
لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية
وهو كتاب الطبقات الكبرى
تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني
![]() |
![]() |
ومنهم الإمام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ورحمه
وكان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ووساده وسواكه ونعليه وطهوره في السفر وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه وسمته وكان رضي الله عنه من أجود الناس ثوباً ومن أطيب الناس ريحاً تعظيماً لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حمله، وكان هو الذي يلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه ويمشي أمامه بالعصا حتى يدخل أمامه الحجرة فإذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه نزع نعليه فأدخلهما في ذراعيه وأعطاه العصا.
وكان رضي الله عنه دقيق الساقين فكان بعض الصحابة يضحك من دقة ساقيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد " ، وكان صلى الله عليه وسلم يستمع لقراءته في الليل ويقول: " من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما أنزل فليقرأه على قراءة عبد الله بن مسعود " وكان رضي الله عنه قليل الصوم، كثير الصلاة، فقيل له في ذلك فقال إني إذا صمت ضعفت عن الصلاة والصلاة عندي أهم، وسمع رجلا يقول: اللهم إني أحب أن أكون من المقربين ولا أحب أن أكون من أصحاب اليمين، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: هاهنا رجل يود أنه إذا مات لا يبعث يعني نفسه، وكان رضي الله عنه يبكي، ويلاقي دموعه بكفيه، ثم يقول بدموعه هكذا يرش بها الأرض، وخرج مرة معه ناس يشيعونه فقال لهم: ألكم حاجة فقالوا لا فقال: ارجعوا فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع، وكان يقول لو تعلمون مني ما أعلمه من نفسي لحثيتم على رأس التراب، وكان يقول حبذا المكروهان الموت والفقر، وكان رضي الله عنه يقول ما أصبحت قط على حالة فتمنيت أن أكون على سواها، وكان يقول إن الرجل ليدخل على السلطان ومعه دينه فيخرج ولا دين معه لأنه تعرض أن يعصي الله تعالى إما بفعله وإما بسكوته وإما باعتقاده، وكان يقول لو أن رجلا قام بين الركن والمقام يعبد الله تعالى سبعين سنة وهو يحب ظالماً لبعثه الله تعالى يوم القيامة مع من يحب.
ولما مرض رضي الله عنه عاده عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال له: ما تشتكي قال ذنوبي قال فما تشتهي: قال: رحمة ربي قال له ألا آمر لك بطبيب قال: الطبيب أمرضني قال ألا آمر لك بعطاء قال لا حاجة لي فيه، قال يكون لبناتك قال أتخشى على بناتي الفقر وقد أمرتهن أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من قرأ الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً " .
وكان من دعائه: اللهم إني أسألك إيماناً لا يرتد ونعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ومرافقة نبيك صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد، وكان رضي الله عنه يقول: ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم بالخشية، وكان رضي الله عنه يقول ويل لمن لا يعلم ولا شاء الله لعلمه وويل لمن يعلم ثم لا يعمل سبع مرات، وكان يقول ذهب صفو الدنيا وبقي كدرها، والموت اليوم تحفة لكل مسلم، وكان يقول: لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحل بذروته ولا يحل بذروته حتى يكون الفقر أحب إليه من الغنى، والذل أحب إليه من العز، وحتى يكون حامده وذامه عنده سواء، وفسر هذه الجملة أصحابه فقالوا حتى يكون الفقر في الحلال أحب إليه من الغنى في الحرام، والتواضع في طاعة الله أحب إليه من الشرف في معصية الله وحتى يكون حامده وذامه عنده في الحق سواء لا يميل إلى من يحمده أكثر ممن يذمه، وكان يقول: لأن بعض أحدكم على جمرة حتى تطفأ خير له من أن يقول لأمر قضاه الله ليت هذا لم يكن وكان يقول: لأصحابه أنتم أطول صلاة وأكثر اجتهاداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم كانوا أزهد منكم في الدنيا وأرغب منكم في الآخرة، وكان يقول إن الرجل لا يكون غائباً عن المنكر في بيوت الولاة، ويكون عليه مثل وزر من حضر وذلك لأنه يبلغه فيرضى به ويسكت عليه، والله أعلم.
![]() |
![]() |