موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية

وهو كتاب الطبقات الكبرى

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومنهم أبو محمد سهل بن عبد الله رحمه الله

ابن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع التستري رضي الله عنه: هو أحد أئمة القوم ومن أكابر علمائهم المتكلمين في علوم الإخلاص والرياضات وغيوب الأفعال. صحب خالداً ومحمد بن سوار وشاهد ذا النون المصري عند خروجه إلى مكة في سنة ثلاث وسبعين ومائتين ومات سهل سنة ثلاث وثمانين ومائتين، ومن كلامه رضي الله عنه الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وإذا انتبهوا ندموا وإذا ندموا لم تنفعهم الندامة، وكان رضي الله عنه يقول: ما طلعت شمس ولا غربت على أهل الأرض إلا وهم جهال الله إلا من يؤثر الله على نفسه وزوجته ودنياه وآخرته، وأدنى الأدب أن يقف عند الجهل وآخر الأدب أن يقف عند الشبهة، وكان يقول: إن الله مطلع على القلوب في ساعات الليل والنهار، فأيما قلب رأى فيه حاجة إلى سواه سلط عليه إبليس، وكان يقول: يلزم الصوفي ثلاثة أشياء حفظ سره وصيانة فقره وأداء فرضه، وكان رضي الله عنه يقول الله: قبلة النية والنية قبلة القلب والقلب قبلة البدن والبدن قبلة الجوارح والجوارح قبلة الدنيا، وكان يقول: من سلم من الظن سلم من التجسس، ومن سلم من التجسس سلم من الغيبة ومن سلم من الغيبة سلم من الزور ومن سلم من الزور سلم من البهتان، وكان يقول: لا يستحق الإنسان الرياسة حتى يصرف جهله عن الناس ويحمل جهلهم ويترك ما في أيديهم ويبذل ما في يده لهم، وكان يقول: من أخلاق الصديقين ألا يحلفوا بالله لا صادقين ولا كاذبين، ولا يغتابون ولا يغتاب عندهم ولا يشبعون بطونهم وإذا وعدوا لم يخلفوا، وكان رضي الله عنه يقول: الفتنة على ثلاثة أقسام فتنة العامة دخلت عليهم من صناعة العلم، وفتنة الخاصة دخلت عليهم من تأخير الحق الواجب إلى وقت آخر، وأكل الحلال، وكف الأذى، واجتناب المعاصي، والتوبة وأداء الحقوق.

وكان يقول: من أحب أن يطلع الناس على ما بينه وبين الله فهو غافل، وكان يقول لقد أيس العلماء في زماننا هذا من هذه الثلاث خصال، ملازمة التوبة ومتابعة السنة وترك أذى الخلق، وكان يقول: العيش على أربعة أقسام عيش الملائكة في الطاعة، وعيش الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في العلم، وانتظار الوحي وعيش الصديقين في الاقتداء، وعيش سائر الناس عالماً كان أو جاهلا زاهداً كان، أو عابداً في الأكل والشرب والضرورة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام والقوام للصديقين، والقوت للمؤمنين، والمعلوم للبهائم، وكان رضي الله عنه يقول: ما عمل عبد بما أمره الله تعالى عند فساد الأمور وتشويش الزمان واختلاف الناس في الرأي إلا جعله تعالى إماماً يقتدي به هادياً مهدياً، وكان غريباً في زمانه.

وسئل عن الولي فقال: هو الذي تولت أفعاله على الموافقة.

وسئل عن ذات الله عز وجل فقال: ذات موصوفة بالعلم غير مدركة بالإحاطة، ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا، وهي موجودة بحقائق الإيمان من غير حد ولا حلول وتراه العيون في العقبى ظاهراً في ملكه وقدرته، وقد حجب سبحانه وتعالى الخلق عن معرفة كنه ذاته ودلهم عليه بآياته، فالقلوب تعرفه والأبصار لا تدركه، ينظر إليه المؤمنون بالأبصار من غير إحاطة ولا إدراك نهاية.

وكان رضي الله عنه يقول: إن الله تعالى خلق الخلق ولم يحجبهم عنه وإنما جاءهم الحجاب من تدبيرهم واختيارهم مع الله تعالى وذلك هو الذي كدر على الخلق عيشهم وكان رضي الله عنه يقول: مخالطة الولي للناس ذل، وتفرده عنهم عز، وقلما رأيت ولياً لله عز وجل إلا منفرداً.

