ومنهم الشيخ أبو العباس أحمد الملثم رضي الله تعالى عنه
هو من أجلاء مشايخ مصر، ومحققيهم قصده الناس بالزيارة من سائر الأقطار، وتأدب علماء مصر بين يديه، وكان أبوه ملكاً بالمشرق، وكان له مكاشفات عجيبة في مستقبل الزمان فكان لا يخبر بشيء إلا جاء كما قال: ويقول: أنا ما أتكلم باختياري، وكان يقف يتمنى فإن أعطوه شيئاً تصدق به على الفقراء، وكان الناس مختلفين في عمره فمنهم من يقول هذا من قوم يونس عليه السلام، ومنهم من يقول إنه رأى الإمام الشافعي رضي الله عنه وصلى خلفه بمصر، ومنهم من يقول إنه رأى القاهرة وهي أخصاص قال الشيخ عبد الغفار القوصي رضي الله عنه فسألته عن ذلك فقال عمري الآن نحو أربعمائة سنة، وكان أهل مصر لا يمنعون حريمهم منه في الرؤية، والخلوة فأنكر عليه بعض الفقهاء فقال يا فقيه اشتغل بنفسك فإنه بقي من عمرك سبعة أيام، وتموت فكان كما قال، وكان يلبس ما وجد فمرة عمامة صوف خضراء، ومرة بيضاء، ومرة جبة فرجية، ومرة مرقعة لا ينضبط على حال. وأنكر عليه مرة قاض، وكتب فيه محضراً بتكفيره ووضع القاضي المحضر في صندوقه إلى بكرة النهار يدعوه للشرع فجاء و بكرة النهار فلم يجد المحضر ومفتاح الصندوق معه فأخرج الشيخ المحضر، وقال الذي قدر على أخذ المحضر من صندوقك قادر على أخذ إيمانك من قلبك فتاب القاضي، وخاف، ورجع عما كان أراده. توفي رضي الله عنه في حدود الستمائة، ودفن بالحسينية بمصر المحروسة، وقبره في مسجد يزار، وسموه ثلاث مرات ليموت فعافاه الله تعالى منه، وذلك لشدة ما كانوا ينكرون عليه، وكان رضي الله عنه يقول: لم تكن الأقطاب أقطاباً والأوتاد أوتاداً، والأولياء أولياء إلا بتعظيمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفتهم به وإجلالهم لشريعته، وقيامهم بآدابه، وكان يقول: بلغني عن سيدي أحمد بن الرفاعي رضي الله عنه أنه كان يقول: إذا استولى الحق سبحانه وتعالى على قلب عبد ذهب ما من العبد، وبقي ما من الله تعالى فيبقى العبد كالفخار في ابتداء النشأة لا حراك له من حيث نفسه، وإنما حراكه من الذي يحركه، ولا اختيار له ولا إرادة، ولا علم، ولا عمل وكأن رضي الله عنه يقول: إذا امتلأ القلب من النور دك كل حجاب بين العبد، وبين الله تعالى.