ألم تر» استفهام تعجب، أي اعجب «كيف فعل ربك بأصحاب الفيل» هو محمود وأصحابه أبرهة ملك اليمن وجيشه، بنى بصنعاء كنيسة ليصرف إليها الحجاج عن مكة فأحدث رجل من كنانة فيها ولطخ قبلتها بالعذرة احتقارا بها، فحلف أبره ليهدمنَّ الكعبة، فجاء مكة بجيشه على أفيال اليمن مقدمها محمود، فحين توجهوا لهدم الكعبة أرسل الله عليهم ما قصَّه في قوله:

تفسير الشيخ محي الدين:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1) لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)

[ كل ما حدث كان عن وحي إلهي : ]

انظر أيها العاقل إلى الفيل وحبسه ، وامتناعه من القدوم على خراب بيت اللّه ، وانظر إلى ما فعلت الطير بأصحاب الفيل ، وما رمتهم به من الحجارة التي لها خاصية في القتل دون غيرها من الأحجار ، أترى يصدر ذلك منها من غير وحي إلهي إليها بذلك ! ! !

فكم من فيل كان في العالم ، وكمن من أصحاب غزاة كانوا في العالم لما ظهر مثل هذا الأمر في هؤلاء ، وما ظهر في غيرهم ؟ وهل يوحي اللّه إلى من لا يعقل عنه ؟ تعلم منها أنه ما من حيوان أو شيء من غير الحيوان عصى أمر اللّه ، أو لم يقبل وحي اللّه.


(106) سورة قريش مكيّة

------------

(5) الفتوحات ج 3 / 490

تفسير ابن كثير:

تفسير سورة الفيل وهي مكية .

هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش ، فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل ، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود ، فأبادهم الله ، وأرغم آنافهم ، وخيب سعيهم ، وأضل عملهم ، وردهم بشر خيبة . وكانوا قوما نصارى ، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان . ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال ، ولسان حال القدر يقول : لم ننصركم - يا معشر قريش - على الحبشة لخيريتكم عليهم ، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه ، خاتم الأنبياء .

وهذه قصة أصحاب الفيل على وجه الإيجاز والاختصار والتقريب ، قد تقدم في قصة أصحاب الأخدود أن ذا نواس - وكان آخر ملوك حمير وكان مشركا - هو الذي قتل أصحاب الأخدود ، وكانوا نصارى ، وكانوا قريبا من عشرين ألفا ، فلم يفلت منهم إلادوس ذو ثعلبان ، فذهب فاستغاث بقيصر ملك الشام - وكان نصرانيا - فكتب له إلى النجاشي ملك الحبشة ; لكونه أقرب إليهم ، فبعث معه أميرين : أرياط وأبرهة بن الصباح أبا يكسوم في جيش كثيف ، فدخلوا اليمن فجاسوا خلال الديار ، واستلبوا الملك من حمير ، وهلك ذو نواس غريقا في البحر . واستقل الحبشة بملك اليمن وعليهم هذان الأميران : أرياط وأبرهة فاختلفا في أمرهما وتصاولا وتقاتلا وتصافا ، فقال أحدهما للآخر : إنه لا حاجة بنا إلى اصطدام الجيشين بيننا ، ولكن ابرز إلي وأبرز إليك ، فأينا قتل الآخر استقل بعده بالملك . فأجابه إلى ذلك فتبارزا - وخلف كل واحد منهما قناة - فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف ، فشرم أنفه وفمه وشق وجهه ، وحمل عتودة مولى أبرهة على أرياط فقتله ، ورجع أبرهة جريحا ، فداوى جرحه فبرأ ، واستقل بتدبير جيش الحبشة باليمن . فكتب إليه النجاشي يلومه على ما كان منه ، ويتوعده ويحلف ليطأن بلاده ويجزن ناصيته . فأرسل إليه أبرهة يترقق له ويصانعه ، وبعث مع رسوله بهدايا وتحف ، وبجراب فيها من تراب اليمن ، وجز ناصيته فأرسلها معه ، ويقول في كتابه : ليطأ الملك على هذا الجراب فيبر قسمه وهذه ناصيتي قد بعثت بها إليك . فلما وصل ذلك إليه أعجبه منه ، ورضي عنه ، وأقره على عمله . وأرسل أبرهة يقول للنجاشي : إني سأبني لك كنيسة بأرض اليمن لم يبن قبلها مثلها . فشرع في بناء كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء ، عالية الفناء ، مزخرفة الأرجاء . سمتها العرب القليس ; لارتفاعها ; لأن الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها . وعزم أبرهة الأشرم على أن يصرف حج العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة ، ونادى بذلك في مملكته ، فكرهت العرب العدنانية والقحطانية ذلك ، وغضبت قريش لذلك غضبا شديدا ، حتى قصدها بعضهم ، وتوصل إلى أن دخلها ليلا . فأحدث فيها وكر راجعا . فلما رأى السدنة ذلك الحدث ، رفعوا أمرهم إلى ملكهم أبرهة وقالوا له : إنما صنع هذا بعض قريش غضبا لبيتهم الذي ضاهيت هذا به ، فأقسم أبرهة ليسيرن إلى بيت مكة ، وليخربنه حجرا حجرا .

وذكر مقاتل بن سليمان أن فتية من قريش دخلوها فأججوا فيها نارا ، وكان يوما فيه هواء شديد فأحرقته ، وسقطت إلى الأرض .

