
لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية
وهو كتاب الطبقات الكبرى
تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني
![]() |
![]() |
ومنهم أبو محمد أحمد بن محمد بن الحسين للجريري (رضي الله عنه)
كان من أكابر أصحاب الجنيد رضي الله عنه صحب سهل بن عبد الله التستري وأقعد بعد موت الجنيد رحمه الله تعالى في موضعه لتمام حاله وصحة طريقته وغزارة علمه.
مات رحمه الله تعالى سنة إحدى عشرة وثلاثمائة رضي الله عنه ومن كلامه رضي الله عنه: من استولت عليه نفسه صار أسيراً في حكم الشهوات محصوراً في سجن الهوى، وحرم الله على قلبه الفوائد فلا يستلذ بكلام الله تعالى، ولا يستحليه، وإن قرأ كل يوم ختمة لأنه تعالى يقول: " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق " " الأعراف: 146 " يعني أحجبهم عن فهمها وعن التلذذ بها وذلك لأنهم تكبروا بأحوال النفس والخلق والدنيا فصرف الله عز وجل عن قلوبهم فهم مخاطباته وسد عليهم طريق فهم كتابه وسلبهم الانتفاع بمواعظه وحبسهم في سجن عقولهم وآرائهم فلا يعرفون طريق الحق، ولا يتعرفونه بل ينكرون على أهل الحق، ويحرفون كلامهم إلى معان لم يقصدوها، وغاب عنهم أن الله تعالى ما أعطاهم العلم إلا ليحتقروا نفوسهم، ويذلوا للعباد إجلالا لمن هم عبيد له سبحانه وتعالى، وكان رضي الله عنه يقول: من لم يحكم بينه وبين الله التقوى والمراقبة لم يصل إلى الكشف والمشاهدة فإن من لا تقوى عنده فوجهه مطموس ومن لا مراقبة له فحاله منكوس، وكان رضي الله عنه يقول: قدمت من مكة فبدأت بأبي القاسم الجنيد لئلا يتعنى لي فسلمت عليه ثم مضيت إلى منزلي فلما صليت الصبح فإذا أنا به خلفي في الصف فقلت له: إنما جئتك أمس لئلا تتعنى لي فقال لي: ذلك فضلك وهذا حقك وقال في قوله تعالى: " كونوا ربانين " " آل عمران: 79 " أي سامعين من الله قائلين بالله وكان يقول: لو رآيت من يهجرني لله تعالى لوضعت له خدي وكان يقول: من قرأ القرآن بقصد الدرجات في الجنة فقد رضي بالقليل بدلا عن الكثير لأن الجنة مخلوقة والقرآن غير مخلوق ومعظم الفائدة في قراءة القرآن، إنما هو وجود الرب وفهم خطابه فكيف بمن يطلب بقراءته عرضاً من الدنيا، ومن فعل ذلك فقد فاته خير القرآن كله وكان يقول: انكشف القمر ليلة الجمعة وأنا في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذ له أسود مكتوب في وسطه بالنور أنا وحدي فغشي علي إلى الصباح وقال في قوله تعالى: " يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً " " مريم: 23 " إنما قالت مريم ذلك لأن الله تعالى أطلعها على أن عيسى عليه السلام سيعبد من دون الله فغمها ذلك فقالت: " يا ليتني مت قبل هذا " " مريم: 23 " ، أي ولم أحمل بمن يعبد من دون الله تعالى فأنطق الله عيسى عليه السلام إني عبد الله فلا يضرني أن يدعوا في الإلهية جهلا وكفراً، رضي الله عنه.
![]() |
![]() |