
لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية
وهو كتاب الطبقات الكبرى
تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني
![]() |
![]() |
ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل الخواص رضي الله عنه ورحمه
هو من أجل من سلك طريق التوكل، وكان أوحد المشايخ في وقته، وكان من أقران الجنيد والنوري، وله في الرياضات والسياحات مقام يطول شرحه. مات بجامع الري سنة إحدى وتسعين ومائتين مات بعلة البطن وكان كلما قام توضأ ركعتين فدخل الماء يوماً فمات وسط الماء، وكان يقول: إنما العلم لمن اتبع العلم واستعمله واقتدى بالسنن، وإن كان قليل العلم، وكان يقول: التاجر برأس مال غيره مفلس، وكان يقول: على قدر إعزاز المؤمن لأمر الله يلبسه الله من عزه ويقيم له العز في قلوب المؤمنين، وكان يقول: من جهة الفقير، أن تكون أوقاته مستوية في الانبساط صابراً على فقره، لا تظهر عليه فاقة ولا تبدو منه حاجة أقل أخلاقه الصبر والقناعة، مستوحشاً من الرفاهية مستأنساً بالخشونات فهو بضد ما عليه الخليقة ليس له وقت معلوم، ولا سبب معروف، فلا تراه إلا مسروراً بفقره فرحاً بضره مؤنثا على نفسه ثقيلة وعلى غيره خفيفة يعز الفقر ويعظمه ويخفيه بجهده ويكتمه حتى عن أشكالا يستره قد عظمت عليه من الله فيه المنة، فلا يرى عليه من الله منه أعظم من خلو ليد من الدنيا. وكان يقول: أربع خصال عزيزة عالم يعمل بعلمه، وعارف ينطق عن حقيقة فعله، ورجل قائم لله بلا سبب ومريد ذهب عنه الطمع، وكان يقول: لقيت الخضر عليه السلام في بادية فسألني الصحبة فخشيت أن يفسد علي توكلي بالسكون إليه ففارقته وكان رضي الله عنه يقول: المفاخرة والمكاثرة يمنعان الراحة، والعجب يمنع من معرفة قدر النفس، والتكبر يمنع من معرفة الصواب والبخل يمنع من الورع، وكان يقول: ليس من صفة الفقراء مؤالفة الأغنياء ولا من صفة أهل المعرفة مؤالفة أهل الغفلة، وكان يقول: من دواعي المقت ذم الدنيا في العلانية واعتناقها في السر، وكان يقول: الإنسان في خلقه أحسن منه في جديد غيره والهالك حقاً من ضل في آخر سفره وقد قارب المنزل، وكان يقول: يجب على المريد الاجتماع بمن يكشف له عن عيوبه ويدله على مواضع الزيادة ويكون نظره إليه قوة له على تهييج حاله، وكان يقول: لم يؤت الناس من قلة الندم والاستغفار وإنما أتوا من قلة الوفاء بالعهد قال أبو الحسن النحراني: صاحب إبراهيم الخواص كنت شديد الإنكار على الصوفي في علومهم وأبغض كل من اجتمع بهم فدخلت بغداد وأنا أكتب الحديث، فرأيت إبراهيم الخواص وحوله جماعة يتكلم عليهم، فسمعت كلامه فدخل قلبي صدق قوله فرأيته علماً صحيحاً لا بد للخلق من استعماله، فلزمته من ذلك المجلس ولم أفارقه وفرقت ما كنت جمعته من الكتب وكانت نحو حملين، ومع هذا فلم يلتفت إلي ولم يكلمني بكلمة أياماً كثيرة، فلما عرف مني الصدق في طلبه أدناني وقربني رضي الله عنه، وكان إبراهيم رضي الله عنه إذا دعى إلي دعوة فرأى فيها خبزاً يابساً أمسك يده ولم يأكل ويقول: هذا خبز قد منع حق الله تعالى منه إذ يبيت ولم يخرج من يومه وقال في قوله تعالى: " وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب " " الزمر: 54 " الآية، الإنابة أن يرجع بك منك إليه التسليم أن تعلم أن ربك أشفق عليك من نفسك والعذاب عذاب الفراق وكان يقول آفة المريد ثلاثة حب الدرهم، وحب النساء، وحب الرياسة فيدفع حب الدرهم باستعمال الورع، وحب النساء بترك الشهوات، وترك الشبع ويدفع حب الرياسة بإثبات الخمول، وكان يقول: المريد الصادق الله مراده، والصديقون إخوانه والخلوة بيته والوحدة أنسه والنهار غمه والليل فرحه، ودليله قلبه والقرآن معينه، والبكاء ريه والجوع أدمه والعبادة نزهته والمعرفة قياده والحياة سفره والأيام مراحله والورع طريقه، والصبر شعاره، والسكون دثاره، والصدق مطيته، والعبادة مركبه وخوف الفوت خشيته، وكان يقول: إذا تحرك العبد لإزالة منكر، فقامت دونه الموانع، فإنما ذلك لفساد العقد بينه، وبين الله تعالى.
فلو صحت عقيدته مع الله تعالى واستأذنه في إزالة ذلك المنكر، واستعان به لم يقم دونه مانع قط وكان يقول: من شرب من كأس الرياسة، فقد خرج من إخلاص العبودية، وكان يقول: عطشت في بادية في طريق الحجاز، فإذا براكب حسن الوجه على دابة شهباء فسقاني الماء وأبى دفني خلفه، ثم قال: انظر إلى نخيل المدينة، فانزل واقرأ على صاحبها مني السلام وقل أخوك الخضر يقرأ عليك السلام.
وقيل له: ما بال الإنسان يتواجد عند سماع الأشعار، ولا يتواجد عند سماع القرآن، فقال: لأن سماع القرآن صدعة لا يمكن أحداً أن يتحرك فيها لشدة غلبتها، وشدة الأشعار ترويح للنفس فتتحرك فيه والله أعلم.
![]() |
![]() |