موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة المائدة: [الآية 115]

سورة المائدة
قَالَ ٱللَّهُ إِنِّى مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّىٓ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابًا لَّآ أُعَذِّبُهُۥٓ أَحَدًا مِّنَ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴿115﴾

تفسير الجلالين:

«قال الله» مستجيب له «إني منزِّلها» بالتخفيف والتشديد «عليكم فمن يكفر بعد» أي بعد نزولها «منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين» فنزلت الملائكة بها من السماء عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات فأكلوا منها حتى شبعوا قاله ابن عباس وفي حديث أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما فأمروا أن لا يخونوا ولا يدَّخروا لغد فخافوا وادخروا فمسخوا قردة وخنازير.

تفسير الشيخ محي الدين:

قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119 « (

قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ» فلا يؤثر فيهم عوارض يوم القيامة ، بل تخاف الناس ولا يخافون ، وتحزن الناس ولا يحزنون . . .

[ «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» ] «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» فالرضى منا ومنه - الوجه الأول - رضي اللّه عنهم : بما أعطوه من بذل المجهود ، وغير بذل المجهود «وَرَضُوا عَنْهُ» بما أعطاهم مما يقتضي الوجود الجود أكثر من ذلك ، لكن العلم والحكمة غالبة - الوجه الثاني - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» : بما أعطاه العبد من نفسه رضي اللّه به ، ورضي عنه فيه وإن لم يبذل استطاعته ، فرضي اللّه منك إذا أعطيت ما كلفك حد الاستطاعة التي لا حرج عليك فيها «وَرَضُوا عَنْهُ» رضي العبد من اللّه بالذي أعطاه من حال الدنيا ورضي عن اللّه في ذلك ، فإن متعلق الرضى القليل ، فإن الإنعام لا يتناهى بالبرهان الواضح والدليل ، فلا بد من الرضى ، بذا حكم الدليل وقضى ، وبهذا المعنى رضاه سبحانه عنك ، بما أعطيته منك ، وهو يعلم أن الاستطاعة فوق ما أعطيته - الوجه الثالث - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» في يسير العمل «وَرَضُوا عَنْهُ» في يسير الثواب ، لأنه لا يتمكن تحصيل ما لا يتناهى في الوجود ، لأنه لا يتناهى ، فإن كل ما أعطاك الحق في الدنيا والآخرة من الخير والنعم فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو متناه بحصوله ، وما قدم اللّه رضاه عن عبيده ، بما قبله من اليسير من أعمالهم التي كلفهم إلا ليرضوا عنه في يسير الثواب ، لما علموا أن عنده ما هو أكثر من الذي وصل إليهم . - الوجه الرابع - أخبرهم في التوقيع أنه عنهم راض تعالى وتقدس جلاله ، ثم أنه ناب عنهم في الخطاب بأنهم عنه راضون ، فقال تعالى : «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» .

وهنا نكتة لمن فهم ما تدل عليه ألفاظ القرآن من الرضى فقطع عليهم بذلك لعلمه بأنه واقع

منهم[ تحقيق الرضا ]

- تحقيق الرضا - اعلم أن اللّه تعالى قد أمرنا بالرضا قبل القضاء مطلقا ، فعلمنا أنه يريد الإجمال ، فإنه إذا فصّله حال المقضي عليه بالمقضى به انقسم إلى ما يجوز الرضا به وإلى ما لا يجوز ، فلما أطلق الرضا علمنا أنه أراد الإجمال ، والقدر توقيت الحكم ، فكل شيء بقضاء وقدر ، أي بحكم مؤقت ، فمن حيث التوقيت المطلق يجب الإيمان بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، ومن حيث التعيين يجب الإيمان به لا الرضا ببعضه ، وإنما قلنا : يجب الإيمان به أنه شر كما يجب الإيمان بالخير أنه خير ، فنقول : إنه يجب علي الإيمان بالشر أنه شر ، وأنه ليس إلى اللّه من كونه شرا ، لا من كونه عين وجود إن كان الشر أمرا وجوديا ، فمن حيث وجوده أي وجود عينه هو إلى اللّه ، ومن كونه شرا ليس إلى اللّه ، قال صلّى اللّه عليه وسلم في دعائه : والشر ليس إليك ، فالمؤمن ينفي عن الحق ما نفاه عن نفسه .

------------

(119) الفتوحات ج 2 / 222 - ج 4 / 351 ، 432 - ج 2 / 212 - ج 4 / 351 - ج 2 / 212 - ج 4 / 27 ، 18 - ج 2 / 212

تفسير ابن كثير:

أي : فمن كذب بها من أمتك يا عيسى وعاندها ( فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) أي : من عالمي زمانكم ، كقوله : ( ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) [ غافر : 46 ] ، وكقوله : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) [ النساء : 145 ] .

وقد روى ابن جرير ، من طريق عوف الأعرابي ، عن أبي المغيرة القواس ، عن عبد الله بن عمرو قال : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة : المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون .

ذكر أخبار رويت عن السلف في نزول المائدة على الحواريين :

قال أبو جعفر بن جرير ، حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثني حجاج ، عن ليث ، عن عقيل عن ابن عباس : أنه كان يحدث عن عيسى ابن مريم أنه قال لبني إسرائيل : هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما ، ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم؟ فإن أجر العامل على من عمل له . ففعلوا ، ثم قالوا : يا معلم الخير ، قلت لنا : إن أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوما ، ففعلنا ، ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوما إلا أطعمنا حين نفرغ طعاما ، فهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ قال عيسى : ( اتقوا الله إن كنتم مؤمنين . قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين . قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين . قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) قال : فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء ، عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة ، حتى وضعتها بين أيديهم ، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم .

كذا رواه ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم ، عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : كان ابن عباس يحدث ، فذكر نحوه .

وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد ، حدثنا عقيل بن خالد ، أن ابن شهاب أخبره عن ابن عباس ; أن عيسى ابن مريم قالوا له : ادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء ، قال : فنزلت الملائكة بمائدة يحملونها ، عليها سبعة أحوات ، وسبعة أرغفة ، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن قزعة الباهلي ، حدثنا سفيان بن حبيب ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن عمار بن ياسر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " نزلت المائدة من السماء ، عليها خبز ولحم ، وأمروا أن لا يخونوا ولا يرفعوا لغد ، فخانوا وادخروا ورفعوا ، فمسخوا قردة وخنازير "

وكذا رواه ابن جرير ، عن الحسن بن قزعة ثم رواه ابن جرير ، عن ابن بشار ، عن ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن عمار ، قال : نزلت المائدة وعليها ثمر من ثمار الجنة ، فأمروا ألا يخونوا ولا يخبئوا ولا يدخروا . قال : فخان القوم وخبئوا وادخروا ، فمسخهم الله قردة وخنازير .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود ، عن سماك بن حرب ، عن رجل من بني عجل ، قال : صليت إلى جنب عمار بن ياسر ، فلما فرغ قال : هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال : قلت : لا قال : إنهم سألوا عيسى ابن مريم مائدة يكون عليها طعام يأكلون منه لا ينفد ، قال : فقيل لهم : فإنها مقيمة لكم ما لم تخبؤوا ، أو تخونوا ، أو ترفعوا ، فإن فعلتم فإني معذبكم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، قال : فما مضى يومهم حتى خبؤوا ورفعوا وخانوا ، فعذبوا عذابا لم يعذبه أحد من العالمين . وإنكم - معشر العرب - كنتم تتبعون أذناب الإبل والشاء ، فبعث الله فيكم رسولا من أنفسكم ، تعرفون حسبه ونسبه ، وأخبركم أنكم ستظهرون على العجم ، ونهاكم أن تكتنزوا الذهب والفضة . وأيم الله ، لا يذهب الليل والنهار حتى تكنزوهما ويعذبكم الله عذابا أليما .

وقال : حدثنا القاسم ، حدثنا حسين ، حدثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن إسحاق بن عبد الله ، أن المائدة نزلت على عيسى ابن مريم ، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات ، يأكلون منها ما شاؤوا . قال : فسرق بعضهم منها وقال : " لعلها لا تنزل غدا " . فرفعت .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : نزلت على عيسى ابن مريم والحواريين ، خوان عليه خبز وسمك ، يأكلون منه أينما نزلوا إذا شاؤوا . وقال خصيف ، عن عكرمة ومقسم ، عن ابن عباس : كانت المائدة سمكة وأرغفة . وقال مجاهد : هو طعام كان ينزل عليهم حيث نزلوا . وقال أبو عبد الرحمن السلمي : نزلت المائدة خبزا وسمكا . وقال عطية العوفي : المائدة سمك فيه طعم كل شيء .

وقال وهب بن منبه : أنزلها من السماء على بني إسرائيل ، فكان ينزل عليهم في كل يوم في تلك المائدة من ثمار الجنة ، فأكلوا ما شاؤوا من ضروب شتى ، فكان يقعد عليها أربعة آلاف ، فإذا أكلوا أبدل الله مكان ذلك لمثلهم . فلبثوا على ذلك ما شاء الله عز وجل .

وقال وهب بن منبه : نزل عليهم قرصة من شعير وأحوات ، وحشا الله بين أضعافهن البركة ، فكان قوم يأكلون ثم يخرجون ، ثم يجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون ، حتى أكل جميعهم وأفضلوا .

وقال الأعمش ، عن مسلم ، عن سعيد بن جبير : أنزل عليها كل شيء إلا اللحم .

وقال سفيان الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن زاذان وميسرة وجرير ، عن عطاء ، عن ميسرة قال : كانت المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت عليهم الأيدي بكل طعام إلا اللحم .

وعن عكرمة : كان خبز المائدة من الأرز . رواه ابن أبي حاتم .

وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا جعفر بن علي فيما كتب إلي ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدثني أبو عبد الله عبد القدوس بن إبراهيم بن عبيد الله بن مرداس العبدري - مولى بني عبد الدار - عن إبراهيم بن عمر ، عن وهب بن منبه ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الخير ; أنه قال : لما سأل الحواريون عيسى ابن مريم المائدة ، كره ذلك جدا وقال : اقنعوا بما رزقكم الله في الأرض ، ولا تسألوا المائدة من السماء ، فإنها إن نزلت عليكم كانت آية من ربكم ، وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية ، فابتلوا بها حتى كان بوارهم فيها . فأبوا إلا أن يأتيهم بها ، فلذلك قالوا : ( نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ) الآية .

فلما رأى عيسى أن قد أبوا إلا أن يدعو لهم بها ، قام فألقى عنه الصوف ، ولبس الشعر الأسود ، وجبة من شعر ، وعباءة من شعر ، ثم توضأ واغتسل ، ودخل مصلاه فصلى ما شاء الله ، فلما قضى صلاته قام قائما مستقبل القبلة وصف قدميه حتى استويا ، فألصق الكعب بالكعب وحاذى الأصابع ، ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره ، وغض بصره ، وطأطأ رأسه خشوعا ، ثم أرسل عينيه بالبكاء ، فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض حيال وجهه من خشوعه ، فلما رأى ذلك دعا الله فقال : ( اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ) فأنزل الله عليهم سفرة حمراء بين غمامتين : غمامة فوقها وغمامة تحتها ، وهم ينظرون إليها في الهواء منقضة من فلك السماء تهوي إليهم وعيسى يبكي خوفا للشروط التي اتخذها الله عليهم - فيها : أنه يعذب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين - وهو يدعو الله من مكانه ويقول : اللهم اجعلها رحمة ، إلهي لا تجعلها عذابا ، إلهي كم من عجيبة سألتك فأعطيتني ، إلهي اجعلنا لك شكارين ، إلهي أعوذ بك أن تكون أنزلتها غضبا وجزاء ، إلهي اجعلها سلامة وعافية ، ولا تجعلها فتنة ومثلة .

