موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة البقرة: [الآية 61]

سورة البقرة
وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَٰحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلْأَرْضُ مِنۢ بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِى هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِى هُوَ خَيْرٌ ۚ ٱهْبِطُوا۟ مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا۟ يَكْفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّۦنَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ يَعْتَدُونَ ﴿61﴾

تفسير الجلالين:

«وإذا قلتم يا موسى لن نصبر على طعام» أي نوع منه «واحد» وهو المن والسلوى «فادع لنا ربَّك يُخرج لنا» شيئاً «مما تنبت الأرض من» للبيان «بقلها وقثائها وفومها» حنطتها «وعدسها وبصلها قال» لهم موسى «أتستبدلون الذي هو أدنى» أخس «بالذي هو خير» أشرف أي أتأخذونه بدله، والهمزة للإنكار فأبوا أن يرجعوا فدعا الله تعالى فقال تعالى «اهبطوا» انزلوا «مصراً» من الأمصار «فإن لكم» فيه «ما سألتم» من النبات «وضُربت» جعلت «عليهم الذلة» الذل والهوان «والمسكنة» أي أثر الفقر من السكون والخزي فهي لازمة لهم، وإن كانوا أغنياء لزوم الدرهم المضروب لسكته «وباءُوا» رجعوا «بغضب من الله ذلك» أي الضرب والغضب «بأنهم» أي بسبب أنهم «كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين» كزكريا ويحيى «بغير الحق» أي ظلماً «ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» يتجاوزون الحد في المعاصي وكرره للتأكيد.

تفسير الشيخ محي الدين:

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)

أصل التكاليف مشتق من الكلف وهي المشقات «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» وهو ما آتاها من التمكن الذي هو وسعها ، فقد خلق سبحانه لنا التمكن من فعل بعض الأعمال ، نجد ذلك من نفوسنا ولا ننكره ، وهي الحركة الاختيارية ، كما جعل سبحانه فينا المانع من بعض الأفعال الظاهرة فينا ، ونجد ذلك من نفوسنا ، كحركة المرتعش الذي لا اختيار للمرتعش فيها ، وبذلك القدر من التمكن الذي يجده الإنسان في نفسه صح أن يكون مكلفا ، ولا يحقق الإنسان بعقله لما ذا يرجع ذلك التمكن ، هل لكونه قادرا أو لكونه مختارا ؟ وإن كان مجبورا في اختياره ، ولا يمكن رفع الخلاف في هذه المسألة ، فإنها من المسائل المعقولة ولا يعرف الحق فيها إلا بالكشف ، وإذا بذلت النفس الوسع في طاعة اللّه لم يقم عليها حجة ،

فإن اللّه أجلّ أن يكلف نفسا إلا وسعها ، ولذلك كان الاجتهاد في الفروع والأصول «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» لما كانت النفوس ولاة الحق على الجوارح ، والجوارح مأمورة مجبورة غير مختارة فيما تصرف فيه ، مطيعة بكل وجه ، والنفوس ليست كذلك ، فإذا عملت لغير عبادة لا يقبل العمل من حيث القاصد لوقوعه الذي هو النفس المكلفة ، لكن من حيث أن العمل صدر من الجوارح أو من جارحة مخصوصة ، فإنها تجزى به تلك الجارحة ، فيقبل العمل لمن ظهر منه ولا يعود منه على النفس الآمرة به للجوارح شيء إذا كان العمل خيرا بالصورة كصلاة المرائي والمنافق وجميع ما يظهر على جوارحه من أفعال الخير الذي لم تقصد به النفس عبادة ، وأما أعمال الشر المنهي عنها فإن النفس تجزى بها للقصد ، والجوارح لا تجزى بها لأنها ليس في قوتها الامتناع عما تريد النفوس بها من الحركات ، فإنها مجبورة على السمع والطاعة لها ، فإن جارت النفوس فعليها ، وللجوارح رفع الحرج ، بل لهم الخير الأتم ، وإن عدلت النفوس فلها وللجوارح ، لذلك قال تعالى : «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فميز اللّه بين الكسب والاكتساب باللام وعلى ، وهذه الآية بشرى من اللّه حيث جعل المخالفة اكتسابا والطاعة كسبا ، فقال : «لَها ما كَسَبَتْ» فأوجبه لها .

وقال في المعصية والمخالفة : «وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فما أوجب لها الأخذ بما اكتسبته ، فالاكتساب ما هو حق لها فتستحقه ، فتستحق الكسب ولا تستحق الاكتساب ، والحق لا يعامل إلا بالاستحقاق ، والعفو من اللّه يحكم على الأخذ بالجريمة «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» اعلم أن الرحمة أبطنها اللّه في النسيان الموجود في العالم ، وأنه لو لم يكن لعظم الأمر وشق ، وفيما يقع فيه التذكر كفاية ، وأصل هذا وضع الحجاب بين العالم وبين اللّه في موطن التكليف ، إذ كانت المعاصي والمخالفات مقدرة في علم اللّه فلا بد من وقوعها من العبد ضرورة ، فلو وقعت مع التجلي والكشف لكان مبالغة في قلة الحياء من اللّه حيث يشهده ويراه ، والقدر حاكم بالوقوع فاحتجب رحمة بالخلق لعظيم المصاب ، قال صلّى اللّه عليه وسلم:

إن اللّه إذا أراد نفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم ، حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا ، وقال صلّى اللّه عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، فلا يؤاخذهم اللّه به في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما في الآخرة فمجمع عليه من الكل ، وأما في الدنيا فأجمعوا على رفع الذنب ، واختلفوا في الحكم ، وكذلك في الخطأ على قدر ما شرع الشارع في

أشخاص المسائل ، مثل الإفطار ناسيا في رمضان وغير ذلك من المسائل ، فإن اللّه تعالى الذي شرع المعصية والطاعة وبيّن حكمهما ، رفع حكم الأخذ بالمعصية في حق الناسي والمخطئ «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» وهذا تعليم من الحق لنا أن نسأله في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال ، «وَاعْفُ عَنَّا» أي كثر خيرك لنا وقلل بلاءك عنا ، أي قلل ما ينبغي أن يقلل وكثر ما ينبغي أن يكثر ، فإن العفو من الأضداد يطلق بإزاء الكثرة والقلة ، وليس إلا عفوك عن خطايانا التي طلبنا منك أن تسترنا عنها حتى لا تصيبنا ، وهو قولنا : «وَاغْفِرْ لَنا» أي استرنا من المخالفات حتى لا تعرف مكاننا فتقصدنا «وَارْحَمْنا» برحمة الامتنان ورحمة الوجوب ، أي برحمة الاختصاص.

