ومنهم الشيخ العارف بالله تعالى سيدي محمد ابن أخت سيدي مدين رحمه الله
أعاد الله تعالى علينا، وعلى المسلمين من بركاته، واشتهر بابن عبد الدائم المديني، كانت مجاهداته فوق الحد فظهر صدقه في تلامذته فخرج من تحت تربيته سيدي الشيخ العارف بالله تعالى سيدي محمد أبو الحمائل السروري، والشيخ العارف بالله تعالى سيدي نور الدين الحسني بن عين الغزال، وسيدي الشيخ العارف بالله تعالى سيدي نور الدين علي المرصفي، وخلائق كثيرة من العجم، والمغاربة، ومدار طريق القوم اليوم في مصر على تلامذته رضي الله عنه، وكان رضي الله عنه ذا سمت بهى، ونظافة، وترافة أقبلت عليه الخلائق فطردهم بالقلب فلم يصر حوله فقير، وصار يخرج إلى السوق فيشتري حاجته بنفسه، ويحمل الخبز إلى الفرن بنفسه إلى أن مات، ودفن على باب تربة سيدي مدين رضي الله عنهما، وكان رضي الله عنه يقول: شبعنا كلاماً، وقال: وقيل: في هذه الدار، وما بقي إلا القدوم على الواحد الأحد وله رسالة عظيمة في علم السلوك يتداولها أهل طريقته في مصر، وغيرها. قلت: وسبب دفنه على باب التربة دون أن يدخلوه فيها مع جماعة سيدي مدين كما أخبرني به شيخنا الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري بمصر رضي الله عنه أن سيدي أبا السعود ابن سيدي مدين، وجماعته لم يمكنوه من الدخول للوقعة التي كانت بينهم وبينه حين جلس للمشيخة بعد سيدي مدين رضي الله عنه دون ولده، وأبي السعود وقالوا له: الطريق جاءتك من أين؟ الولد أحق، وهذا الداء لم يزل بين أولاد الأشياخ، وبين جماعة والدهم إلى عصرنا هذا إلا من حماه الله عز وجل من حمية الجاهلية، ولما منعوه من زاوية سيدي مدين انتقل إلى مدرسة أم خوند بخط بين السورين، فانقلب الفقراء معه فركب جماعة من زاوية سيدي مدين، ومضوا إلى أم خوند صاحبة المدرسة، وكانت ساذجة فقالوا: لها أنت عمرت المدرسة يحصل لك الأجر، وإلا التعب من غير أجر فقالت الأجر فقالوا: إن هذا الذي يسمي نفسه المديني أخذ الأجر كله له، والدعاء وما بقي يحصل لك شيء فركبت بنفسها، وجاءت فأخرجته منها فانتقل إلى مدرسة ابن البقري بباب النصر وبها توفي رضي الله عنه، وأخبرني الشيخ شمس الدين الصعيدي المؤذن بمدرسة أم خوند قال: جاء مغربي إلى سيدي الشيخ محمد ابن أخت سيدي مدين، فقال: يا سيدي أنت رجل ذو عيال، وفقراء كثيرة، وليس لك رزقة، ولا معلوم، ومقصودي أعلمك صنعة الكيمياء تنفق منها على الفقراء، فقال له: جزاك الله عنا خيراً فقال يا سيدي فلوس آخذ بها الحوائج، فأعطاه فجاء بالحوائج فقال الشيخ كمل جميلك، وادخل هذه الخلوة، واعملها ثم أعرضها علينا فجاء بعدته، ودخل الخلوة، فقال: الشيخ رضي الله عنه للفقراء، وهذا الرجل ما يعرف من أحوال الفقراء شيئاً إنما كيمياء الفقراء أن يعطيهم الله تعالى قلب الأعيان بلفظ كن ثم قال لهم: هذا الوقت يخرج محروق الوجه، واللحية فبعد لحظة دق الباب، وقال افتحوا لي احترقت ففتحوا له فوجدوه محترق الوجه واللحية، وقال: انطلق في الكبريت فقال: الشيخ رضي الله عنه لا حاجة لنا بكيمياء فيها حرق الوجوه، واللحى اذهب لحال سبيلك قال: الشيخ شمس الدين الصعيدي رحمه الله تعالى، وإنما لم يرده الشيخ أولا من غير تجربة صيانة للخرقة ليعلمه أن الفقر في غنية عن ذلك وأن كنزهم القناعة في هذه الدار لا غير. والله أعلم.