فما زال يدعو حتى استقرت السفرة بين يدي عيسى والحواريين وأصحابه حوله ، يجدون رائحة طيبة لم يجدوا فيما مضى رائحة مثلها قط ، وخر عيسى والحواريون لله سجدا شكرا بما رزقهم من حيث لم يحتسبوا وأراهم فيه آية عظيمة ذات عجب وعبرة ، وأقبلت اليهود ينظرون فرأوا أمرا عجيبا أورثهم كمدا وغما ، ثم انصرفوا بغيظ شديد وأقبل عيسى . والحواريون وأصحابه حتى جلسوا حول السفرة ، فإذا عليها منديل مغطي . قال عيسى : من أجرؤنا على كشف المنديل عن هذه السفرة ، وأوثقنا بنفسه ، وأحسننا بلاء عند ربه؟ فليكشف عن هذه الآية حتى نراها ، ونحمد ربنا ، ونذكر باسمه ، ونأكل من رزقه الذي رزقنا . فقال الحواريون : يا روح الله وكلمته ، أنت أولانا بذلك ، وأحقنا بالكشف عنها . فقام عيسى ، - عليه السلام - ، واستأنف وضوءا جديدا ، ثم دخل مصلاه فصلى كذلك ركعات ، ثم بكى بكاء طويلا ودعا الله أن يأذن له في الكشف عنها ، ويجعل له ولقومه فيها بركة ورزقا . ثم انصرف فجلس إلى السفرة وتناول المنديل ، وقال : " باسم الله خير الرازقين " ، وكشف عن السفرة ، فإذا هو عليها سمكة ضخمة مشوية ، ليس عليها بواسير ، وليس في جوفها شوك ، يسيل السمن منها سيلا قد نضد حولها بقول من كل صنف غير الكراث ، وعند رأسها خل ، وعند ذنبها ملح ، وحول البقول خمسة أرغفة ، على واحد منها زيتون ، وعلى الآخر ثمرات ، وعلى الآخر خمس رمانات .

فقال شمعون رأس الحواريين لعيسى : يا روح الله وكلمته ، أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الجنة؟ فقال : أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات ، وتنتهوا عن تنقير المسائل؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا في سبب نزول هذه الآية! فقال شمعون : وإله إسرائيل ما أردت بها سؤالا يا ابن الصديقة . فقال عيسى ، - عليه السلام - : ليس شيء مما ترون من طعام الجنة ولا من طعام الدنيا ، إنما هو شيء ابتدعه الله في الهواء بالقدرة العالية القاهرة ، فقال له : كن . فكان أسرع من طرفة عين ، فكلوا مما سألتم باسم الله واحمدوا عليه ربكم يمدكم منه ويزدكم ، فإنه بديع قادر شاكر .

فقالوا : يا روح الله وكلمته ، إنا نحب أن ترينا آية في هذه الآية . فقال عيسى : سبحان الله! أما اكتفيتم بما رأيتم في هذه الآية حتى تسألوا فيها آية أخرى؟ ثم أقبل عيسى ، - عليه السلام - ، على السمكة ، فقال : يا سمكة ، عودي بإذن الله حية كما كنت . فأحياها الله بقدرته ، فاضطربت وعادت بإذن الله حية طرية ، تلمظ كما يتلمظ الأسد ، تدور عيناها لها بصيص ، وعادت عليها بواسيرها . ففزع القوم منها وانحازوا . فلما رأى عيسى ذلك منهم قال : ما لكم تسألون الآية ، فإذا أراكموها ربكم كرهتموها؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا بما تصنعون! يا سمكة ، عودي بإذن الله كما كنت . فعادت بإذن الله مشوية كما كانت في خلقها الأول .

فقالوا لعيسى : كن أنت يا روح الله الذي تبدأ بالأكل منها ، ثم نحن بعد فقال عيسى : معاذ الله من ذلك! يبدأ بالأكل من طلبها . فلما رأى الحواريون وأصحابهم امتناع نبيهم منها ، خافوا أن يكون نزولها سخطة وفي أكلها مثلة ، فتحاموها . فلما رأى ذلك عيسى دعا لها الفقراء والزمنى ، وقال : كلوا من رزق ربكم ، ودعوة نبيكم ، واحمدوا الله الذي أنزلها لكم ، فيكون مهنؤها لكم ، وعقوبتها على غيركم ، وافتتحوا أكلكم باسم الله ، واختموه بحمد الله ، ففعلوا ، فأكل منها ألف وثلاثمائة إنسان بين رجل وامرأة ، يصدرون عنها كل واحد منهم شبعان يتجشأ ، ونظر عيسى والحواريون فإذا ما عليها كهيئته إذ أنزلت من السماء ، لم ينتقص منها شيء ، ثم إنها رفعت إلى السماء وهم ينظرون فاستغنى كل فقير أكل منها ، وبرئ كل زمن أكل منها ، فلم يزالوا أغنياء صحاحا حتى خرجوا من الدنيا .

وندم الحواريون وأصحابهم الذين أبوا أن يأكلوا منها ندامة ، سالت منها أشفارهم ، وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى يوم الممات ، قال : فكانت المائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبلت بنو إسرائيل إليها من كل مكان يسعون يزاحم بعضهم بعضا : الأغنياء والفقراء ، والصغار والكبار ، والأصحاء والمرضى ، يركب بعضهم بعضا . فلما رأى ذلك جعلها نوائب ، تنزل يوما ولا تنزل يوما . فلبثوا في ذلك أربعين يوما ، تنزل عليهم غبا عند ارتفاع الضحى فلا تزال موضوعة يؤكل منها ، حتى إذا قاموا ارتفعت عنهم . بإذن الله إلى جو السماء ، وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض حتى توارى عنهم .