فتأهب أبرهة لذلك ، وصار في جيش كثيف عرمرم ; لئلا يصده أحد عنه ، واستصحب معه فيلا عظيما كبير الجثة لم ير مثله ، يقال له : محمود ، وكان قد بعثه إليه النجاشي ملك الحبشة لذلك . ويقال : كان معه أيضا ثمانية أفيال . وقيل : اثنا عشر فيلا . وقيل غيره ، والله أعلم . يعني ليهدم به الكعبة بأن يجعل السلاسل في الأركان ، وتوضع في عنق الفيل ، ثم يزجر ليلقي الحائط جملة واحدة . فلما سمعت العرب بمسيره أعظموا ذلك جدا ، ورأوا أن حقا عليهم المحاجبة دون البيت ، ورد من أراده بكيد . فخرج إليه رجل [ كان ] من أشراف أهل اليمن وملوكهم ، يقال له " ذو نفر " فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله ، وما يريد من هدمه وخرابه . فأجابوه وقاتلوا أبرهة فهزمهم لما يريده الله عز وجل من كرامة البيت وتعظيمه ، وأسر " ذو نفر " فاستصحبه معه . ثم مضى لوجهه حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخشعمي في قومه : شهران وناهس فقاتلوه ، فهزمهم أبرهة ، وأسر نفيل بن حبيب ، فأراد قتله ثم عفا عنه ، واستصحبه معه ليدله في بلاد الحجاز . فلما اقترب من أرض الطائف خرج إليه أهلها ثقيف وصانعوه خيفة على بيتهم ، الذي عندهم ، الذي يسمونه اللات . فأكرمهم وبعثوا معه " أبا رغال " دليلا . فلما انتهى أبرهة إلى المغمس - وهو قريب من مكة - نزل به وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها ، فأخذوه . وكان في السرح مائتا بعير لعبد المطلب . وكان الذي أغار على السرح بأمر أبرهة أمير المقدمة ، وكان يقال له : " الأسود بن مفصود " فهجاه بعض العرب - فيما ذكره ابن إسحاق - وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ، وأمره أن يأتيه بأشرف قريش ، وأن يخبره أن الملك لم يجئ لقتالكم إلا أن تصدوه عن البيت . فجاء حناطة فدل على عبد المطلب بن هاشم ، وبلغه عن أبرهة ما قال ، فقال له عبد المطلب : والله ما نريد حربه ، وما لنا بذلك من طاقة ، هذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه ، وإن يخلي بينه وبينه ، فوالله ما عندنا دفع عنه . فقال له حناطة : فاذهب معي إليه . فذهب معه ، فلما رآه أبرهة أجله ، وكان عبد المطلب رجلا جميلا حسن المنظر ، ونزل أبرهة عن سريره ، وجلس معه على البساط ، وقال لترجمانه : قل له : حاجتك ؟ فقال للترجمان : إن حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي . فقال أبرهة لترجمانه : قل له : لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه ، لا تكلمني فيه ؟! فقال له عبد المطلب : إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه . قال : ما كان ليمتنع مني ! قال : أنت وذاك .

ويقال : إنه ذهب مع عبد المطلب جماعة من أشراف العرب فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت ، فأبى عليهم ، ورد أبرهة على عبد المطلب إبله ، ورجع عبد المطلب إلى قريش فأمرهم بالخروج من مكة والتحصن في رءوس الجبال ، تخوفا عليهم من معرة الجيش . ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده ، وقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة :

لاهم إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك

قال ابن إسحاق : ثم أرسل عبد المطلب حلقة الباب ، ثم خرجوا إلى رءوس الجبال .

وذكر مقاتل بن سليمان أنهم تركوا عند البيت مائة بدنة مقلدة ، لعل بعض الجيش ينال منها شيئا بغير حق ، فينتقم الله منه .

فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله - وكان اسمه محمودا - وعبأ جيشه ، فلما وجهوا الفيل نحو مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنبه ثم أخذ بأذنه وقال ابرك محمود ، وارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام " . ثم أرسل أذنه ، فبرك الفيل . وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل . وضربوا الفيل ليقوم فأبى . فضربوا في رأسه بالطبرزين وأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم ، فأبى ; فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول . ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك . ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فبرك .


تفسير الطبري :

فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى {ألم تر} أي ألم تخبر. وقيل : ألم تخبر. وقيل ألم تعلم. وقال ابن عباس : ألم تسمع؟ واللفظ استفهام، والمعنى تقرير. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه عام؛ أي ألم تروا ما فعلت بأصحاب الفيل؛ أي قد رأيتم ذلك، وعرفتم موضع مِنَتِي عليكم، فما لكم لا تؤمنون؟ و{كيف} في موضع نصب بـ {فعل ربك} لا بـ{ألم تر كيف} في معنى الاستفهام. الثانية: {بأصحاب الفيل} الفيل معروف، والجمع أفيال : وفيول، وفيلة. قال ابن السكيت : ولا تقل أفيلة. والأنثى فيلة وصاحبه فيال. قال سيبوبه : يجوز أن يكون أصل فيل فُعلاً، فكسر من أجل الياء؛ كما قالوا : أبيض وبيض. وقال الأخفش : هذا لا يكون في الواحد، إنما يكون في الجمع. ورجل فيل الرأي، أي ضعيف الرأي. والجمع أفيال. ورجل فال؛ أي ضعيف الرأي، مخطئ الفراسة. وقد فال الرأي يفيل فيولة، وفيل رأيه تفييلا : أي ضعفه، فهو فيل الرأي. الثالثة: في قصة أصحاب الفيل؛ وذلك أن أبرهة بنى القليس بصنعاء، وهي كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض، وكان نصرانيا، ثم كتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب فلما تحدث العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي، غضب رجل من النسأة، فخرج حتى أتى الكنيسة، فقعد فيها - أي أحدث - ثم خرج فلحق بأرضه؛ فأخبر بذلك أبرهة، فقال : من صنع هذا؟ فقيل : صنعه رجل من أهل هذا البيت، الذي تحج إليه العرب بمكة، لما سمع قولك : أصرف إليها حج العرب غضب، فجاء فقعد فيها. أي أنها ليست لذلك بأهل. فغضب عند ذلك أبرهة، وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه، وبعث رجلا كان عنده إلى بني كنانة يدعوهم إلى حج تلك الكنيسة؛ فقتلت بنو كنانة ذلك الرجل؛ فزاد أبرهة ذلك غضبا وحنقا، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت، ثم سار وخرج معه بالفيل؛ وسمعت بذلك العرب، فأعظموه وفظعوا به، ورأوا جهاده حقا عليهم، حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام. فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم، يقال له ذو نفر، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة، وجهاده عن بيت الله الحرام، وما يريد من هدمه وإخرابه؛ فأجابه من أجابه إلى ذلك، ثم عرض له فقاتله، فهزم ذو نفر وأصحابه، وأخذ له ذو نفر فأتي به أسيرا؛ فلما أراد قتله قال له ذو نفر : أيها الملك لا تقتلني، فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي؛ فتركه من القتل، وحبسه عنده في وثاق، وكان أبرهة رجلا حليما. ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك، يريد ما خرج له، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلتي خثعم : شهران وناهس، ومن تبعه من قبائل العرب؛ فقاتله فهزمه أبرهة، وأخذ له نفيل أسيرا؛ فأتي به، فلما هم بقتله قال له نفيل : أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي لك على قبيلتي خثعم : شهران وناهس، بالسمع والطاعة؛ فخلى سبيله. وخرج به معه يدله، حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف، فقالوا له : أيها الملك، إنما نحن عبيدك؛ سامعون لك مطيعون، ليس عندنا لك خلاف، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد - يعنون اللات - إنما تريد البيت الذي بمكة، نحن نبعث معك من يدلك عليه؛ فتجاوز عنهم. وبعثوا معه أبا رغال، حتى أنزله المغمس فلما أنزله به مات أبو رغال هناك، فرجمت قبره العرب؛ فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس، وفيه يقول الشاعر : وارجم قبره في كل عام ** كرجم الناس قبر أبي رغال فلما نزل أبرهة بالمغمس، بعث رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على خيل له، حتى انتهى إلى مكة فساق إليه أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم، وأصاب فيها مائتي بعير لعبدالمطلب بن هاشم، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها؛ فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم بقتاله؛ ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به، فتركوا ذلك. وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة، وقال له : سل عن سيد هذا البلد وشريفهم، ثم قل له : إن الملك يقول : إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لي بحرب، فلا حاجة لي بدمائكم؛ فإن هو لم يرد حربي فأتني به. فلما دخل حناطة مكة، سأل عن سيد قريش وشريفها؛ فقيل له : عبدالمطلب بن هاشم؛ فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة؛ فقال له عبدالمطلب : والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام، أو كما قال، فإن يمنعه منه فهو حرمه وبيته، وإن يحل بينه وبينه، فوالله ما عندنا دفع عنه. فقال له حناطة : فانطلق إليه، فإنه قد أمرني أن آتيه بك؛ فانطلق معه عبدالمطلب، ومعه بعض بنيه، حتى أتى العسكر؛ فسأل عن ذي نفر، وكان صديقا له، حتى دخل عليه وهو في محبسه، فقال له : يا ذا نفر، هل عندك من غناء فيما نزل بنا؟ فقال له ذو نفر؛ وما غناء رجل أسير بيدي ملك، ينتظر أن يقتله غدوا وعشيا ما عندي غناء في شيء مما نزل بك، إلا أن أنيسا سائس الفيل صديق لي، فسأرسل إليه، وأوصيه بك، وأعظم عليه حقك، واسأله أن يستأذن لك على الملك، فتكلمه بما بدا لك، ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك؛ فقال حسبي. فبعث ذو نفر إلى أنيس، فقال له : إن عبدالمطلب سيد قريش، وصاحب عين مكة، ويطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، وقد أصاب له الملك مائتي بعير، فاستأذن له عليه، وانفعه عنده بما استطعت؛ فقال : أفعل. فكلم أنيس أبرهة، فقال له : أيها الملك، هذا سيد قريش ببابك، يستأذن عليك، وهو صاحب عين مكة، يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال؛ فأذن له عليك، فيكلمك في حاجته. قال : فأذن له أبرهة. وكان عبدالمطلب أوسم الناس، وأعظمهم وأجملهم، فلما رآه أبرهة أجله، وأعظمه عن أن يجلسه تحته؛ فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه. ثم قال لترجمانه : قل له : حاجتك؟ فقال له ذلك الترجمان، فقال : حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي. فلما قال له ذلك، قال أبرهة لترجمانه : قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه؟ لا تكلمني فيه. قال له عبدالمطلب : إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه. قال : ما كان ليمتنع مني قال أنت وذاك. فرد عليه إبله. وانصرف عبدالمطلب إلى قريش، فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في شعف الجبال والشعاب، تخوفا عليهم معرة الجيش. ثم قام عبدالمطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش، يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبدالمطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة : لا هم إن العبد يمـ ** ـنع رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ** ومحالهم عدوا محالك إن يدخلوا البلد الحرا ** م فأمر ما بدا لك يقول : أي : شيء ما بدا لك، لم تكن تفعله بنا. والحلال : جمع حل. والمحال : القوة وقيل : إن عبدالمطلب لما أخذ بحلقة باب الكعبة قال : يا رب لا أرجو لهم سواكا ** يا رب فامنع منهم حماكا إن عدو البيت من عاداكا ** إنهم لن يقهروا قواكا وقال عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي : لا هم أخز الأسودين مقصود ** الأخذ الهجمة فيها التقليد بين حراء وثبير فالبيد ** يحبسها وهي أولات التطريد فضمها إلى طماطم سود ** قد أجمعوا ألا يكون معبود ويهدموا البيت الحرام المعمود ** والمروتين والمشاعر السود أخفره يا رب وأنت محمود قال ابن إسحاق : ثم أرسل عبدالمطلب حلقة باب الكعبة، ثم انطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال، فتحرزوا فيها، ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها. فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله، وعبأ جيشه، وكان اسم الفيل محمودا، وأبرهة مجمع لهدم البيت، ثم الانصراف إلى اليمن، فلما وجهوا الفيل إلى مكة، أقبل نفيل بن حبيب، حتى قام إلى جنب الفيل، ثم أخذ بأذنه فقال له : ابرك محمود، وارجع راشدا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام. ثم أرسل أذنه، فبرك الفيل. وخرج نفيل بن حبيب يشتد، حتى أصعد في الجبل. وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى؛ فأدخلوا محاجن لهم في مراقه، فبزغوه بها ليقوم، فأبى، فوجهوه راجعا إلى اليمن، فقام يهرول ووجهوه إلى الشام، ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق، ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك. وأرسل الله عليهم طيرا من البحر، أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار : حجر في منقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحمص والعدس، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك؛ وليس كلهم أصابت. وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي جاؤوا منها، ويسألون عن نفيل بن حبيب، ليدلهم على الطريق إلى اليمن. فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمه : أين المفر والإله الطالب ** والأشرم المغلوب ليس الغالب وقال أيضا : حمدت الله إذ أبصرت طيرا ** وخفت حجارة تلقى علينا فكل القوم يسأل عن نفيل ** كأن علي للحبشان دينا فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون بكل مهلك على كل سهل، وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة، كلما سقطت منه أنملة أتبعتها منه مدة تمث قيحا ودما؛ حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه؛ فيما يزعمون. وقال الكلبي ومقاتل بن سليمان - يزيد أحدهما وينقص - : سبب الفيل ما روي أن فتية من قريش خرجوا تجارا إلى أرض النجاشي، فنزلوا على ساحل البحر إلى بيعة للنصارى، تسميها النصاري الهيكل، فأوقدوا نارا لطعامهم وتركوها وارتحلوا؛ فهبت ريح عاصف على النار فأضرمت البيعة نارا، فاحترقت، فأتى الصريخ إلى النجاشي فأخبره، فاستشاط غضبا. فأتاه أبرهة بن الصباح وحجر بن شرحبيل وأبو يكسوم الكنديون؛ وضمنوا له إحراق الكعبة وسبي مكة. وكان النجاشي هو الملك، وأبرهة صاحب الجيش، وأبو يكسوم نديم الملك، وقيل وزير، وحجر بن شرحبيل من قواده، وقال مجاهد : أبو يكسوم هو أبرهة بن الصباح. فساروا