وكان رضي الله عنه، يقول: ما من ولي لله صحت ولايته إلا ويحضر إلى مكة في كل ليلة جمعة لا يتأخر عن ذلك وكان رضي الله عنه يقول: أنا حجة الله على الخلق وأنا حجة على أولياء زماني فبلغ ذلك أبا زكريا الساجي وأبا عبد الله الزبيري فذهبا إليه فقال له: أبو عبد الله الزبيري، وكان جسوراً لأنه ضرير بلغنا عنك أنك تقول أنا حجة الله على الخلق وأنا حجة الله على أولياء زماني فبماذا صرت. هل أنت نبي أو صديق، فقال: سهل لم أذهب حيث ظننت ولست أنا نبياً إنما قلت هذا لأنني صححت أكل الحلال دون غيري، فقال له: وأنت صححت الحلال قال: نعم لا آكل دائماً إلا حلالا، فقال له الزبيري: وكيف ذلك، فقال له: سهل قسمت عقلي ومعرفتي وقوتي على سبعة أجزاء، فأترك الأكل حتى يذهب عنها ستة أجزاء، ويبقى جزء واحد فإذا خفت أن يذهب ذلك الجزء وتتلف معه نفسي أكلت بقدر البلغة خوفاً أن أكون أعنت على نفسي ولترد على الستة الأخرى.

فبهذا صح لي الحلال، فقال الزبيري: نحن لا نقدر على المداومة على هذا، ولا نعرف أن نقسم عقولنا ومعرفتنا وقوتنا على سبعة أجزاء اعترفاً بفضل سهل رضي الله عنه، وكان يقول: يأتي على الناس زمان يذهب الحلال من أيدي أغنيائهم وتكون أموالهم من غير حلها فيسلط الله بعضهم على بعض يعني بالأذى والمرافعات عند الحكام فتذهب لذة عيشهم ويلزم قلوبهم خوف فقر الدنيا، وخوف شماتة الأعداء، ولا يجد لذة العيش إلا عبيدهم ومماليكهم، وتكون ساداتهم في بلاء وشقاء وعناء وخوف من الظالمين، ولا يستلذ بعيش يومئذ إلا منافق لا يبالي من أين أخذ ولا فيما أنفق ولا كيف أهلك نفسه، وحينئذ تكون رتبة القراء رتبة الجهال، وعيشهم عيش الفجار وموتهم موت أهل الحيرة والضلال، وكان رضي الله عنه يقول: اجتمعت بشخص من أصحاب المسيح عليه الصلاة والسلام في ديار قوم عاد فسلمت عليه فرد علي السلام فرأيت عليه جبة صوف فيها طراوة، فقال لي: إنها علي من أيام المسيح فتعجبت من ذلك فقال يا سهل، إن الأبدان لا تخلق الثياب إنما يخلقها رائحة الذنوب، ومطاعم السحت فقلت له: فكم لهذه الجبة عليك فقال لها على سبعمائة سنة فقلت له: هل اجتمعت بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: نعم وآمنت به حين آمن به الجن الذين أوحى إليه في حقهم " قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن " قلت ومن هنا كان الخضر عليه السلام لا تبلى له ثياب لأنه لا يعصي الله تعالى ولا يأكل حراماً وكما لا يبلى لآكل الحلال ثياب فكذلك لا يبلى له جسم بعد موته كما وقع لبعض الأولياء وجدناه طرياً كما وضعناه بعد سنين والله تعالى أعلم.

وكان رضي الله عنه يقول: إياكم ومعاداة من شهره الله تعالى بالولاية وإنه كان بالبصرة ولي الله تعالى فعاداه قوم وآذوه فغضب الله عليهم فأهلكهم أجمعين في ليلة، وكان يقول طوبى لمن تعرف بالأولياء، فإنه إذا عرفهم استدرك ما فاته من الطاعات، وإن لم يستدرك شفعوا عند الله فيه لأنهم أهل الفتوة، وكان رضي الله عنه يقول: الدنيا حرام على صفوة الله من خلقه حرم عليهم أن ينالوا منها شيئاً كما حرم الله على الخلق أن يأكلوا من صيد الحرم ومن كل منه لزمته الفدية كذلك من أكل من أهل صفوته شيئاً من الدنيا ليس له فدية إلا ترك الطاعات، وكان يقول إذا قام العبد بما لله تعالى عليه، فحقيق على الله أن يقوم بما كان العبد قائماً به لنفسه، وكان رضي الله عنه يقول: من لم يكن مطعمه من الحلال لم يكشف عن قلبه حجاب، وتسارعت إليه العقبات ولا تنفعه صلاته ولا صومه ولا صدقته، وكان رضي الله عنه يقول: إنما حجب الخلق عن مشاهدة الملكوت وعن الوصول بسوء المطعم وأذى الخلق، وكان يقول لأصحابه ما دامت النفس تطلب منكم المعصية فأدبوها بالجوع والعطش، فإذا لم ترد منكم المعصية فأطعموها ما شاءت، واتركوها تنام من الليل ما أحبت.

وسئل رضي الله عنه عن الذي لم يأكل طعاماً أياماً كثيرة أين يذهب لهب جوعه فقال يطفئه نور القلب وكان رضي الله عنه يقول: حياة القلوب التي تموت بذكر الحي الذي لا يموت، وكان رضي الله عنه يقول: من كمل إيمانه لم يخف من شيء، سوى الله تعالى وكان يقول: خيار الناس العلماء الخائفون وخيار الخائفين المخلصون الذين وصلوا إخلاصهم بالموت رضي الله تعالى عنهم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!