قال : فأوحى الله إلى نبيه عيسى ، - عليه السلام - ، أن اجعل رزقي المائدة ، لليتامى والفقراء والزمنى دون الأغنياء من الناس ، فلما فعل ذلك ارتاب بها الأغنياء من الناس ، وغمطوا ذلك ، حتى شكوا فيها في أنفسهم وشككوا فيها الناس ، وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر ، وأدرك الشيطان منهم حاجته ، وقذف وسواسه في قلوب المرتابين حتى قالوا لعيسى : أخبرنا عن المائدة ، ونزولها من السماء أحق ، فإنه قد ارتاب بها بشر منا كثير؟ فقال عيسى ، - عليه السلام - : هلكتم وإله المسيح! طلبتم المائدة إلى نبيكم أن يطلبها لكم إلى ربكم ، فلما أن فعل وأنزلها عليكم رحمة ورزقا ، وأراكم فيها الآيات والعبر كذبتم بها ، وشككتم فيها ، فأبشروا بالعذاب ، فإنه نازل بكم إلا أن يرحمكم الله .

وأوحى الله إلى عيسى : إني آخذ المكذبين بشرطي ، فإني معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين . قال فلما أمسى المرتابون بها وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورة مع نسائهم آمنين ، فلما كان في آخر الليل مسخهم الله خنازير ، فأصبحوا يتبعون الأقذار في الكناسات .

هذا أثر غريب جدا . قطعه ابن أبي حاتم في مواضع من هذه القصة ، وقد جمعته أنا له ليكون سياقه أتم وأكمل ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

وكل هذه الآثار دالة على أن المائدة نزلت على بني إسرائيل ، أيام عيسى ابن مريم ، إجابة من الله لدعوته ، وكما دل على ذلك ظاهر هذا السياق من القرآن العظيم : ( قال الله إني منزلها عليكم ) الآية .

وقد قال قائلون : إنها لم تنزل . فروى ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد في قوله : ( أنزل علينا مائدة من السماء ) قال : هو مثل ضرب ، ولم ينزل شيء .

رواه ابن أبي حاتم وابن جرير . ثم قال ابن جرير : حدثني الحارث ، حدثنا القاسم - هو ابن سلام - حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : مائدة عليها طعام ، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا ، فأبوا أن تنزل عليهم .

وقال أيضا : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن ; أنه قال في المائدة : لم تنزل .

وحدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان الحسن يقول : لما قيل لهم : ( فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) قالوا : لا حاجة لنا فيها ، فلم تنزل .

وهذه أسانيد صحيحة إلى مجاهد والحسن ، وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا تعرفه النصارى وليس هو في كتابهم ، ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما يتوفر الدواعي على نقله ، وكان يكون موجودا في كتابهم متواترا ، ولا أقل من الآحاد ، والله أعلم . ولكن الذي عليه الجمهور أنها نزلت ، وهو الذي اختاره ابن جرير ، قال : لأنه تعالى أخبر بنزولها بقوله تعالى : ( إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) قال : ووعد الله ووعيده حق وصدق .

وهذا القول هو - والله أعلم - الصواب ، كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم . وقد ذكر أهل التاريخ أن موسى بن نصير نائب بني أمية في فتوح بلاد المغرب ، وجد المائدة هنالك مرصعة باللآلئ وأنواع الجواهر ، فبعث بها إلى أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك ، باني جامع دمشق ، فمات وهي في الطريق ، فحملت إلى أخيه سليمان بن عبد الملك الخليفة بعده ، فرآها الناس وتعجبوا منها كثيرا لما فيها من اليواقيت النفيسة والجواهر اليتيمة . ويقال إن هذه المائدة كانت لسليمان بن داود ، عليهما السلام ، فالله أعلم .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن عمران بن الحكم ، عن ابن عباس قال : قالت قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك قال : " وتفعلون؟ " قالوا : نعم . قال : فدعا ، فأتاه جبريل فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبا ، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة . قال : " بل باب التوبة والرحمة " .

ثم رواه أحمد وابن مردويه والحاكم في مستدركه ، من حديث سفيان الثوري ، به .


تفسير الطبري :

