ومنهم أبو العباس أحمد بن مسروق رضي الله عنه ورحمه
من أفضل أهل طوس وسكن بغداد ومات بها سنة تسع وتسعين ومائتين صحب الحارث المحاسبي والسري وغيرهما وكان من كبار مشايخ القوم وعلمائهم وكان رضي الله عنه يقول: لا ينبغي للفقير سماع التغزلات إلا إن كان مستقيماً في الظاهر والباطن قوي الحال إماماً في العلم وأما أمثالنا فلا يليق بنا سماعها لأن قلوبنا لم تألف الطاعات إلا تكلفاً ونخشى إن أبحنا لها رخصة أن تتعدى إلى رخص وكان رضي الله عنه يقول: من لم يحترز بعقله من عقله لعقله هلك بعقله وكان يقول من كان مؤدبه ربه لا يغلبه أحد، وكان يقول: الزاهد هو الذي لا يملك مع الله سبباً، وكان يقول: لا أزال أحن إلى بدو إرادتي وقوة همتي وركوبي الأهوال طمعاً في الوصول وها أنا الآن في أيام الفترة أتأسف على أوقاتي الماضية، وأتمنى صفاء وقت فلا أجده، وكان يقول: المؤمن يتقوى بذكر الله تعالى كما وقع لسيدتنا فاطمة رضي الله عنه حين طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم خادماً ليطحن معها فعلمها النبي صلى الله عليه وسلم التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقال: هن لك أحسن من خادم وأما المنافق فلا يتقوى إلا بالطعام والشراب فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وكان يقول: ما سر أحد بغير الحق إلا أورثه ذلك السرور الهموم والأحزان، وجاءه مرة شخص فدخل داره لوليمة كانت عند أبي العباس بلا دعوة، فقال أبو العباس: لله علي أن لا أدعه إلا على خدي حتى يجلس موضع الأكل، فوضع خده على الأرض ومشى عليه الرجل إلى أن بلغ إلى موضع جلوسه، وصار يقول: مثل هذا الرجل يتواضع لي ويحضر وليمتي بأي شيء أكافئه، وكان يقول: رأيت القيامة قد قامت ورأيت موائد نصبت، فأردت أن أجلس عليها فقالوا لي هذه للصوفية فقلت: أنا منهم فقال لي ملك: قد كنت منهم ولكن شغلك عن اللحوق بهم كثرة الحديث وحبك التمييز على الأقران، فقلت تبت إلى الله تعالى واستيقظت فأقبلت على طريق القوم وقلت للحديث رجال غيري وكان رضي الله عنه يقول لأصحابه عليكم بالتقلل من المآكل، والملابس والنوم فقد كنت في بدء أمري ألبس المسوح والليف، وكنت أجتمع بشيوخي في الجامع كل يوم جمعة فلا أنصرف إلا عليلا من تأثير كلامهم في وكانت رؤيتي لهم قوتي من الجمعة إلى الجمعة تغنيني عن الطعام والشراب وكان يقول كنت آوي إلى مسجد فيه سحرة يأوي إليها بلبلان فقد أحدهما صاحبه وبقي الآخر على غصن ثلاثة أيام لا ينزل يرعى ولا يلتقط من الأرض شيئاً، فلما كان آخر اليوم الثالث مر به بلبل فصاح فذكره صاحبه فسقط عن الغصن ميتاً، في رواية كان عند الشيخ أربعة من التلامذة فخروا موتى عند سماع هذه الحكاية رضي الله عنهم أجمعين.