------------

(286) التنزلات الموصلية - الفتوحات ج 1 / 341 - ج 2 / 381 - ج 3 / 348 ، 123 ، 511 - ج 2 / 535 ، 684 - ج 3 / 381 - ج 1 / 435 ، 434

تفسير ابن كثير:

يقول تعالى : واذكروا نعمتي عليكم في إنزالي عليكم المن والسلوى ، طعاما طيبا نافعا هنيئا سهلا واذكروا دبركم وضجركم مما رزقتكم وسؤالكم موسى استبدال ذلك بالأطعمة الدنية من البقول ونحوها مما سألتم . وقال الحسن البصري رحمه الله : فبطروا ذلك ولم يصبروا عليه ، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه ، وكانوا قوما أهل أعداس وبصل وبقل وفوم ، فقالوا : ( يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها ) [ وهم يأكلون المن والسلوى ، لأنه لا يتبدل ولا يتغير كل يوم فهو كأكل واحد ] . فالبقول والقثاء والعدس والبصل كلها معروفة . وأما الفوم فقد اختلف السلف في معناه فوقع في قراءة ابن مسعود وثومها بالثاء ، وكذلك فسره مجاهد في رواية ليث بن أبي سليم ، عنه ، بالثوم . وكذا الربيع بن أنس ، وسعيد بن جبير .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن رافع ، حدثنا أبو عمارة يعقوب بن إسحاق البصري ، عن يونس ، عن الحسن ، في قوله : ( وفومها ) قال : قال ابن عباس : الثوم .

قالوا : وفي اللغة القديمة : فوموا لنا بمعنى : اختبزوا . وقال ابن جرير : فإن كان ذلك صحيحا ، فإنه من الحروف المبدلة كقولهم : وقعوا في عاثور شر ، وعافور شر ، وأثافي وأثاثي ، ومغافير ومغاثير . وأشباه ذلك مما تقلب الفاء ثاء والثاء فاء لتقارب مخرجيهما ، والله أعلم .

وقال آخرون : الفوم الحنطة ، وهو البر الذي يعمل منه الخبز .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أنبأنا ابن وهب قراءة ، حدثني نافع بن أبي نعيم : أن ابن عباس سئل عن قول الله : ( وفومها ) ما فومها ؟ قال : الحنطة . قال ابن عباس : أما سمعت قول أحيحة بن الجلاح وهو يقول :

قد كنت أغنى الناس شخصا واحدا ورد المدينة عن زراعة فوم

وقال ابن جرير : حدثنا علي بن الحسن ، حدثنا مسلم الجرمي ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن رشدين بن كريب ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قول الله تعالى : ( وفومها ) قال : الفوم الحنطة بلسان بني هاشم .

وكذا قال علي بن أبي طلحة ، والضحاك وعكرمة عن ابن عباس أن الفوم : الحنطة .

وقال سفيان الثوري ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وعطاء : ( وفومها ) قالا وخبزها .

وقال هشيم عن يونس ، عن الحسن ، وحصين ، عن أبي مالك : ( وفومها ) قال : الحنطة .

وهو قول عكرمة ، والسدي ، والحسن البصري ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم ، والله أعلم .

[ وقال الجوهري : الفوم : الحنطة . وقال ابن دريد : الفوم : السنبلة ، وحكى القرطبي عن عطاء وقتادة أن الفوم كل حب يختبز . قال : وقال بعضهم : هو الحمص لغة شامية ، ومنه يقال لبائعه : فامي مغير عن فومي ] .

وقال البخاري : وقال بعضهم : الحبوب التي تؤكل كلها فوم .

وقوله تعالى : ( قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) فيه تقريع لهم وتوبيخ على ما سألوا من هذه الأطعمة الدنية مع ما هم فيه من العيش الرغيد ، والطعام الهنيء الطيب النافع .

وقوله : ( اهبطوا مصرا ) هكذا هو منون مصروف مكتوب بالألف في المصاحف الأئمة العثمانية ، وهو قراءة الجمهور بالصرف .

قال ابن جرير : ولا أستجيز القراءة بغير ذلك ؛ لإجماع المصاحف على ذلك .

وقال ابن عباس : ( اهبطوا مصرا ) قال : مصرا من الأمصار ، رواه ابن أبي حاتم ، من حديث أبي سعيد البقال سعيد بن المرزبان ، عن عكرمة ، عنه .

قال : وروي عن السدي ، وقتادة ، والربيع بن أنس نحو ذلك .

وقال ابن جرير : وقع في قراءة أبي بن كعب وابن مسعود : اهبطوا مصر من غير إجراء يعني من غير صرف . ثم روى عن أبي العالية ، والربيع بن أنس أنهما فسرا ذلك بمصر فرعون .

وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي العالية ، وعن الأعمش أيضا .

وقال ابن جرير : ويحتمل أن يكون المراد مصر فرعون على قراءة الإجراء أيضا . ويكون ذلك من باب الاتباع لكتابة المصحف ، كما في قوله تعالى : ( قواريرا قواريرا ) [ الإنسان : 15 ، 16 ] . ثم توقف في المراد ما هو ؟ أمصر فرعون أم مصر من الأمصار ؟

وهذا الذي قاله فيه نظر ، والحق أن المراد مصر من الأمصار كما روي عن ابن عباس وغيره ، والمعنى على ذلك لأن موسى ، عليه السلام يقول لهم : هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز ، بل هو كثير في أي بلد دخلتموه وجدتموه ، فليس يساوي مع دناءته وكثرته في الأمصار أن أسأل الله فيه ؛ ولهذا قال : ( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ) أي : ما طلبتم ، ولما كان سؤالهم هذا من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه ، لم يجابوا إليه ، والله أعلم

يقول تعالى : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) أي : وضعت عليهم وألزموا بها شرعا وقدرا ، أي : لا يزالون مستذلين ، من وجدهم استذلهم وأهانهم ، وضرب عليهم الصغار ، وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء متمسكنون .

قال الضحاك عن ابن عباس في قوله : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) قال : هم أصحاب النيالات يعني أصحاب الجزية .

وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الحسن وقتادة ، في قوله تعالى : ( وضربت عليهم ) قال : يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون ، وقال الضحاك : ( وضربت عليهم الذلة ) قال : الذل . وقال الحسن : أذلهم الله فلا منعة لهم ، وجعلهم الله تحت أقدام المسلمين . ولقد أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجبيهم الجزية .

وقال أبو العالية والربيع بن أنس والسدي : المسكنة : الفاقة . وقال عطية العوفي : الخراج . وقال الضحاك : الجزية .