قوله تعالى {قال الله إني منزلها عليكم} هذا وعد من الله تعالى أجاب به سؤال عيسى كما كان سؤاله عيسى إجابة للحواريين وهذا يوجب أنه قد أنزلها ووعده الحق فجحد القوم وكفروا بعد نزولها فمسخوا قردة وخنازير قال ابن عمر : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون قال الله تعالى {فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين} واختلف العلماء في المائدة هل نزلت أم لا؟ فالذي عليه الجمهور وهو الحق نزولها لقوله تعالى {إني منزلها عليكم} وقال مجاهد : ما نزلت وإنما هو ضرب مثل ضربه الله تعالى لخلقه فنهاهم عن مسألة الآيات لأنبيائه وقيل : وعدهم بالإجابة فلما قال لهم {فمن يكفر بعد منكم} الآية استعفوا منها، واستغفروا الله وقالوا : لا نريد هذا؛ قاله الحسن. وهذا القول الذي قبله خطأ والصواب أنها نزلت قال ابن عباس : إن عيسى ابن مريم قال لبني إسرائيل : (صوموا ثلاثين يوما ثم سلوا الله ما شئتم يعطكم) فصاموا ثلاثين يوما وقالوا : يا عيسى لو عملنا لأحد فقضينا عملنا لأطعمنا وإنا صمنا وجعنا فادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات فوضعوها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم وذكر أبو عبدالله محمد بن علي الترمذي الحكيم في نوادر الأصول له : حدثنا عمر بن أبي عمر قال حدثنا عمار بن هارون الثقفي عن زكرياء بن حكيم الحنظلي عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال : لما سألت الحواريون عيسى ابن مريم صلوات الله وسلامه عليه المائدة قام فوضع ثياب الصوف ولبس ثياب المسوح وهو سربال من مسوح أسود ولِحاف أسود فقام فألزق القدم بالقدم وألصق العقب بالعقب والإبهام بالإبهام، ووضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم طأطأ رأسه خاشعا لله ثم أرسل عينيه يبكى حتى جرى الدمع على لحيته وجعل يقطر على صدره ثم قال {اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قال الله إني منزلها عليكم} الآية. فنزلت سفرة حمراء مدورة بين غمامتين من فوقها وغمامة من تحتها والناس ينظرون إليها؛ فقال عيسى : (اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها فتنة إلهي أسألك من العجائب فتعطى) فهبطت بين يدي عيسى عليه السلام وعليها منديل مغطى فخر عيسى ساجدا والحواريون معه وهم يجدون لها رائحة طيبة ولم يكونوا يجدون مثلها قبل ذلك فقال عيسى : (أيكم أعبد لله وأجرأ على الله وأوثق بالله فليكشف عن هذه السفرة حتى نأكل منها ونذكر اسم الله عليها ونحمد الله عليها) فقال الحواريون : يا روح الله أنت أحق بذلك فقام عيسى صلوات الله عليه فتوضأ وضوءا حسنا وصلى صلاة جديدة ودعا دعاء كثيرا ثم جلس إلى السفرة فكشف عنها فإذا عليها سمكة مشوية ليس فيها شوك تسيل سيلان الدسم وقد نضد حولها من كل البقول ما عدا الكراث وعند رأسها ملح وخل وعند ذنبها خمسة أرغفة على واحد منها خمس رمانات وعلى الآخر تمرات وعلى الآخر زيتون قال الثعلبي : على واحد منها زيتون، وعلى الثاني عسل وعلى الثالث بيض وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد فبلغ ذلك اليهود فجاؤوا غما ينظرون إليه فرأوا عجبا فقال شمعون وهو رأس الحواريين : يا روح الله أمن طعام الدنيا أم من طعام الجنة؟ فقال عيسى صلوات الله عليه : (أما افترقتم بعد عن هذه المسائل ما أخوفني أن تعذبوا) فقال شمعون : وإله بني إسرائيل ما أردت بذلك سوءا فقالوا : يا روح الله لو كان مع هذه الآية آية أخرى قال عيسى عليه السلام : (يا سمكة احيي بإذن الله) فاضطربت السمكة طرية تَبِصُّ عيناها، ففزع الحواريون فقال عيسى : (ما لي أراكم تسألون عن الشيء فإذا أعطيتموه كرهتموه ما أخوفني أن تعذبوا) وقال : (لقد نزلت من السماء وما عليها طعام من الدنيا ولا من طعام الجنة ولكنه شيء ابتدعه الله بالقدرة البالغة فقال لها كوني فكانت) فقال عيسى : (يا سمكة عودي كما كنت) فعادت مشوية كما كانت فقال الحواريون : يا روح الله كن أول من يأكل منها، فقال عيسى : (معاذ الله إنما يأكل منها من طلبها وسألها) فأبت الحواريون أن يأكلوا منها خشية أن تكون مَثُلَة وفتنة فلما رأى عيسى ذلك دعا عليها الفقراء والمساكين والمرضى والزمنى والمجذمين والمقعدين والعميان وأهل الماء الأصفر، وقال : (كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم واحمدوا الله عليه) وقال : (يكون المهنأ لكم والعذاب على غيركم) فأكلوا حتى صدروا عن سبعة آلاف وثلاثمائة يتجشؤون فبرئ كل سقيم أكل منه واستغنى كل فقير أكل منه حتى الممات فلما رأى ذلك الناس ازدحموا عليه فما بقي صغير ولا كبير ولا شيخ ولا شاب ولا غني ولا فقير إلا جاؤوا يأكلون منه فضغط بعضهم بعضا فلما رأى ذلك عيسى جعلها نوبا بينهم فكانت تنزل يوما ولا تنزل يوما كناقة ثمود ترعى يوما وتشرب يوما فنزلت أربعين يوما تنزل ضحا فلا تزال حتى يفيء الفيء موضعه وقال الثعلبي : فلا تزال منصوبة يؤكل منها حتى إذا فاء الفيء طارت صعدا فيأكل منها الناس ثم ترجع إلى السماء والناس ينظرون إلى ظلها حتى تتوارى عنهم فلما تم أربعون يوما أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام (يا عيسى اجعل مائدتي هذه للفقراء دون الأغنياء) فتمارى الأغنياء في ذلك وعادوا الفقراء وشَكّوا وشكَّكُوا والناس فقال الله يا عيسى : (إني آخذ بشرطي) فأصبح منهم ثلاثة وثلاثون خنزيرا يأكلون العذرة يطلبونها بالأكباء والأكباء هي الكناسة واحدها كبا بعدما كانوا يأكلون الطعام الطيب وينامون على الفرش اللينة فلما رأى الناس ذلك اجتمعوا على عيسى يبكون، وجاءت الخنازير فجثوا على ركبهم قدام عيسى فجعلوا يبكون وتقطر دموعهم فعرفهم عيسى فجعل يقول : (ألست بفلان) ؟ فيومئ برأسه ولا يستطيع الكلام فلبثوا كذلك سبعة أيام ومنهم من يقول : أربعة أيام، ثم دعا الله عيسى أن يقبض أرواحهم فأصبحوا لا يدرى أين ذهبوا؟ الأرض ابتلعتهم أو ما صنعوا؟!. قلت : في هذا الحديث مقال ولا يصح من قبل إسناده وعن ابن عباس وأبي عبدالرحمن السلمي كان طعام المائدة خبزا وسمكا وقال ابن عطية : كانوا يجدون في السمك طيب كل طعام؛ وذكره الثعلبي وقال عمار بن ياسر وقتادة : كانت مائدة تنزل من السماء وعليها ثمار من ثمار الجنة. وقال وهب بن منبه : أنزله الله تعالى أقرصة من شعير وحيتانا وخرج الترمذي في أبواب التفسير عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما وأمروا ألا يخونوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا لغد فمسخوا قردة وخنازير) قال أبو عيسى : هذا حديث قد رواه أبو عاصم وغير واحد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس عن عمار بن ياسر موقوفا ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث الحسن بن قزعة حدثنا حميد بن مسعد قال حدثنا سفيان بن حبيب عن سعيد بن أبي عروبة نحوه ولم يرفعه، وهذا أصح من حديث الحسن بن قزعة ولا نعلم للحديث المرفوع أصلا وقال سعيد بن جبير : أنزل على المائدة كل شيء إلا الخبز واللحم. وقال عطاء : نزل عليها كل شيء إلا السمك واللحم. وقال كعب : نزلت المائدة منكوسة من السماء تطير بها الملائكة بين السماء والأرض عليها كل طعام إلا اللحم. قلت : هذه الثلاثة أقوال مخالفة لحديث الترمذي وهو أولى منها؛ لأنه إن لم يصح مرفوعا فصح موقوفا عن صحابي كبير والله أعلم والمقطوع به أنها نزلت وكان عليها طعام يؤكل والله أعلم بتعيينه وذكر أبو نعيم عن كعب أنها نزلت ثانية لبعض عباد بني إسرائيل قال كعب : اجتمع ثلاثة نفر من عباد بني إسرائيل فاجتمعوا في أرض فلاة مع كل رجل منهم اسم من أسماء الله تعالى فقال أحدهم : سلوني فأدعو الله لكم بما شئتم قالوا : نسألك أن تدعو الله أن يظهر لنا عينا ساحة بهذا المكان؛ ورياضا خضرا وعبقريا قال : فدعا الله فإذا عين ساحة ورياض خضر وعبقري ثم قال أحدهم سلوني فأدعوا الله لكم بما شئتم فقالوا : نسألك أن تدعو الله أن يطعمنا شيئا من ثمار الجنة فدعا الله فنزلت عليهم بسرة فأكلوا منها لا تقلب إلا أكلوا منها لونا ثم رفعت ثم قال أحدهم : سلوني فأدعو الله لكم بما شئتم؛ فقالوا : نسألك أن تدعو الله أن ينزل علينا المائدة التي أنزلها على عيسى قال : فدعا فنزلت فقضوا منها حاجتهم ثم رفعت وذكر تمام الخبر. مسألة : جاء في حديث سلمان المذكور بيان المائدة وأنها كانت سفرة لا مائدة ذات قوائم والسفرة مائدة النبي صلى الله عليه وسلم وموائد العرب خرج أبو عبدالله الترمذي الحكيم : حدثنا محمد بن بسار قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن يونس عن قتادة عن أنس قال ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان قط ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق قال : قلت لأنس فعلام كانوا يأكلون ؟ قال : على السفر قال محمد بن بشار : يونس هذا هو أبو الفرات الإسكاف. قلت : هذا حديث صحيح ثابت اتفق على رجاله البخاري ومسلم وخرجه الترمذي قال : حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا معاذ بن هشام فذكره وقال فيه : حسن غريب قال الترمذي أبو عبدالله : الخوان هو شيء محدث فعلته الأعاجم وما كانت العرب لتمتهنها وكانوا يأكلون على السفر واحدها سفرة وهي التي تتخذ من الجلود ولها معاليق تنضم وتنفرج فبالانفراج سميت سفرة لأنها إذا حلت معاليقها انفرجت فأسفرت عما فيها فقيل لها السفرة وإنما سمي السفر سفرا لإسفار الرجل بنفسه عن البيوت وقوله : ولا في سكرجة لأنها أوعية الأصباغ وإنما الأصباغ للألوان ولم تكن من سماتهم الألوان وإنما كان طعامهم الثريد عليه مقطعات اللحم وكان يقول (انهسوا اللحم نهسا فإنه أشهى وأمرأ) فإن قيل : فقد جاء ذكر المائدة في الأحاديث من ذلك حديث ابن عباس قال :( لو كان الضب حراما ما أكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم)؛ خرجه مسلم وغيره. وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تصلي الملائكة على الرجل ما دامت مائدته موضوعة) خرجه الثقات وقيل : إن المائدة كل شيء يمد ويبسط مثل المنديل والثوب وكان من حقه أن تكون مادة الدال مضعفة فجعلوا إحدى الدالين ياء فقيل : مائدة، والفعل واقع به فكان ينبغي أن تكون ممدودة ولكن خرجت في اللغة مخرج فاعل كما قالوا : سر كاتم وهو مكتوم وعيشة راضية وهي مرضية وكذلك خرج في اللغة ما هو فاعل على مخرج مفعول فقالوا : رجل مشؤوم وإنما هو شائم وحجاب مستور وإنما هو ساتر قال فالخوان هو المرتفع عن الأرض بقوائمه والمائدة ما مد وبسط والسفرة ما أسفر عما في جوفه وذلك لأنها مضمومة بمعاليقها وعن الحسن قال : الأكل على الخوان فعل الملوك وعلى المنديل فعل العجم وعلى السفرة فعل العرب وهو السنة والله أعلم.