ومعهم الفيل. قال الأكثرون : هو فيل واحد. وقال الضحاك : هي ثمانية فيلة. ونزلوا بذي المجاز، واستاقوا سرح مكة، وفيها إبل عبدالمطلب. وأتى الراعي نذيرا، فصعد الصفا، فصاح : واصباحاه ثم أخبر الناس بمجيء الجيش والفيل. فخرج عبدالمطلب، وتوجه إلى أبرهة، وسأله في إبله. واختلف في النجاشي، هل كان معهم؛ فقال قوم كان معهم. وقال الأكثرون : لم يكن معهم. ونظر أهل مكة بالطير قد أقبلت من ناحية البحر؛ فقال عبدالمطلب : إن هذه الطير غريبة بأرضنا، وما هي بنجدية ولا تهامية ولا حجازية وإنها أشباه اليعاسيب. وكان في مناقيرها وأرجلها حجارة؛ فلما أطلت على القوم ألقتها عليهم، حتى هلكوا. قال عطاء بن أبي رباح : جاءت الطير عشية؛ فباتت ثم صبحتهم بالغداة فرمتهم. وقال الكلبي : في مناقيرها حصى كحصى الخذف، أمام كل فرقة طائر يقودها، أحمر المنقار، أسود الرأس، طويل العنق. فلما جاءت عسكر القوم وتوافت، أهالت ما في مناقيرها على من تحتها، مكتوب على كل حجر اسم صاحبه المقتول به. وقيل : كان كل حجر مكتوب : من أطاع الله نجا، ومن عصاه غوى. ثم انصاعت راجعة من حيث جاءت. وقال العوفي : سألت عنها أبا سعيد الخدري، فقال : حمام مكة منها. وقيل : كان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها، ويقع في دماغه، ويخرق الفيل والدابة. ويغيب الحجر في الأرض من شدة وقعه. وكان أصحاب الفيل ستين ألفا، لم يرجع منهم إلا أميرهم، رجع ومعه شرذمة لطيفة. فلما أخبروا بما رأوا هلكوا. وقال الواقدي : أبرهة جد النجاشي الذي كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبرهة هو الأشرم، سمي بذلك لأنه تفاتن مع أرياط، حتى تزاحفا، ثم اتفقا على أن يلتقيا بشخصيهما، فمن غلب فله الأمر. فتبارزا - وكان أرياط جسيما عظيما، في يده حربة، وأبرهة قصيرا حادرا ذا دين في النصرانية، ومع أبرهة وزير له يقال له عتودة - فلما دنوا ضرب أرياط بحربته رأس أبرهة، فوقعت على جبينه، فشرمت عينه وأنفه وجبينه وشفته؛ فلذلك سمي الأشرم. وحمل عتودة على أرياط فقتله. فاجتمعت الحبشة لأبرهة؛ فغضب النجاشي، وحلف ليحزن ناصية أبرهة، ويطأن بلاده. فجز أبرهة ناصيته وملأ مزودا من تراب أرضه، وبعث بهما إلى النجاشي، وقال : إنما كان عبدك، وأنا عبدك، وأنا أقوم بأمر الحبشة، وقد جززت ناصيتي، وبعثت إليك بتراب أرضي، لتطأه وتبر في يمينك؛ فرضي عنه النجاشي. ثم بنى أبرهة كنيسة بصنعاء، ليصرف إليها حج العرب؛ على ما تقدم. الرابعة: قال مقاتل : كان عام الفيل قبل مولد النبي صلى الله عليه بأربعين سنة. وقال الكلبي وعبيد بن عمير : كان قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث وعشرين سنة. والصحيح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ولدت عام الفيل). وروي عنه أنه قال : (يوم الفيل). حكاه الماوردي في التفسير له. وقال في كتاب أعلام النبوة : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وكان بعد الفيل بخمسين يوما. ووافق من شهور الروم العشرين من أسباط، في السنة الثانية عشرة من ملك هرمز بن أنوشروان. قال : وحكى أبو جعفر الطبري أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان لاثنتين وأربعين سنة من ملك أنوشروان. وقد قيل : إنه عليه السلام حملت به أمه آمنة في يوم عاشوراء من المحرم، وولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان؛ فكانت مدة حمله ثمانية أشهر كملا ويومين من التاسع. وقيل : إنه ولد يوم عاشوراء من شهر المحرم؛ حكاه ابن شاهين أبو حفص، في فضائل يوم عاشوراء له. ابن العربي : قال ابن وهب عن مالك : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وقال قيس بن مخرمة : ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل. وقد روى الناس عن مالك أنه قال : من مروءة الرجل ألا يخبر بسنه؛ لأنه إن كان صغيرا استحقروه وإن كان كبيرا استهرموه. وهذا قول ضعيف؛ لأن مالكا لا يخبر بسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكتم سنه؛ وهو من أعظم العلماء قدوة به. فلا بأس بأن يخبر الرجل بسنه كان كبيرا أو صغيرا. وقال عبدالملك بن مروان لعتاب بن أسيد : أنت أكبر أم النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال : النبي صلى الله عليه وسلم أكبر مني، وأنا أسن منه؛ ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وأنا أدركت سائسه وقائده أعميين مقعدين يستطعمان الناس، وقيل لبعض القضاة : كم سنك؟ قال : سن عتاب بن أسيد حين ولاه النبي صلى الله عليه وسلم مكة، وكان سنه يومئذ دون العشرين. الخامسة: قال علماؤنا : كانت قصة الفيل فيما بعد من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت قبله وقبل التحدي؛ لأنها كانت توكيدا لأمره، وتمهيدا لشأنه. ولما تلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه السورة، كان بمكة عدد كثير ممن شهد تلك الوقعة؛ ولهذا قال {ألم تر} ولم يكن بمكة أحد إلا وقد رأى قائد الفيل وسائقه أعميين يتكففان الناس. وقالت عائشة رضي الله عنها مع حداثة سنها : لقد رأيت قائد الفيل وسائقه أعميين يستطعمان الناس. وقال أبو صالح : رأيت في بيت أم هانئ بنت أبي طالب نحوا من قفيزين من تلك الحجارة، سودا مخططة بحمرة.

