المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة البقرة: [الآية 78]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة البقرة | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)
أصل التكاليف مشتق من الكلف وهي المشقات «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» وهو ما آتاها من التمكن الذي هو وسعها ، فقد خلق سبحانه لنا التمكن من فعل بعض الأعمال ، نجد ذلك من نفوسنا ولا ننكره ، وهي الحركة الاختيارية ، كما جعل سبحانه فينا المانع من بعض الأفعال الظاهرة فينا ، ونجد ذلك من نفوسنا ، كحركة المرتعش الذي لا اختيار للمرتعش فيها ، وبذلك القدر من التمكن الذي يجده الإنسان في نفسه صح أن يكون مكلفا ، ولا يحقق الإنسان بعقله لما ذا يرجع ذلك التمكن ، هل لكونه قادرا أو لكونه مختارا ؟ وإن كان مجبورا في اختياره ، ولا يمكن رفع الخلاف في هذه المسألة ، فإنها من المسائل المعقولة ولا يعرف الحق فيها إلا بالكشف ، وإذا بذلت النفس الوسع في طاعة اللّه لم يقم عليها حجة ،
فإن اللّه أجلّ أن يكلف نفسا إلا وسعها ، ولذلك كان الاجتهاد في الفروع والأصول «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» لما كانت النفوس ولاة الحق على الجوارح ، والجوارح مأمورة مجبورة غير مختارة فيما تصرف فيه ، مطيعة بكل وجه ، والنفوس ليست كذلك ، فإذا عملت لغير عبادة لا يقبل العمل من حيث القاصد لوقوعه الذي هو النفس المكلفة ، لكن من حيث أن العمل صدر من الجوارح أو من جارحة مخصوصة ، فإنها تجزى به تلك الجارحة ، فيقبل العمل لمن ظهر منه ولا يعود منه على النفس الآمرة به للجوارح شيء إذا كان العمل خيرا بالصورة كصلاة المرائي والمنافق وجميع ما يظهر على جوارحه من أفعال الخير الذي لم تقصد به النفس عبادة ، وأما أعمال الشر المنهي عنها فإن النفس تجزى بها للقصد ، والجوارح لا تجزى بها لأنها ليس في قوتها الامتناع عما تريد النفوس بها من الحركات ، فإنها مجبورة على السمع والطاعة لها ، فإن جارت النفوس فعليها ، وللجوارح رفع الحرج ، بل لهم الخير الأتم ، وإن عدلت النفوس فلها وللجوارح ، لذلك قال تعالى : «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فميز اللّه بين الكسب والاكتساب باللام وعلى ، وهذه الآية بشرى من اللّه حيث جعل المخالفة اكتسابا والطاعة كسبا ، فقال : «لَها ما كَسَبَتْ» فأوجبه لها .
وقال في المعصية والمخالفة : «وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فما أوجب لها الأخذ بما اكتسبته ، فالاكتساب ما هو حق لها فتستحقه ، فتستحق الكسب ولا تستحق الاكتساب ، والحق لا يعامل إلا بالاستحقاق ، والعفو من اللّه يحكم على الأخذ بالجريمة «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» اعلم أن الرحمة أبطنها اللّه في النسيان الموجود في العالم ، وأنه لو لم يكن لعظم الأمر وشق ، وفيما يقع فيه التذكر كفاية ، وأصل هذا وضع الحجاب بين العالم وبين اللّه في موطن التكليف ، إذ كانت المعاصي والمخالفات مقدرة في علم اللّه فلا بد من وقوعها من العبد ضرورة ، فلو وقعت مع التجلي والكشف لكان مبالغة في قلة الحياء من اللّه حيث يشهده ويراه ، والقدر حاكم بالوقوع فاحتجب رحمة بالخلق لعظيم المصاب ، قال صلّى اللّه عليه وسلم:
إن اللّه إذا أراد نفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم ، حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا ، وقال صلّى اللّه عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، فلا يؤاخذهم اللّه به في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما في الآخرة فمجمع عليه من الكل ، وأما في الدنيا فأجمعوا على رفع الذنب ، واختلفوا في الحكم ، وكذلك في الخطأ على قدر ما شرع الشارع في
أشخاص المسائل ، مثل الإفطار ناسيا في رمضان وغير ذلك من المسائل ، فإن اللّه تعالى الذي شرع المعصية والطاعة وبيّن حكمهما ، رفع حكم الأخذ بالمعصية في حق الناسي والمخطئ «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» وهذا تعليم من الحق لنا أن نسأله في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال ، «وَاعْفُ عَنَّا» أي كثر خيرك لنا وقلل بلاءك عنا ، أي قلل ما ينبغي أن يقلل وكثر ما ينبغي أن يكثر ، فإن العفو من الأضداد يطلق بإزاء الكثرة والقلة ، وليس إلا عفوك عن خطايانا التي طلبنا منك أن تسترنا عنها حتى لا تصيبنا ، وهو قولنا : «وَاغْفِرْ لَنا» أي استرنا من المخالفات حتى لا تعرف مكاننا فتقصدنا «وَارْحَمْنا» برحمة الامتنان ورحمة الوجوب ، أي برحمة الاختصاص.