التفسير الميسّر:

قال الله تعالى: إني منزل مائدة الطعام عليكم، فمن يجحد منكم وحدانيتي ونبوة عيسى عليه السلام بعد نزول المائدة فإني أعذبه عذابًا شديدًا، لا أعذبه أحدًا من العالمين. وقد نزلت المائدة كما وعد الله.

تفسير السعدي

{ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ } لأنه شاهد الآية الباهرة وكفر عنادا وظلما، فاستحق العذاب الأليم والعقاب الشديد. واعلم أن الله تعالى وعد أنه سينزلها، وتوعدهم -إن كفروا- بهذا الوعيد، ولم يذكر أنه أنزلها، فيحتمل أنه لم ينزلها بسبب أنهم لم يختاروا ذلك، ويدل على ذلك، أنه لم يذكر في الإنجيل الذي بأيدي النصارى، ولا له وجود. ويحتمل أنها نزلت كما وعد الله، والله لا يخلف الميعاد، ويكون عدم ذكرها في الأناجيل التي بأيديهم من الحظ الذي ذكروا به فنسوه. أو أنه لم يذكر في الإنجيل أصلا، وإنما ذلك كان متوارثا بينهم، ينقله الخلف عن السلف، فاكتفى الله بذلك عن ذكره في الإنجيل، ويدل على هذا المعنى قوله: { وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ } والله أعلم بحقيقة الحال.


تفسير البغوي

( قال الله ) تعالى مجيبا لعيسى عليه السلام ، ( إني منزلها عليكم ) يعني : المائدة وقرأ أهل المدينة وابن عامر وعاصم " منزلها " بالتشديد لأنها نزلت مرات ، والتفعيل يدل على التكرير مرة بعد أخرى ، وقرأ الآخرون بالتخفيف لقوله : أنزل علينا ، ( فمن يكفر بعد منكم ) أي : بعد نزول المائدة ( فإني أعذبه عذابا ) أي جنس عذاب ، ( لا أعذبه أحدا من العالمين ) يعني : عالمي زمانه ، فجحد القوم وكفروا بعد نزول المائدة فمسخوا قردة وخنازير ، قال عبد الله بن عمر : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون .

واختلف العلماء في المائدة هل نزلت أم لا؟ فقال مجاهد والحسن : لم تنزل لأن الله عز وجل لما أوعدهم على كفرهم بعد نزول المائدة خافوا أن يكفر بعضهم فاستعفوا ، وقالوا : لا نريدها ، فلم تنزل ، وقوله : " إني منزلها عليكم " ، يعني : إن سألتم .

والصحيح الذي عليه الأكثرون : أنها نزلت ، لقوله تعالى : " إني منزلها عليكم " ، ولا خلف في خبره ، لتواتر الأخبار فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين .

واختلفوا في صفتها فروى خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها نزلت خبزا ولحما ، وقيل لهم : إنها مقيمة لكم ما لم تخونوا [ وتخبؤوا ] فما مضى يومهم حتى خانوا وخبؤوا فمسخوا قردة وخنازير .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إن عيسى عليه السلام قال لهم : صوموا ثلاثين يوما ثم سلوا الله ما شئتم يعطكموه ، فصاموا فلما فرغوا قالوا : يا عيسى إنا لو عملنا لأحد فقضينا عمله لأطعمنا ، وسألوا الله المائدة فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها ، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعتها بين أيديهم ، فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم .

قال كعب الأحبار : نزلت [ مائدة ] منكوسة تطير بها الملائكة بين السماء والأرض ، عليها كل الطعام إلا اللحم .

وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنزل على المائدة كل شيء إلا الخبز واللحم ، قال قتادة كان عليها ثمر من ثمار الجنة .

وقال عطية العوفي : نزلت من السماء سمكة فيها طعم كل شيء .

وقال الكلبي : كان عليها خبز ورز وبقل .

وقال وهب بن منبه : أنزل الله أقرصة من شعير وحيتانا وكان قوم يأكلون ثم يخرجون ويجيء آخرون فيأكلون حتى أكلوا جميعهم وفضل .

وعن الكلبي ومقاتل : أنزل الله خبزا وسمكا وخمسة أرغفة ، فأكلوا ما شاء الله تعالى ، والناس ألف ونيف فلما رجعوا إلى قراهم ، ونشروا الحديث ضحك منهم من لم يشهد ، وقالوا : ويحكم إنما سحر أعينكم ، فمن أراد الله به الخير ثبته على بصيرته ، ومن أراد فتنته رجع إلى كفره ، ومسخوا خنازير ليس فيهم صبي ولا امرأة ، فمكثوا بذلك ثلاثة أيام ثم هلكوا ، ولم يتوالدوا ولم يأكلوا ولم يشربوا ، وكذلك كل ممسوخ .