وقوله تعالى : ( وباءوا بغضب من الله ) قال الضحاك : استحقوا الغضب من الله ، وقال الربيع بن أنس : فحدث عليهم غضب من الله . وقال سعيد بن جبير : ( وباءوا بغضب من الله ) يقول : استوجبوا سخطا ، وقال ابن جرير : يعني بقوله : ( وباءوا بغضب من الله ) انصرفوا ورجعوا ، ولا يقال : باءوا إلا موصولا إما بخير وإما بشر ، يقال منه : باء فلان بذنبه يبوء به بوءا وبواء . ومنه قوله تعالى : ( إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ) [ المائدة : 29 ] يعني : تنصرف متحملهما وترجع بهما ، قد صارا عليك دوني . فمعنى الكلام إذا : فرجعوا منصرفين متحملين غضب الله ، قد صار عليهم من الله غضب ، ووجب عليهم من الله سخط .

وقوله تعالى : ( ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ) يقول تعالى :

هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة ، وإحلال الغضب بهم بسبب استكبارهم عن اتباع الحق ، وكفرهم بآيات الله ، وإهانتهم حملة الشرع وهم الأنبياء وأتباعهم ، فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم ، فلا كبر أعظم من هذا ، إنهم كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياء الله بغير الحق ؛ ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الكبر بطر الحق ، وغمط الناس .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، عن ابن عون ، عن عمرو بن سعيد ، عن حميد بن عبد الرحمن ، قال : قال ابن مسعود : كنت لا أحجب عن النجوى ، ولا عن كذا ولا عن كذا قال : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده مالك بن مرارة الرهاوي ، فأدركته من آخر حديثه ، وهو يقول : يا رسول الله ، قد قسم لي من الجمال ما ترى ، فما أحب أن أحدا من الناس فضلني بشراكين فما فوقهما أفليس ذلك هو البغي ؟ فقال : لا ليس ذلك من البغي ، ولكن البغي من بطر - أو قال : سفه الحق - وغمط الناس . يعني : رد الحق وانتقاص الناس ، والازدراء بهم والتعاظم عليهم . ولهذا لما ارتكب بنو إسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات الله وقتل أنبيائهم ، أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد ، وكساهم ذلا في الدنيا موصولا بذل الآخرة جزاء وفاقا .

قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة نبي ، ثم يقيمون سوق بقلهم في آخر النهار .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبان ، حدثنا عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله - يعني ابن مسعود - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي ، أو قتل نبيا ، وإمام ضلالة وممثل من الممثلين .

وقوله تعالى : ( ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) وهذه علة أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به ، أنهم كانوا يعصون ويعتدون ، فالعصيان فعل المناهي ، والاعتداء المجاوزة في حد المأذون فيه أو المأمور به . والله أعلم .


تفسير الطبري :