التفسير الميسّر:

ألم تعلم -أيها الرسول- كيف فعل ربك بأصحاب الفيل: أبرهة الحبشي وجيشه الذين أرادوا تدمير الكعبة المباركة؟

تفسير السعدي

أي: أما رأيت من قدرة الله وعظيم شأنه، ورحمته بعباده، وأدلة توحيده، وصدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ما فعله الله بأصحاب الفيل، الذين كادوا بيته الحرام وأرادوا إخرابه، فتجهزوا لأجل ذلك، واستصحبوا معهم الفيلة لهدمه، وجاءوا بجمع لا قبل للعرب به، من الحبشة واليمن، فلما انتهوا إلى قرب مكة، ولم يكن بالعرب مدافعة، وخرج أهل مكة من مكة خوفًا على أنفسهم منهم.


تفسير البغوي

مكية

( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) ؟ وكانت قصة أصحاب الفيل - على ما ذكره محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس وذكره الواقدي - :

أن النجاشي ملك الحبشة كان قد بعث " أرياط " إلى أرض اليمن فغلب عليها ، فقام رجل من الحبشة ، يقال له : " أبرهة بن الصباح " [ أبو يكسوم ] ، ، فساخط " أرياط " في أمر الحبشة ، حتى انصدعوا صدعين ، وكانت طائفة مع أرياط ، وطائفة مع أبرهة ، فتزاحفا فقتل أبرهة ، أرياط ، واجتمعت الحبشة لأبرهة ، وغلب على اليمن وأقره النجاشي ، على عمله .

ثم إن أبرهة رأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة لحج بيت الله ، فبنى كنيسة بصنعاء وكتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك بصنعاء كنيسة لم يبن لملك مثلها ، ولست منتهيا حتى أصرف إليها حج العرب ، فسمع به رجل من بني مالك بن كنانة [ فخرج إليها مستخفيا ] فدخلها ليلا فقعد فيها وتغوط بها ، ولطخ بالعذرة قبلتها ، فبلغ ذلك أبرهة فقال : من اجترأ علي ولطخ كنيستي بالعذرة ؟ فقيل له : صنع ذلك رجل من العرب من أهل ذلك البيت سمع بالذي قلت ، فحلف أبرهة عند ذلك : ليسيرن إلى الكعبة حتى يهدمها ، فكتب إلى النجاشي يخبره بذلك وسأله أن يبعث إليه بفيله ، وكان له فيل يقال له محمود ، وكان فيلا لم ير مثله عظما وجسما وقوة ، فبعث به إليه ، فخرج أبرهة من الحبشة سائرا إلى مكة ، وخرج معه الفيل ، فسمعت العرب بذلك فأعظموه ورأوا جهاده حقا عليهم ، فخرج ملك من ملوك اليمن ، يقال له : ذو نفر ، بمن أطاعه من قومه ، فقاتله فهزمه أبرهة وأخذ ذا نفر ، فقال : أيها الملك لا تقتلني فإن استبقائي خير لك من قتلي ، فاستحياه وأوثقه . وكان أبرهة رجلا حليما .

ثم سار حتى إذا دنا من بلاد خثعم ، خرج نفيل بن حبيب الخثعمي في خثعم ومن اجتمع إليه من قبائل اليمن ، فقاتلوه فهزمهم وأخذ نفيلا فقال نفيل : أيها الملك إني دليل بأرض العرب ، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة ، فاستبقاه ، وخرج معه يدله حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف فقال : أيها الملك نحن عبيدك ، ليس لك عندنا خلاف ، وإنما تريد البيت الذي بمكة ، نحن نبعث معك من يدلك عليه ، فبعثوا معه أبا رغال ، مولى لهم ، فخرج حتى إذا كان [ بالمغمس ] مات أبو رغال وهو الذي يرجم قبره ، وبعث أبرهة من المغمس رجلا من الحبشة ، يقال له : الأسود بن مسعود ، على مقدمة خيله ، وأمره بالغارة على نعم الناس ، فجمع الأسود إليه أموال الحرم ، وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير .

ثم إن أبرهة بعث حباطة الحميري إلى أهل مكة ، وقال : سل عن شريفها ثم أبلغه ما أرسلك به إليه ، أخبره أني لم آت لقتال ، إنما جئت لأهدم هذا البيت . فانطلق حتى دخل مكة فلقي عبد المطلب بن هاشم ، فقال : إن الملك أرسلني إليك لأخبرك أنه لم يأت لقتال إلا أن تقاتلوه ، إنما جاء لهدم هذا البيت ثم الانصراف عنكم .

فقال عبد المطلب : ما له عندنا قتال ولا لنا به يد إلا أن نخلي بينه وبين ما جاء له ، فإن هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم - عليه السلام - ، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه ، وإن يخل بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به قوة .

