ومنهم ممشاد الدينوري رضي الله عنه
كان من كبار المشايخ القوم صحب ابن الجلاء، ومن فوقه من المشايخ عظيم المرمى في علوم القوم كبير الحال ظاهر الفتوة مات سنة سبع وتسعين ومائتين، وكان يقول: طريق الحق بعيد، والصبر مع الله شديد، وكان يقول: لو جمعت حكمة الأولين، والآخرين، وادعيت أحوال الأولياء، والمقربين لن تصل إلى درجات العارفين حتى يسكن سرك إلى الله تعالى، وتثق بضمانه فيما وعدك، وقسم لك، وكان يقول: من يكن الله همته لم تستطعه الأقدار، ولم تملكه الأخطار، وكان يقول: ما دخلت على فقير قط إلا، وأنا خال من جميع النسب، والعلوم، والمعارف أنتظر بركات ما يرد علي من رؤيته، أو كلامه، وذلك لأن من دخل على شيخ بحظ انقطع بحظه عن بركات رؤيته، ومجالسته، وأدبه، وكلامه، وكان رضي الله عنه يقول: رأيت في بعض سياحتي شيخاً توسمت فيه الخير فقلت له: عظني بكلمة فقال همتك احفظها فإن الهمة مقدمة الأشياء فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من الأعمال والأحوال، وكان يقول: أحسن الناس حالا من أسقط عن نفسه رؤية الخلق، وراعى سره في الخلوات مع الله واعتمد عليه في جميع الأمور، وكان رضي الله عنه يقول: أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، في حال الكشف، والمشاهدة، وأرواح الأولياء في القربة، والاطلاع وكان رضي الله عنه يقول: فقدت قلبي منذ عشرين سنة مع الله تعالى، وتركت قولي للشيء كن فيكون منذ عشرين سنة أدباً مع الله عز وجل قال بعضهم معناه أنه كان يرجع إلى قلبه ثم يرجع بقلبه إلى الله ومعنى تركت قولي للشيء كن فيكون أنه كان مجاب الدعوة كلما دعا أجيب ثم ارتفع عن ذلك إلى الله تعالى فصار بمراد الله لا بمراده فترك الدعاء، وكان يقول: كان عندنا رجل أخذ في التقلل حتى وقف على نواة ثم صار قوته الماء، وقيل له: إذا جاع الفقير أيش يعمل؟ قال يصلي قيل: فإن لم يقدر قال ينام قيل له: فإن لم يقدر ينام قال: إن الله تعالى لا يخلي فقيراً عن إحدى ثلاث إما قوى، وإما غذاء، وإما أخذ والله أعلم.