قوله تعالى{وإذ قلتم يا موسى لن نصبر} كان هذا القول منهم في التيه حين ملوا المن والسلوى وتذكروا عيشهم الأول بمصر قال الحسن : كانوا نتانى أهل كراث وأبصال وأعداس فنزعوا إلى عكرهم عكر السوء واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عليه عادتهم فقالوا : لن نصبر على طعام واحد وكنوا عن المن والسلوى بطعام واحد وهما اثنان لأنهم كانوا يأكلون أحدهما بالآخر فلذلك قالوا طعام واحد وقيل لتكرارهما : في كل يوم غذاء كما تقول لمن يداوم على الصوم والصلاة والقراءة : هو على أمر واحد لملازمته لذلك. وقيل : المعنى لن نصبر على الغنى فيكون جميعنا أغنياء فلا يقدر بعضنا على الاستعانة ببعض لاستغناء كل واحد منا بنفسه وكذلك كانوا فهم أول من اتخذ العبيد والخدم. قوله تعالى{على طعام واحد} الطعام يطلق على ما يطعم ويشرب قال الله تعالى {ومن لم يطعمه فإنه مني} وقال{ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا}[المائدة : 93] أي ما شربوه من الخمر على ما يأتي بيانه. وإن كان السلوى العسل - كما حكى المؤرج - فهو مشروب أيضا. وربما خص بالطعام البر والتمر كما في حديث أبي سعيد الخدري قال : كنا نخرج صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من شعير الحديث. والعرف جار بأن القائل : ذهبت إلى سوق الطعام فليس يفهم منه إلا موضع به دون غيره مما يؤكل أو يشرب والطعم بالفتح هو ما يؤديه الذوق يقال : طعمه مر. والطعم أيضا : ما يشتهى منه يقال : ليس له طعم. وما فلان بذي طعم : إذا كان غثا. والطعم بالضم الطعام قال أبو خراش : أرد شجاع البطن لو تعلمينه ** وأوثر غيري من عيالك بالطعم وأغتبق الماء القراح فأنتهي ** إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم أراد بالأول الطعام وبالثاني ما يشتهى. منه وقد طعم يطعم فهو طاعم إذا أكل وذاق ومنه قوله تعالى {ومن لم يطعمه فإنه مني} [البقرة : 249] أي من لم يذقه. وقال{فإذا طعمتم فانتشروا} [الأحزاب : 53] أي أكلتم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمزم : (إنها طعام طعم وشفاء سقم) واستطعمني فلان الحديث إذا أراد أن تحدثه. وفي الحديث : (إذا استطعمكم الإمام فأطعموه) يقول : إذا استفتح فافتحوا عليه وفلان ما يطعم النوم إلا قائما. وقال الشاعر : نعاما بوجرة صفر الخدو ** د ما تطعم النوم إلا صياما قوله تعالى:{فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض} لغة بني عامر {فادع} بكسر العين لالتقاء الساكنين، يجرون المعتل مجرى الصحيح ولا يراعون المحذوف. و{يخرج} مجزوم على معنى سلْه وقل له : أخرج، يخرج. وقيل : هو على معنى الدعاء على تقدير حذف اللام وضعفه الزجاج. و{من} في قول {مما} زائدة في قول الأخفش وغير زائدة في قول سيبويه لأن الكلام موجب. قال النحاس : وإنما دعا الأخفش إلى هذا لأنه لم يجد مفعولا لـ {يخرج} فأراد أن يجعل {ما} مفعولا. والأوْلى أن يكون المفعول محذوفا دل عليه سائر الكلام، التقدير : يخرج لنا مما تنبت الأرض مأكولا. فـ {من} الأولى على هذا للتبعيض والثانية للتخصيص. قوله تعالى{من بقلها} بدل من {ما} بإعادة الحرف، والبقل معروف وهو كل نبات ليس له ساق. والشجر : ما له ساق. و{ وقثائها} عطف عليه وكذا ما بعده فاعلمه والقثاء أيضا معروف وقد تضم قافه وهى قراءة يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف لغتان والكسر. أكثر وقيل في جمع قثاء : قثائي مثل علباء وعلابي إلا أن قثاء من ذوات الواو تقول : اقثأت القوم أي أطعمتهم ذلك. وقثأت القدر سكنت غليانها بالماء قال الجعدي : تفور علينا قدرهم فنديمها ** ونفثؤها عنا إذا حميها غلا وقثأت الرجل إذا كسرته عنك بقول أو غيره وسكنت غضبه. وعدا حتى أفثأ أي أعيا وانبهر وأفثأ الحر أي سكن وفتر ومن أمثالهم في اليسير من البر قولهم : إن الرثيئة تفثأ في الغضب. وأصله أن رجلا كان غضب على قوم وكان مع غضبه جامعا فسقوه رثيئة فسكن غضبه وكف عنهم. الرثيئة : اللبن المحلوب على الحامض ليخثر. رثأت اللبن رثأ إذا حلبته على حامض فخثر والاسم الرثيئة وارتثأ اللبن خثر. وروى ابن ماجه حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا يونس بن بكير حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كانت أمي تعالجني للسمنة تريد أن تدخلني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فما استقام لها ذلك حتى أكلت القثاء بالرطب فسمنت كأحسن سمنة وهذا إسناد صحيح. قوله تعالى{وفومها} اختلف في الفوم فقيل هو الثوم لأنه المشاكل للبصل. رواه جويبر عن الضحاك والثاء تبدل من الفاء كما قالوا : مغافير ومغاثير. وجدث وجدف للقبر. وقرأ ابن مسعود {ثومها} بالثاء المثلثة وروي ذلك عن ابن عباس. وقال أمية بن أبي الصلت : كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة ** فيها الفراديس والفومان والبصل الفراديس : واحدها فرديس. وكرم مفردس أي معرش. وقال حسان : وأنتم أناس لئام الأصول ** طعامكم الفوم والحوقل يعني الثوم والبصل وهو قول الكسائي والنضر بن شميل. وقيل : الفوم الحنطة. روي عباس أيضا وأكثر المفسرين واختاره النحاس قال : وهو أولى ومن قال به أعلى وأسانيده صحاح وليس جويبر بنظير لروايته وإن كان الكسائي والفراء قد اختارا القول الأول لإبدال العرب الفاء من الثاء والإبدال لا يقاس عليه وليس ذلك بكثير في كلام العرب. وأنشد عباس لمن سأله عن الفوم وأنه الحنطة قول أحيحة بن الجلاح : قد كنت أغنى الناس شخصا واجدا ** ورد المدينة عن زراعة فوم وقل أبو إسحاق الزجاج : وكيف يطلب القوم طعاما لا بر فيه والبر أصل الغذاء!. وقال الجوهري أبو نصر : الفوم الحنطة. وأنشد الأخفش : قد كنت أحسبني كأغنى واجد ** نزل المدينة عن زراعة فوم وقال ابن دريد : الفومة السنبلة وأنشد : وقال ربيئهم لما أتانا ** بكفه فومة أو فومتان والهاء في {كفه} غير مشبعة. وقال بعضهم : الفوم الحمص لغة شامية. وبائعه فامي مغير عن فومي لأنهم قد يغيرون في النسب، كما قالوا : سهلي ودهري. ويقال : فوموا لنا أي اختبزوا. قال الفراء : هي لغة قديمة. وقال عطاء وقتادة : الفوم كل حب يختبز. مسألة : اختلف العلماء في أكل البصل والثوم وما له رائحة كريهة من سائر البقول. جمهور العلماء إلى إباحة ذلك، للأحاديث الثابتة في ذلك وذهبت طائفة من أهل الظاهر - القائلين بوجوب الصلاة في الجماعة فرضا - إلى المنع، وقالوا : كل ما منع من إتيان الفرض والقيام به فحرام عمله والتشاغل به. واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها خبيثة، والله عز قد وصف نبيه عليه السلام بأنه يحرم الخبائث. ومن الحجة للجمهور ما ثبت عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي ببدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحا، قال : فأخبر بما فيها من البقول، فقال : (قربوها) - إلى بعض أصحابه كان معه - فلما رآه كره أكلها، قال : (كل فإني أناجي من لا تناجي). أخرجه مسلم وأبو داود. فهذا بين في الخصوص له والإباحة لغيره. وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل على أبي أيوب، فصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فيه ثوم، فلما رد إليه سأل عن موضع أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له : لم يأكل. ففزع وصعد إليه فقال : أحرام هو؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا ولكني أكرهه). قال : فإني أكره ما تكره أو ما كرهت، قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى (يعني يأتيه الوحي). فهذا نص على عدم التحريم. وكذلك ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أكلوا الثوم زمن خيبر وفتحها : (أيها الناس إنه ليس لي تحريم ما أحل الله ولكنها شجرة أكره ريحها) الأحاديث تشعر بأن الحكم خاص به، إذ هو المخصوص بمناجاة الملك. لكن قد علمنا هذا الحكم في حديث جابر بما يقتضي التسوية بينه وبين غيره في هذا الحكم حيث قال : (من أكل من هذه البقلة الثوم وقال مرة : من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث فيه طول إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين، هذا البصل والثوم. ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخا. خرجه مسلم. قوله تعالى{وعدسها وبصلها} العدس معروف. والعدسة : بثرة تخرج بالإنسان، وربما قتلت. وعدس : زجر للبغال، قال : عدس ما لعباد عليك إمارة ** نجوت وهذا تحملين طليق والعدس : شدة الوطء، والكدح أيضا، يقال : عدسة. وعدس في الأرض : ذهب فيها. وعدست إليه المنية أي سارت، قال الكميت : أكلفها هول الظلام ولم أزل ** أخا الليل معدوسا إلي وعادسا أي يسار إلي بالليل. وعدس : لغة في حدس، قاله الجوهري. ويؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث علي أنه قال : (عليكم بالعدس فإنه مبارك مقدس وإنه يرق القلب ويكثر الدمعة فإنه بارك فيه سبعون نبيا آخرهم عيسى ابن مريم)، ذكره الثعلبي وغيره. وكان عمر بن عبدالعزيز يأكل يوما خبزا بزيت، ويوما بلحم، ويوما بعدس. قال الحليمي : والعدس والزيت طعام الصالحين، ولو لم يكن له فضيلة إلا أنه ضيافة إبراهيم عليه السلام في مدينته لا تخلو منه لكان فيه كفاية. وهو مما يخفف البدن فيخف للعبادة، لا تثور منه الشهوات كما تثور من اللحم. والحنطة من جملة الحبوب وهي الفوم على الصحيح، والشعير قريب منها وكان طعام أهل المدينة، كما كان العدس من طعام قرية إبراهيم عليه السلام، فصار لكل واحد من الحبتين بأحد النبيين عليهما السلام فضيلة، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشبع هو وأهله من خبز بر ثلاثة أيام متتابعة منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله عز وجل. قوله تعالى{قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير} الاستبدال : وضع الشيء موضع الآخر، ومنه البدل، وقد تقدم. و{أدنى} مأخوذ عند الزجاج من الدنو أي القرب في القيمة، من قولهم : ثوب مقارب، أي قليل الثمن. وقال علي بن سليمان : هو مهموز من الدنيء البين الدناءة بمعنى الأخس، إلا أنه خفف همزته. وقيل : هو مأخوذ من الدون أي الأحط، فأصله أدون، أفعل، قلب فجاء أفلع، وحولت الواو ألفا لتطرفها. وقرئ في الشواذ {أدنى}. ومعنى الآية : أتستبدلون البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل الذي هو أدنى بالمن والسلوى الذي هو خير. واختلف في الوجوه التي توجب فضل المن والسلوى على الشيء الذي طلبوه وهى خمسة : الأول : أن البقول لما كانت لا خطر لها بالنسبة إلى المن والسلوى كانا أفضل، قاله الزجاج. الثاني : لما كان المن والسلوى طعاما مّن الله به عليهم وأمرهم بأكله وكان في استدامة أمر الله وشكر نعمته أجر وذخر في الآخرة، والذي طلبوه عار من هذه الخصائل كان أدنى في هذا الوجه. الثالث : لما كان ما مّن الله به عليهم أطيب وألذ من الذي سألوه، كان ما سألوه أدنى من هذا الوجه لا محالة. الرابع : لما كان ما أعطوا لا كلفة فيه ولا تعب، والذي طلبوه لا يجيء إلا بالحرث والزراعة والتعب كان أدنى. الخامس : لما كان ما ينزل عليهم لا مرية في حله وخلوصه لنزوله من عند الله، والحبوب والأرض يتخللها البيوع والغصوب وتدخلها الشبه، كانت أدنى من هذا الوجه. مسألة : في هذه الآية دليل على جواز أكل الطيبات والمطاعم المستلذات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل، ويشرب الماء البارد العذب، وسيأتي هذا المعنى في {المائدة} و{النحل} إن شاء الله مستوفى. قوله تعالى{اهبطوا مصرا} تقدم معنى الهبوط، وهذا أمر معناه التعجيز، كقوله تعالى{قل كونوا حجارة أو حديدا} [الإسراء : 50] لأنهم كانوا في التيه وهذا عقوبة لهم. وقيل : إنهم أعطوا ما طلبوه. و{مصرا} بالتنوين منكرا قراءة الجمهور، وهو خط المصحف، قال مجاهد وغيره : فمن صرفها أراد مصرا من الأمصار غير معين. و روى عكرمة عن ابن عباس في قوله{اهبطوا مصرا} قال : مصرا من هذه الأمصار. وقالت طائفة ممن صرفها أيضا : أراد مصر فرعون بعينها. استدل الأولون بما اقتضاه ظاهر القرآن من أمرهم دخول القرية، وبما تظاهرت به الرواية أنهم سكنوا الشام بعد التيه. واستدل الآخرون بما في القرآن من أن الله أورث، بني إسرائيل ديار آل فرعون وأثارهم، وأجازوا صرفها. قال الأخفش والكسائي : لخفتها وشبهها بهند ودعد، وأنشد : لم تتلفع بفضل مئزرها ** دعد ولم تسق دعد في العلب فجمع بين اللغتين. وسيبويه والخليل والفراء لا يجيزون هذا، لأنك لو سميت امرأة بزيد لم تصرف. وقال غير الأخفش : أراد المكان فصرف. وقرأ الحسن وأبان بن تغلب وطلحة{مصر} بترك الصرف. وكذلك هي في مصحف أبى بن كعب وقراءة ابن مسعود. وقالوا : هي مصر فرعون. قال أشهب قال لي مالك : هي عندي مصر قريتك مسكن فرعون، ذكره ابن عطية. والمصر أصله في اللغة الحد. ومصر الدار : حدودها. قال ابن فارس ويقال : إن أهل هجر يكتبون في شروطهم اشترى فلان الدار بمصورها أي حدودها، قال عدي : وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به ** بين النهار وبين الليل قد فصلا قوله تعالى{فإن لكم ما سألتم} {ما} نصب بإن، وقرأ ابن وثاب والنخعي {سألتم} بكسر السين، يقال : سألت وسلت بغير همز. وهو من ذوات الواو، بدليل قولهم : يتساولان. قوله تعالى{وضربت عليهم الذلة والمسكنة} أي ألزموهما وقضي عليهم بهما، مأخوذ من ضرب القباب، قال الفرزدق في جرير : ضربت عليك العنكبوت بنسجها ** وقضى عليك به الكتاب المنزل وضرب الحاكم على اليد، أي حمل وألزم. والذلة : الذل والصغار. والمسكنة : الفقر. فلا يوجد يهودي وإن كان غنيا خاليا من زي الفقر وخضوعه ومهانته. وقيل : الذلة فرض الجزية، عن الحسن وقتادة. والمسكنة الخضوع، وهي مأخوذة من السكون، أي قلل الفقر حركته، قاله الزجاج. وقال أبو عبيدة : الذلة الصغار. والمسكنة مصدر المسكين. و روى الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس{وضربت عليهم الذلة والمسكنة} قال : هم أصحاب القبالات. قوله تعالى{وباؤوا بغضب من الله} أي انقلبوا ورجعوا، أي لزمهم ذلك. ومنه قوله عليه السلام في دعائه ومناجاته : (أبو ء بنعمتك علي) أي أقر بها وألزمها نفسي. وأصله في اللغة الرجوع، يقال باء بكذا، أي رجع به، وباء إلى المباءة وهي المنزل أي رجع. والبواء : الرجوع بالقود. وهم في هذا الأمر بواء، أي سواء، يرجعون فيه إلى معنى واحد. وقال الشاعر : ألا تنتهي عنا ملوك وتتقي ** محارمنا لا يبؤؤ الدم بالدم أي لا يرجع الدم بالدم في القود. وقال : فآبوا بالنهاب وبالسبايا ** وأبنا بالملوك مصفدينا أي رجعوا ورجعنا. وقد تقدم معنى الغضب في الفاتحة. قوله تعالى{ذلك} تعليل. {بأنهم كانوا يكفرون} أي يكذبون، {بآيات الله} أي بكتابه ومعجزات أنبيائه، كعيسى ويحيى وزكريا ومحمد عليهم السلام. و{ ويقتلون النبيين} معطوف على {يكفرون} وروي عن الحسن {يقتلون} وعنه أيضا كالجماعة. وقرأ نافع {النبيئين} بالهمز حيث وقع في القرآن إلا في موضعين : في سورة الأحزاب{إن وهبت نفسها للنبي إن أراد} [الأحزاب:50]. و{لا تدخلوا بيوت النبي إلا} [الأحزاب : 53] فإنه قرأ بلا مد ولا همز. وإنما ترك همز هذين لاجتماع همزتين مكسورتين. وترك الهمز في جميع ذلك الباقون. فأما من همز فهو عنده من أنبأ إذا أخبر، واسم فاعله منبئ. ويجمع نبيء أنبياء، وقد جاء في جمع نبي نبآء، قال العباس بن مرداس السلمي يمدح النبي صلى الله عليه وسلم : يا خاتم النبآء إنك مرسل ** بالحق كل هدى السبيل هداكا هذا معنى قراءة الهمز. واختلف القائلون بترك الهمز، فمنهم من اشتق اشتقاق من همز، ثم سهل الهمز. ومنهم من قال : هو مشتق من نبا ينبو إذا ظهر. فالنبي من النبوة وهو الارتفاع، فمنزلة النبي رفيعة. والنبي بترك الهمز أيضا الطريق، فسمي الرسول نبيا لاهتداء الخلق به كالطريق، قال الشاعر : لأصبح رتما دقاق الحصى ** مكان النبي من الكاثب رتمت الشيء : كسرته، يقال : رتم أنفه ورثمه، بالتاء والثاء جميعا. والرتم أيضا المرتوم أي المكسور. والكاثب اسم جبل. فالأنبياء لنا كالسبل في الأرض. ويروى أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : السلام عليك يا نبيء الله، وهمز. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لست بنبيء الله - وهمز - ولكني نبي الله) ولم يهمز. قال أبو علي : ضعف سند هذا الحديث، ومما يقوي ضعفه أنه عليه السلام قد أنشده المادح : يا خاتم النبآء... ولم يؤثر في ذلك إنكار. قوله تعالى {بغير الحق} تعظيم للشنعة والذنب الذي أتوه. فإن قيل : هذا دليل على أنه قد يصح أن يقتلوا بالحق، ومعلوم أن الأنبياء معصومون من أن يصدر منهم ما يقتلون به. قيل له : ليس كذلك، وإنما خرج هذا مخرج الصفة لقتلهم أنه ظلم وليس بحق، فكان هذا تعظيما للشنعة عليهم، ومعلوم أنه لا يقتل نبي بحق، ولكن يقتل على الحق، فصرح قوله{بغير الحق} عن شنعة الذنب ووضوحه، ولم يأت نبي قط بشيء يوجب قتله. فإن قيل : كيف جاز أن يخلى بين الكافرين وقتل الأنبياء؟ قيل : ذلك كرامة لهم وزيادة في منازلهم، كمثل من يقتل في سبيل الله من المؤمنين، وليس ذلك بخذلان لهم. قال ابن عباس والحسن : لم يقتل نبي قط من الأنبياء إلا من لم يؤمر بقتال، وكل من أمر بقتال نصر. قوله تعالى {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} {ذلك} رد على الأول وتأكيد للإشارة إليه. والباء في {بما} باء السبب. قال الأخفش : أي بعصيانهم. والعصيان : خلاف الطاعة. واعتصت النواة إذا اشتدت. والاعتداء : تجاوز الحد في كل شيء، وعرف في الظلم والمعاصي.