قال : فانطلق معي إلى الملك ، فزعم بعض العلماء أنه أردفه على بغلة كان عليها وركب معه بعض بنيه حتى قدم المعسكر ، وكان ذو نفر صديقا لعبد المطلب فأتاه فقال : يا ذا نفر ، هل عندك من [ غناء ] فيما نزل بنا ؟ فقال : ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل بكرة أو عشيا ، ولكن سأبعث إلى أنيس ، سائس الفيل ، فإنه لي صديق فأسأله أن يصنع لك عند الملك ما استطاع من خير ويعظم خطرك ومنزلتك عنده ، قال : فأرسل إلى أنيس فأتاه فقال له : إن هذا سيد قريش صاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال ، وقد أصاب له الملك مائتي بعير ، فإن استطعت أن تنفعه عنده فانفعه فإنه صديق لي ، أحب ، ما وصل إليه من الخير ، فدخل أنيس على أبرهة فقال : أيها الملك هذا سيد قريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال ، يستأذن إليك وأنا أحب أن تأذن له فيكلمك ، وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف عليك ، فأذن له ، وكان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما ، فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه ، وكره أن يجلس معه على السرير وأن يجلس تحته ، فهبط إلى البساط فجلس عليه ثم دعاه فأجلسه معه ، ثم قال لترجمانه قل له : ما حاجتك إلى الملك ؟ فقال له الترجمان ذلك ، فقال عبد المطلب : حاجتي إلى الملك أن يرد علي مائتي بعير أصابها لي ، فقال أبرهة لترجمانه قل له : لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ، وقد زهدت فيك ، قال [ عبد المطلب ] : لم ؟ قال : جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك وهو شرفكم وعصمتكم لأهدمه لم تكلمني فيه وتكلمني في مائتي بعير أصبتها ؟ قال عبد المطلب : أنا رب هذه الإبل وإن لهذا البيت ربا سيمنعه ، قال ما كان ليمنعه مني ، قال فأنت وذاك ، فأمر بإبله فردت عليه .

فلما ردت الإبل إلى عبد المطلب خرج فأخبر قريشا الخبر ، وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ويتحرزوا في رءوس الجبال ، تخوفا عليهم من معرة الجيش ، ففعلوا ، وأتى عبد المطلب الكعبة ، وأخذ بحلقة الباب وجعل يقول :

يا رب لا أرجو لهم سواكا يا رب فامنع منهم حماكا إن عدو البيت من عاداكا

امنعهم أن يخربوا قراكا

وقال أيضا :

لا هم إن العبد يمنع رحله فامنع حلالك

لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك

جروا جموع بلادهم والفيل كي يسبوا عيالك

عمدوا حماك بكيدهم جهلا وما رقبوا جلالك

إن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدا لك

فلم أسمع بأرجس من رجال أرادوا الغزو ينتهكوا حرامك

ثم ترك عبد المطلب الحلقة وتوجه في بعض تلك الوجوه مع قومه ، وأصبح أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول وعبأ جيشه وهيأ فيله ، وكان فيلا لم ير مثله في العظم والقوة ويقال كان معه اثنا عشر فيلا .

فأقبل نفيل إلى الفيل الأعظم ثم أخذ بأذنه فقال : ابرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت [ فإنك ] في بلد الله الحرام ، فبرك الفيل فبعثوه فأبى ، فضربوه بالمعول في رأسه فأبى ، فأدخلوا محاجنهم تحت مراقه ومرافقه فنزعوه ليقوم فأبى ، فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول ، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، فصرفوه إلى الحرم فبرك وأبى أن يقوم .

وخرج نفيل يشتد حتى [ صعد ] في الجبل ، وأرسل الله عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف مع كل [ طائر ] منها ثلاثة أحجار : حجران في رجليه ، وحجر في منقاره ، أمثال الحمص والعدس ، فلما غشين القوم أرسلنها عليهم فلم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك ، وليس كل القوم أصابت وخرجوا هاربين لا يهتدون إلى الطريق الذي جاءوا منه ، يتساءلون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن ، ونفيل ينظر إليهم من بعض تلك الجبال ، فصرخ القوم وماج بعضهم في بعض يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل [ مهلك ] .

وبعث الله على أبرهة داء في جسده فجعل يتساقط أنامله كلما سقطت أنملة اتبعتها [ مدة من قيح ودم ] ، فانتهى إلى صنعاء وهو مثل فرخ الطير فيمن بقي من أصحابه ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك .

قال الواقدي : وأما محمود ، فيل النجاشي ، فربض ولم [ يسر ] على الحرم فنجا ، والفيل الآخر شجع فحصب .

وزعم مقاتل بن سليمان أن السبب الذي جرأ أصحاب الفيل : أن فتية من قريش خرجوا تجارا إلى أرض النجاشي فدنوا من ساحل البحر وثم بيعة للنصارى تسميها قريش " الهيكل " ، فنزلوا فأججوا نارا واشتووا فلما ارتحلوا تركوا النار كما هي في يوم عاصف فعجت الريح فاضطرم الهيكل نارا فانطلق الصريخ إلى النجاشي فأسف غضبا للبيعة ، فبعث أبرهة لهدم الكعبة .

وقال فيه : إنه كان بمكة يومئذ أبو مسعود الثقفي وكان مكفوف البصر يصيف بالطائف ويشتو بمكة ; وكان رجلا نبيها نبيلا تستقيم الأمور برأيه ، وكان خليلا لعبد المطلب ، فقال له عبد المطلب : ماذا عندك هذا يوم لا يستغنى فيه عن رأيك ؟ فقال أبو مسعود : اصعد بنا إلى حراء فصعد الجبل ، فقال أبو مسعود لعبد المطلب : اعمد إلى مائة من الإبل فاجعلها لله وقلدها نعلا ثم أرسلها في الحرم لعل بعض هذه السودان يعقر منها شيئا ، فيغضب رب هذا البيت فيأخذهم ، ففعل ذلك عبد المطلب فعمد القوم إلى تلك الإبل فحملوا عليها وعقروا بعضها وجعل عبد المطلب يدعو ، فقال أبو مسعود : إن لهذا البيت ربا يمنعه ، فقد نزل تبع ، ملك اليمن صحن هذا البيت وأراد هدمه فمنعه الله وابتلاه ، وأظلم عليه ثلاثة أيام ، فلما رأى تبع ذلك كساه القباطي البيض ، وعظمه ونحر له جزورا .