------------
(286) التنزلات الموصلية - الفتوحات ج 1 / 341 - ج 2 / 381 - ج 3 / 348 ، 123 ، 511 - ج 2 / 535 ، 684 - ج 3 / 381 - ج 1 / 435 ، 434تفسير ابن كثير:
يقول تعالى : ( ومنهم أميون ) أي : ومن أهل الكتاب ، قاله مجاهد : والأميون جمع أمي ، وهو : الرجل الذي لا يحسن الكتابة ، قاله أبو العالية ، والربيع ، وقتادة ، وإبراهيم النخعي ، وغير واحد وهو ظاهر في قوله تعالى : ( لا يعلمون الكتاب ) [ إلا أماني ] ) أي : لا يدرون ما فيه . ولهذا في صفات النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمي ; لأنه لم يكن يحسن الكتابة ، كما قال تعالى : ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون ) [ العنكبوت : 48 ] وقال عليه الصلاة والسلام : " إنا أمة أمية ، لا نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا وهكذا وهكذا " الحديث . أي : لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب وقال تعالى : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) [ الجمعة : 2 ] .
وقال ابن جرير : نسبت العرب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتاب دون أبيه ، قال : وقد روي عن ابن عباس ، رضي الله عنهما قول خلاف هذا ، وهو ما حدثنا به أبو كريب : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : ( ومنهم أميون ) قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ، ولا كتابا أنزله الله ، فكتبوا كتابا بأيديهم ، ثم قالوا لقوم سفلة جهال : ( هذا من عند الله ) وقال : قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ، ثم سماهم أميين ، لجحودهم كتب الله ورسله . ثم قال ابن جرير : وهذا التأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم . وذلك أن الأمي عند العرب : الذي لا يكتب .
قلت : ثم في صحة هذا عن ابن عباس ، بهذا الإسناد ، نظر . والله أعلم .
قوله تعالى : ( إلا أماني ) قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس : ( إلا أماني ) إلا أحاديث .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : ( إلا أماني ) يقول : إلا قولا يقولونه بأفواههم كذبا . وقال مجاهد : إلا كذبا . وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج عن مجاهد : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) قال : أناس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا ، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ، ويقولون : هو من الكتاب ، أماني يتمنونها . وعن الحسن البصري ، نحوه .
وقال أبو العالية ، والربيع وقتادة : ( إلا أماني ) يتمنون على الله ما ليس لهم .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( إلا أماني ) قال : تمنوا فقالوا : نحن من أهل الكتاب . وليسوا منهم .
قال ابن جرير : والأشبه بالصواب قول الضحاك عن ابن عباس ، وقال مجاهد : إن الأميين الذين وصفهم الله أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزل الله على موسى شيئا ، ولكنهم يتخرصون الكذب ويتخرصون الأباطيل كذبا وزورا . والتمني في هذا الموضع هو تخلق الكذب وتخرصه . ومنه الخبر المروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه : " ما تغنيت ولا تمنيت " . يعني ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون ) ولا يدرون ما فيه ، وهم يجحدون نبوتك بالظن .