التفسير الميسّر:

واذكروا حين أنزلنا عليكم الطعام الحلو، والطير الشهي، فبطِرتم النعمة كعادتكم، وأصابكم الضيق والملل، فقلتم: يا موسى لن نصبر على طعام ثابت لا يتغير مع الأيام، فادع لنا ربك يخرج لنا من نبات الأرض طعامًا من البقول والخُضَر، والقثاء والحبوب التي تؤكل، والعدس، والبصل. قال موسى -مستنكرًا عليهم-: أتطلبون هذه الأطعمة التي هي أقل قدرًا، وتتركون هذا الرزق النافع الذي اختاره الله لكم؟ اهبطوا من هذه البادية إلى أي مدينة، تجدوا ما اشتهيتم كثيرًا في الحقول والأسواق. ولما هبطوا تبيَّن لهم أنهم يُقَدِّمون اختيارهم -في كل موطن- على اختيار الله، ويُؤْثِرون شهواتهم على ما اختاره الله لهم؛ لذلك لزمتهم صِفَةُ الذل وفقر النفوس، وانصرفوا ورجعوا بغضب من الله؛ لإعراضهم عن دين الله، ولأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين ظلمًا وعدوانًا؛ وذلك بسبب عصيانهم وتجاوزهم حدود ربهم.

