ومنهم أبو الشيخ عبد الله القرشي رضي الله عنه ورحمه
كان رضي الله عنه جليل القدر وكان يعظم الفقراء أشد التعظيم، ويقول: إنهم انتسبوا إلى الله تعالى، وكان رضي الله عنه يقول: ما رأينا أحداً قط أنكر على الفقراء، وأساء بهم الظن إلا، ومات على أسوأ حالة وكان رضي الله عنه يقول: احتقار الفقراء سبب لارتكاب الرذائل، وكان رضي الله عنه يقول: من غض من عارف بالله أو ولي لله ضرب في قلبه، ولا يموت حتى يفسد معتقده، وكان رضي الله عنه كثيراً ما يجتمع بالخضر عليه السلام، وكان يطبخ طعام القمح كثيراً فقيل له في ذلك فقال رضي الله عنه: إن الخضر عليه السلام زارني ليلة فقال: اطبخ لي شوربة قمح فلم أزل أحبها لمحبة الخضر عليه السلام لها، وكان رضي الله عنه يشترط على أصحابه أن لا يطبخوا في بيوتهم إلا لوناً واحداً حتى لا يتميز على أحد فاتفق أن أحد أصحابه قال لزوجته ما تشتهي حتى نشتريه تطبخيه فقالت شاور بنتك فقال لابنته أي شيء تشتهين قالت ما تقدر على شهوتي فقال: بل أقدر عليها، ولو تكون بألف دينار، وقال لا بد تخبريني بها فقالت تزوجني للقرشي، وكان الشيخ رضي الله تعالى عنه أعمى أجذم لا ترضى بمثله النساء قال: فجئت إلى القرشي وأخبرته فقال: اطلبوا القاضي فجاء القاضي، وعقدوا عليها، وأصلحوا شأنها، وأحضروها عند الشيخ فلما خرجت النسوة دخل الشيخ إلى المرحاض، وخرج وهو شاب جميل الصورة أمرد بثياب حسنة وروائح طيبة فسترت وجهها منه حياء فقال: لا تستري أنا القرشي فقالت: ما أنت القرشي فحلف لها بالله تعالى فقالت له: ما هذا الحال فقال لها: أبقى معك على هذا الحال، ومع غيرك على تلك الحالة، ولكن لا تخبري بذلك أحداً حتى أموت فقالت: نعم ثم قالت بل أختار حالتك التي تكون بها بين الناس من الجذام، والبرص، والعمى فقال لها: جزاك الله خيراً فلم تزل معه على تلك الحالة، وكان يضع شيئاً تحت ثيابه، وأقدامه ينزل فيه الصديد فكانت رضي الله عنها إذا خرجت من الحمام جاءت فشربت ذلك الصديد عوضاً عن الماء فلما قبض الشيخ رضي الله عنه حكت للناس أحواله وكانت حرمتها بين الفقراء كحرمة الشيخ في حال حياته وكان رضي الله عنه يقول: الزم العبودية وآدابها، ولا تطلب بها الوصول إليه فإنه إذا أرادك له أوصلك إليه، وأي عمل خلص حتى تطلب به الوصول، وكان يقول: أبت البشرية أن تتوجه إلى الله تعالى إلا في الشدائد فقيل له في ذلك قال: عطشت مرة في طريق الحاج فقلت لخادمي اغرف لي من البحر المالح فغرف لي ماء حلواً فلما ذهبت الضرورة غرفت فإذا هو مالح، وكان يقول: لا يكون الابتلاء إلا في الفحول من الرجال. وأخبار القرشي كثيرة مشهورة رضي الله عنه.