وقال قتادة : كانت تنزل عليهم بكرة وعشيا حيث كانوا كالمن والسلوى لبني إسرائيل ، وقال عطاء بن أبي رباح عن سلمان الفارسي لما سأل الحواريون المائدة لبس عيسى عليه السلام صوفا وبكى ، وقال : " اللهم أنزل علينا مائدة من السماء " الآية فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين غمامة من فوقها وغمامة من تحتها ، وهم ينظرون إليها وهي تهوي منقضة حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى ، وقال : اللهم اجعلني من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عقوبة ، واليهود ينظرون إلى شيء لم يروا مثله قط ولم يجدوا ريحا أطيب من ريحه ، فقال عيسى عليه السلام : ليقم أحسنكم عملا فيكشف عنها ويذكر اسم الله تعالى ، فقال شمعون الصفار رأس الحواريين : أنت أولى بذلك منا [ فقام عيسى عليه السلام ] فتوضأ وصلى صلاة طويلة وبكى كثيرا ، ثم كشف المنديل عنها ، وقال : بسم الله خير الرازقين فإذا هو سمكة مشوية ليس عليها فلوسها ولا شوك عليها تسيل من الدسم وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل ، وحولها من ألوان البقول ما خلا الكراث ، وإذا خمسة أرغفة على واحد زيتون ، وعلى الثاني عسل ، وعلى الثالث سمن ، وعلى الرابع جبن ، وعلى الخامس قديد ، فقال شمعون : يا روح الله أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الآخرة؟ فقال : ليس شيء مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة ، ولكنه شيء افتعله الله تعالى بالقدرة الغالبة ، كلوا مما سألتم يمددكم ويزدكم من فضله ، قالوا : يا روح الله كن أول من يأكل منها ، فقال عيسى عليه السلام : معاذ الله أن آكل منها ولكن يأكل منها من سألها فخافوا أن يأكلوا منها ، فدعا لها أهل الفاقة والمرضى وأهل البرص والجذام والمقعدين والمبتلين ، فقال : كلوا من رزق الله ولكم المهنأ ولغيركم البلاء ، فأكلوا وصدر عنها ألف وثلاثمائة رجل وامرأة من فقير ومريض وزمن ومبتلى ، كلهم شبعان ، وإذا السمكة بهيئتها حين نزلت ، ثم طارت سفرة المائدة صعدا وهم ينظرون إليها حتى توارت ، فلم يأكل منها زمن ولا مريض ولا مبتلى إلا عوفي ولا فقير إلا استغنى ، وندم من لم يأكل منها فلبثت أربعين صباحا تنزل ضحى ، فإذا نزلت اجتمعت الأغنياء والفقراء والصغار والكبار والرجال والنساء ، ولا تزال منصوبة يؤكل منها حتى إذا فاء الفيء طارت وهم ينظرون في ظلها حتى توارت عنهم ، وكانت تنزل غبا تنزل يوما ولا تنزل يوما كناقة ثمود ، فأوحى الله تعالى [ إلى عيسى عليه السلام ] اجعل مائدتي ورزقي للفقراء دون الأغنياء ، فعظم ذلك على الأغنياء حتى شكوا وشككوا الناس فيها ، وقالوا : أترون المائدة حقا تنزل من السماء؟ فأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام : إني شرطت أن من كفر بعد نزولها عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، فقال عيسى عليه السلام : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثون رجلا باتوا من ليلتهم على فرشهم مع نسائهم فأصبحوا خنازير يسعون في الطرقات والكناسات ، ويأكلون العذرة في الحشوش فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى عليه السلام وبكوا فلما أبصرت الخنازير عيسى عليه السلام بكت وجعلت تطيف بعيسى عليه السلام وجعل عيسى يدعوهم بأسمائهم فيشيرون برءوسهم ويبكون ولا يقدرون على الكلام ، فعاشوا ثلاثة أيام ثم هلكوا .


الإعراب:

(قالَ اللَّهُ) الجملة الفعلية مستأنفة (إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) إن والياء اسمها ومنزلها خبرها الذي تعلق به الجار والمجرور عليكم والجملة مقول القول (فَمَنْ) الفاء استئنافية ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ وخبره جملة (يَكْفُرْ).

(بَعْدُ) ظرف زمان مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة، متعلق بفعل الشرط يكفر و(مِنْكُمْ) متعلقان بمحذوف حال.

(فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ) الفاء رابطة لجواب الشرط، وإن والياء اسمها وجملة أعذبه خبرها والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا (عَذاباً) مفعول مطلق (لا أُعَذِّبُهُ) لا نافية أعذب مضارع والهاء ضمير متصل في محل نصب نائب مفعول مطلق لعودته إليه والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا (أَحَداً) مفعول به (مِنَ الْعالَمِينَ) متعلقان بمحذوف صفة أحدا، وجملة لا أعذبه أحدا في محل نصب صفة عذابا وجملة فإني في محل جزم جواب شرط.

---

Traslation and Transliteration:

Qala Allahu innee munazziluha AAalaykum faman yakfur baAAdu minkum fainnee oAAaththibuhu AAathaban la oAAaththibuhu ahadan mina alAAalameena

بيانات السورة

اسم السورة سورة المائدة (Al-Maidah - The Table Spread)
ترتيبها 5
عدد آياتها 120
عدد كلماتها 2837
عدد حروفها 11892
معنى اسمها (المَائِدَةُ): الخِوانُ - أَو الطَّاوِلَةُ - يُوضَعُ عَلَيهَا الطَّعامُ وَالشَّرَابُ، وَتُطْلَقُ المَائِدَةُ عَلَى الطَّعَامِ نَفْسِهِ
سبب تسميتها انفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ قِصَّةِ نُزُولِ المَائِدَةِ التِي طَلَبَهَا الحَوَارِيُّونَ مِنْ عِيسَى عليه السلام، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلى المَقْصِدِ العَامِّ للسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (المَائِدَةِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (العُقُودِ)، وَسُورَةَ (المُنقِذَةِ)، وَسُورَةَ (الأَحْبَارِ)
مقاصدها الرِّضَا وَالتَّسْلِيمُ بِالأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي فَرَضَهَا اللهُ تَعَالَى فِي السُّورَةِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها نَزَلَتْ بِكَيْفِيَّةٍ فَرِيدَةٍ لِأَهَمِيَّتِهَا، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنه قال: «أُنزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سُورَةُ الْمَائِدَةِ وهو رَاكِبٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَحْمِلَهُ فَنَزَلَ عَنْهَا». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَحمَدُ). هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (المَائدةِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ الصِّدقِ فِي الوَفَاءِ بِالعُقُودِ وَعَاقِبَةِ الصِّدْقِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ ...١﴾ ...الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ ...١١٩﴾ ...الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْمَائِدَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (النِّسَاءِ): اخْتُتِمَتِ (النِّسَاءُ) بِأَحْكَامِ المَوَارِيثِ وافْتُتِحَتِ (المَائِدَةُ) بِأحْكَامِ العُقُودِ، وكِلَاهُمَا مِنْ أَحْكَامِ العَلَاقَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ فِي الإِسْلَامِ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!