تفسير السعدي

أي: واذكروا, إذ قلتم لموسى, على وجه التملل لنعم الله والاحتقار لها، { لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ } أي: جنس من الطعام, وإن كان كما تقدم أنواعا, لكنها لا تتغير، { فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا } أي: نباتها الذي ليس بشجر يقوم على ساقه، { وَقِثَّائِهَا } وهو الخيار { وَفُومِهَا } أي: ثومها، والعدس والبصل معروف، قال لهم موسي { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى } وهو الأطعمة المذكورة، { بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ } وهو المن والسلوى, فهذا غير لائق بكم، فإن هذه الأطعمة التي طلبتم, أي مصر هبطتموه وجدتموها، وأما طعامكم الذي من الله به عليكم, فهو خير الأطعمة وأشرفها, فكيف تطلبون به بدلا؟ ولما كان الذي جرى منهم فيه أكبر دليل على قلة صبرهم واحتقارهم لأوامر الله ونعمه, جازاهم من جنس عملهم فقال: { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ } التي تشاهد على ظاهر أبدانهم { وَالْمَسْكَنَةُ } بقلوبهم، فلم تكن أنفسهم عزيزة, ولا لهم همم عالية, بل أنفسهم أنفس مهينة, وهممهم أردأ الهمم، { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ } أي: لم تكن غنيمتهم التي رجعوا بها وفازوا, إلا أن رجعوا بسخطه عليهم, فبئست الغنيمة غنيمتهم, وبئست الحالة حالتهم. { ذَلِكَ } الذي استحقوا به غضبه { بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ } الدالات على الحق الموضحة لهم, فلما كفروا بها عاقبهم بغضبه عليهم, وبما كانوا { يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } وقوله: { بِغَيْرِ الْحَقِّ } زيادة شناعة, وإلا فمن المعلوم أن قتل النبي لا يكون بحق, لكن لئلا يظن جهلهم وعدم علمهم. { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا } بأن ارتكبوا معاصي الله { وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } على عباد الله, فإن المعاصي يجر بعضها بعضا، فالغفلة ينشأ عنها الذنب الصغير, ثم ينشأ عنه الذنب الكبير, ثم ينشأ عنها أنواع البدع والكفر وغير ذلك, فنسأل الله العافية من كل بلاء. واعلم أن الخطاب في هذه الآيات لأمة بني إسرائيل الذين كانوا موجودين وقت نزول القرآن, وهذه الأفعال المذكورة خوطبوا بها وهي فعل أسلافهم, ونسبت لهم لفوائد عديدة، منها: أنهم كانوا يتمدحون ويزكون أنفسهم, ويزعمون فضلهم على محمد ومن آمن به، فبين الله من أحوال سلفهم التي قد تقررت عندهم, ما يبين به لكل أحد [منهم] أنهم ليسوا من أهل الصبر ومكارم الأخلاق, ومعالي الأعمال، فإذا كانت هذه حالة سلفهم، مع أن المظنة أنهم أولى وأرفع حالة ممن بعدهم فكيف الظن بالمخاطبين؟". ومنها: أن نعمة الله على المتقدمين منهم, نعمة واصلة إلى المتأخرين, والنعمة على الآباء, نعمة على الأبناء، فخوطبوا بها, لأنها نعم تشملهم وتعمهم. ومنها: أن الخطاب لهم بأفعال غيرهم, مما يدل على أن الأمة المجتمعة على دين تتكافل وتتساعد على مصالحها, حتى كان متقدمهم ومتأخرهم في وقت واحد, وكان الحادث من بعضهم حادثا من الجميع. لأن ما يعمله بعضهم من الخير يعود بمصلحة الجميع, وما يعمله من الشر يعود بضرر الجميع. ومنها: أن أفعالهم أكثرها لم ينكروها, والراضي بالمعصية شريك للعاصي، إلى غير ذلك من الحِكَم التي لا يعلمها إلا الله.


تفسير البغوي

قوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد} وذلك أنهم أجمعوا وسئموا من أكل المن والسلوى، وإنما قال: {على طعام واحد} وهما اثنان لأن العرب تعبر عن الاثنين بلفظ الواحد كما تعبر عن الواحد بلفظ الاثنين، كقوله تعالى: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} [22-الرحمن] وإنما يخرج من المالح دون العذب.

وقيل: كانوا يأكلون أحدهما بالآخر فكانا كطعام واحد.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: "كانوا يعجنون المن بالسلوى فيصيران واحداً".

{فادع لنا} فاسأل لأجلنا.

{ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها} قال ابن عباس: "والفوم الخبز".

وقال عطاء: "الحنطة"، وقال القتيبي رحمه الله تعالى: "الحبوب التي تؤكل كلها".

وقال الكلبي: "وعدسها وبصلها".

{قال} لهم موسى عليه السلام.

{أتستبدلون الذي هو أدنى} أخس وأردى.

{بالذي هو خير} أشرف وأفضل,

وجعل الحنطة أدنى في القيمة وإن كان هو خيراً من المن والسلوى، أو أراد أنها أسهل وجوداً على العادة، ويجوز أن يكون الخير راجعاً إلى اختيار الله لهم واختيارهم لأنفسهم.

{اهبطوا مصراً} يعنى: فإن أبيتم إلا ذلك فانزلوا مصراً من الأمصار، وقال الضحاك: "هو مصر موسى وفرعون". والأول أصح، لأنه لو أراده لم يصرفه.

{فإن لكم ما سألتم} من نبات الأرض.

{وضربت عليهم} جعلت عليهم وألزموا.

{الذلة} الذل والهوان؛ قيل: بالجزية، وقال عطاء بن السائب: "هو الكستيج والزنار وزي اليهودية".

{والمسكنة} الفقر، سمي الفقير مسكيناً لأن الفقر أسكنه وأقعده عن الحركة؛ فترى اليهود وإن كانوا مياسير كأنهم فقراء.

وقيل: الذلة هي فقر القلب فلا ترى في أهل الملل أذل وأحرص على المال من اليهود.

{وباءوا بغضب من الله} رجعوا ولا يقال: (( باؤوا إلا بشر ))

وقال أبو عبيدة:" احتملوا وأقروا به"، ومنه الدعاء: أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، أُقِر

{ذلك} أي الغضب.

{بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله} بصفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم في التوراة ويكفرون بالإنجيل والقرآن.

{ويقتلون النبيين} تفرد نافع بهمز النبي وبابه، فيكون معناه المخبر من أنبأ ينبىء ونبأ ينبئ، والقراءة المعروفة ترك الهمزة، وله وجهان: أحدهما هو أيضاً من الإنباء، تركت الهمزة فيه تخفيفاً لكثرة الاستعمال، والثاني: هو بمعنى الرفيع مأخوذ من النبوة وهي المكان المرتفع، فعلى هذا يكون النبيين على الأصل.

{بغير الحق} أي بلا جُرْم، فإن قيل: فلِمَ قال: بغير الحق وقتل النبيين لا يكون إلا بغير الحق؟ قيل: ذكره وصفاً للقتل، والقتل تارة يوصف بغير الحق وهو مثل قوله تعالى: {قال رب احكم بالحق} [112-الأنبياء] ذكر الحق وصفاً للحكم لا أن حكمه ينقسم إلى الجور والحق.

ويروى أن اليهود قتلت سبعين نبياً في أول النهار وقامت سوق بقتلهم في آخر النهار.

{ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} يتجاوزون أمري ويرتكبون محارمي.


الإعراب:

(البقل) ما لا ساق له من النبات.

(الفوم) الحنطة أو الثوم.

(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى) ينظر الآية 55.

(لَنْ) حرف ناصب.

(نَصْبِرَ) مضارع منصوب والفاعل نحن والجملة مقول القول.

(عَلى طَعامٍ) متعلقان بنصبر.

(واحِدٍ) صفة طعام.

(فَادْعُ) الفاء استئنافية، ادع فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، والفاعل أنت، والجملة استئنافية.

(لَنا) متعلقان بالفعل قبلهما.

(رَبَّكَ) مفعول به، والكاف في محل جر بالإضافة.