وقال مجاهد : ( وإن هم إلا يظنون ) يكذبون .
وقال قتادة : وأبو العالية ، والربيع : يظنون الظنون بغير الحق .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ وَمِنْهُمْ } أي: من أهل الكتاب { أُمِّيُّونَ } أي: عوام, ليسوا من أهل العلم، { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ } أي: ليس لهم حظ من كتاب الله إلا التلاوة فقط, وليس عندهم خبر بما عند الأولين الذين يعلمون حق المعرفة حالهم, وهؤلاء إنما معهم ظنون وتقاليد لأهل العلم منهم. فذكر في هذه الآيات علماءهم, وعوامهم, ومنافقيهم, ومن لم ينافق منهم, فالعلماء منهم متمسكون بما هم عليه من الضلال، والعوام مقلدون لهم, لا بصيرة عندهم فلا مطمع لكم في الطائفتين.
تفسير البغوي
وقوله تعالى: {ومنهم أميون} أي من اليهود أميون لا يحسنون القراءة والكتابة، جمع أمي منسوب إلى الأم كأنه باق على ما انفصل من الأم لم يتعلم كتابة ولا قراءة.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب".
وقيل: هو منسوب إلى أم القرى وهي مكة.
{لا يعلمون الكتاب إلا أماني} قرأ أبو جعفر: أماني بتخفيف الياء كل القرآن حذف إحدى الياءين (تخفيفاً)، وقراءة العامة بالتشديد، وهي جمع الأمنية وهي التلاوة.
قال الله تعالى: {إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} [52-الحج] أي في قراءته، قال أبو عبيدة: "إلا تلاوته وقراءته عن ظهر القلب لا يقرؤونه من كتاب"، وقيل: يعلمونه حفظاً وقراءة لا يعرفون معناه.
وقال ابن عباس: "يعني غير عارفين بمعاني الكتاب"، وقال مجاهد وقتادة: "إلا كذباً وباطلاً".
قال الفراء: "الأماني: الأحاديث المفتعلة"، قال عثمان رضي الله عنه: "ما تمنيت منذ أسلمت (أي ما كذبت)"؛ وأراد بها الأشياء التي كتبها علماؤهم من عند أنفسهم ثم أضافوها إلى الله عز وجل من تغيير نعت النبي صلى الله عليه وسلم وغيره.
وقال الحسن وأبو العالية: "هي من التمني، وهي أمانيهم الباطلة التي تمنوها على الله عز وجل مثل قولهم: {لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى} [111-البقرة]، وقولهم: {لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة}[80-البقرة]، وقولهم: {نحن أبناء الله وأحباؤه} [18- المائدة] فعلى هذا تكون (إلا) بمعنى (لكن) أي لا يعلمون الكتاب لكن يتمنون أشياء تحصل لهم".
{وإن هم} وما هم.
{إلا يظنون} "وما هم إلا يظنون ظناً وتوهماً لا يقيناً" قاله قتادة والربيع.
قال مجاهد: "يكذبون".
الإعراب:
(وَمِنْهُمْ) الواو استئنافية، منهم متعلقان بمحذوف خبر مقدم.
(أُمِّيُّونَ) مبتدأ مؤخر مرفوع بالواو.
(لا يَعْلَمُونَ) لا نافية يعلمون، فعل مضارع وفاعل والجملة في محل رفع صفة.
(الْكِتابَ) مفعول به.
(إِلَّا) أداة استثناء.
(أَمانِيَّ) مستثنى منصوب والجملة الاسمية ومنهم أميون استئنافية.
(وَإِنْ) الواو عاطفة إن بمعنى ما نافية.
(هُمْ) ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
(إِلَّا) أداة حصر.
(يَظُنُّونَ) الجملة خبر هم والجملة الاسمية معطوفة.