[ ثم قال أبو مسعود ] فانظر نحو البحر ، فنظر عبد المطلب فقال : أرى طيرا بيضاء نشأت من شاطئ البحر ، فقال : ارمقها ببصرك أين قرارها ؟ قال أراها قد دارت على رءوسنا ، قال : فهل تعرفها ؟ قال : فوالله ما أعرفها ما هي بنجدية ولا تهامية ولا غربية ولا شامية ، قال : ما قدها ؟ قال : أشباه [ اليعاسيب ] ، في منقارها حصى كأنها حصى الحذف ، قد أقبلت كالليل يكسع بعضها بعضا ، أمام كل رفقة طير يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق ، فجاءت حتى إذا حاذت بعسكر القوم [ وكدت ] فوق رءوسهم ، فلما توافت الرجال كلها أهالت الطير ما في مناقيرها على من تحتها ، مكتوب في كل حجر اسم صاحبه ، ثم إنها انصاعت راجعة من حيث جاءت ، فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل فمشيا ربوة فلم يؤنسا أحدا ثم دنوا ربوة فلم يسمعا حسا فقالا بات القوم [ ساهرين ] ، فأصبحوا نياما ، فلما دنوا من عسكر القوم فإذا هم خامدون ، وكان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها حتى يقع في دماغه ويخرق الفيل والدابة ويغيب الحجر في الأرض من شدة وقعه ، فعمد عبد المطلب فأخذ فأسا من فؤوسهم فحفر حتى أعمق في الأرض فملأه من أموالهم ، من الذهب الأحمر والجوهر ، وحفر لصاحبه حفرة فملأها كذلك ، ثم قال لأبي مسعود : هات فاختر إن شئت حفرتي وإن شئت حفرتك ، وإن شئت فهما لك معا ، قال أبو مسعود : اختر لي على نفسك ، فقال عبد المطلب إني لم آل أن أجعل أجود المتاع في حفرتي فهو لك ، وجلس كل واحد منهما على حفرته ، ونادى عبد المطلب في الناس ، فتراجعوا وأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا ، وساد عبد المطلب بذلك قريشا وأعطته المقادة ، فلم يزل عبد المطلب وأبو مسعود في أهليهما في غنى من ذلك المال ، ودفع الله عن كعبته وبيته .

واختلفوا في تاريخ عام الفيل ; فقال مقاتل : كان قبل مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأربعين سنة .

وقال الكلبي : بثلاث وعشرين سنة .

والأكثرون على أنه كان في العام الذي ولد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

قوله - عز وجل - : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) ؟ قال مقاتل : كان معهم فيل واحد . وقال الضحاك : كانت الفيلة ثمانية . وقيل اثنا عشر ، سوى الفيل الأعظم ، وإنما وحد لأنه نسبهم إلى الفيل الأعظم . وقيل : لوفاق رءوس الآي .


الإعراب:

(أَلَمْ تَرَ) الهمزة حرف استفهام تقريري ومضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره والفاعل مستتر (كَيْفَ) اسم استفهام مفعول مطلق (فَعَلَ رَبُّكَ) ماض وفاعله والجملة سدت مسد مفعولي ترى (بِأَصْحابِ) متعلقان بالفعل (الْفِيلِ) مضاف إليه.

---

Traslation and Transliteration:

Alam tara kayfa faAAala rabbuka biashabi alfeeli

بيانات السورة

اسم السورة سورة الفيل (Al-Fil - The Elephant)
ترتيبها 105
عدد آياتها 5
عدد كلماتها 23
عدد حروفها 96
معنى اسمها (الْفِيلُ): الْحَيَوانُ الْمَعْرُوفُ، وَجَمْعُهُ أَفْيَالٌ وَفِيَلَةٌ
سبب تسميتها لِأَنَّ الْفِيلَ رَمَزَ إِلَى أَقْوَى وَسِيلَةٍ فِي هَدْمِ الْكَعْبَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ فَسُمِّيَتْ بِهِ
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الْفِيلِ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ: ﴿أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ﴾
مقاصدها إِظْهَارُ قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى فِي حِمَايَةِ الْبَيتِ الْحَرَامِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آيَاتِهَا
فضلها مِنَ الْنَّظَائِرِ الَّتِي تَعَلَّمَهَا الصَّحَابَةُ y فِي الصَّلاةِ، فَعَنِ الْمَعْرُورِ بنِ سُوَيدٍ رضي الله عنه قال: «خَرَجْنَا مَعَ عُمَرَ رضي الله عنه فِي حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَقَرَأَ بِنَا فِي الْفَجْرِ: ﴿أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ﴾ و ﴿لإِيلافِ قُرَيْشٍ﴾. (أَثَرٌ صَحِيحٌ، تَحْذِيرُ الْمَسَاجِدِ لِلْأَلْبَانِيِّ)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ سُوْرَةِ (الفِيْلِ) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُوْرَةِ (الهُمَزَةِ):لَمَّا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى فِي (الْهُمَزَةِ) أَصْنَافًا مِنْ أَهْلِ الْخُسْرَانِ، تَابَعَ الْحَدِيثَ بِذِكْرِ صِنْفٍ آخَرَ فِي سُورَةِ (الْفِيلِ)
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!