(يُخْرِجْ) فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب، والفاعل هو، والجملة جواب الطلب لا محل لها.

(لَنا) متعلقان بيخرج.

(مِمَّا) من حرف جر، ما اسم موصول في محل جر بحرف الجر متعلقان بالفعل قبلهما.

(تُنْبِتُ الْأَرْضُ) فعل مضارع وفاعل، والجملة صلة الموصول لا محل لها.

(مِنْ بَقْلِها) متعلقان بمحذوف حال من الضمير المحذوف التقدير مما تنبته وقيل هما بدل من مما. وها في محل جر بالإضافة.

(وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها) معطوفة.

(قالَ) فعل ماض والفاعل هو والجملة مستأنفة.

(أَتَسْتَبْدِلُونَ) الهمزة للاستفهام، (تَسْتَبْدِلُونَ) فعل مضارع وفاعل والجملة مقول القول.

(الَّذِي) اسم موصول في محل نصب مفعول به.

(هُوَ) مبتدأ.

(أَدْنى) خبره. والجملة صلة الموصول لا محل لها.

(بِالَّذِي) جار ومجرور متعلقان بالفعل.

(هُوَ خَيْرٌ) مبتدأ وخبر والجملة صلة.

(اهْبِطُوا) فعل أمر مبني على حذف النون. والواو فاعل والجملة مقول القول لفعل محذوف تقديره قلنا.

(مِصْرًا) مفعول به.

(فَإِنَّ) الفاء تعليل، إن حرف مشبه بالفعل.

(لَكُمْ) متعلقان بمحذوف خبر إن المقدم.

(ما سَأَلْتُمْ) ما اسم موصول اسم إن، سألتم سألت فعل ماض وفاعل والميم لجمع الذكور. والعائد محذوف تقديره ما سألتمونا إياه. والجملة صلة وجملة إن لكم تعليلية لا محل لها.

(وَضُرِبَتْ) الواو استئنافية، ضربت فعل ماض مبني للمجهول والتاء للتأنيث.

(عَلَيْهِمُ) متعلقان بضربت.

(الذِّلَّةُ) نائب فاعل مرفوع.

(وَالْمَسْكَنَةُ) اسم معطوف والجملة استئنافية وقيل معترضة.

(وَباؤُ) فعل ماض وفاعل.

(بِغَضَبٍ) متعلقان بالفعل والجملة معطوفة.

(مِنَ اللَّهِ) متعلقان بصفة لغضب غضب نازل من الله.

(ذلِكَ) اسم إشارة مبتدأ واللام للبعد والكاف للخطاب.

(بِأَنَّهُمْ) الباء حرف جر، أنهم أن واسمها.

(كانُوا) كان والواو اسمها والجملة خبر أن وأن وما بعدها في تأويل مصدر في محل جر بحرف الجر أي بسبب كفرهم. والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر والجملة مستأنفة.

(يَكْفُرُونَ) مضارع وفاعله.

(بِآياتِ) متعلقان بيكفرون.

(اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه.

(وَيَقْتُلُونَ) فعل مضارع وفاعل.

(النَّبِيِّينَ) مفعول به منصوب بالياء جمع مذكر سالم. والجملة يكفرون في محل نصب خبر كانوا وجملة: (يقتلون) معطوفة على يكفرون.

(بِغَيْرِ) متعلقان بمحذوف حال أي عاملين بغير الحق.

(الْحَقِّ) مضاف إليه.

(ذلِكَ) مبتدأ.

(بِما) الباء حرف جر، ما مصدرية.

(عَصَوْا) فعل ماض وفاعل، وما المصدرية مع الفعل في تأويل مصدر في محل جر بحرف الجر. والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ ذلك، التقدير ذلك بسبب عصيانهم.

(وَكانُوا) كان واسمها والجملة معطوفة. وجملة (يَعْتَدُونَ) خبرها.

---

Traslation and Transliteration:

Waith qultum ya moosa lan nasbira AAala taAAamin wahidin faodAAu lana rabbaka yukhrij lana mimma tunbitu alardu min baqliha waqiththaiha wafoomiha waAAadasiha wabasaliha qala atastabdiloona allathee huwa adna biallathee huwa khayrun ihbitoo misran fainna lakum ma saaltum waduribat AAalayhimu alththillatu waalmaskanatu wabaoo bighadabin mina Allahi thalika biannahum kanoo yakfuroona biayati Allahi wayaqtuloona alnnabiyyeena bighayri alhaqqi thalika bima AAasaw wakanoo yaAAtadoona

بيانات السورة

اسم السورة سورة البقرة (Al-Baqara - The Cow)
ترتيبها 2
عدد آياتها 286
عدد كلماتها 6144
عدد حروفها 25613
معنى اسمها (البَقَرَةُ) مِنْ أَصْنَافِ بَهِيمَةِ الأَنعَامِ، وهِيَ: (الإِبِلُ والبَقَرُ وَالغَنَمُ)
سبب تسميتها انفِرَادُ السُّورَةِ بذِكْرِ قِصَّةِ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (البَقَرَةِ)، وتُلقَّبُ بِـ(سَنَامِ القُرْآنِ)، و(فُسْطَاطِ القُرْآنِ)، وَ(الزَّهْرَاءِ)
مقاصدها الاسْتِجَابَةُ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَالامْتِثَالُ الكَامِلُ لَهُ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها بَرَكَةٌ عَجِيبَةٌ لِقَارِئِهَا، قَالَ ﷺ: «اقْرَؤُوا البَقَرَةَ؛ فَإِنَّ أَخذَها بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ». (رَوَاهُ مُسْلِم). عِلَاجٌ مِنَ السِّحْرِ وَالْعَينِ وَالحَسَدِ، قَالَ ﷺ: «وَلَا يَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ؛ أَيِ: السَّحَرَةُ». (رَوَاهُ مُسْلِم). طَارِدَةٌ لِلشَّيَاطِينِ، قَالَ ﷺ: «وَإِنَّ البَيْتَ الَّذِي تُقرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ لَا يدخُلُهُ شَيطَانٌ». (رَوَاهُ مُسْلِم). هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (البَقَرَةِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ صِفَاتِ المُتَّقِينَ. فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ﴾ ... الآيَاتِ، وقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ﴾... الآيَاتِ.. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (البَقَرَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الفَاتِحَةِ): لَمَّا قَالَ العَبْدُ فِي خِتَامِ (الفَاتِحَةِ): ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦﴾. قِيلَ لَهُ فِي فَاتِحَةِ (البَقَرَةِ): ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ٢﴾ هُوَ مَطْلُوبُكَ وَفِيهِ حَاجَتُكَ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!