موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية

وهو كتاب الطبقات الكبرى

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومنهم علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رحمه الله

وهو علي الأصغر وأما الأكبر فقتل مع الحسين رضي الله عنهم أجمعين، وسيأتي في ترجمة محمد الباقر أن زين العابدين أو الحسينيين كلهم، وكان رضي الله عنه يقول: إذا نصح العبد لله تعالى في سره، أطلعه الله تعالى على مساوئ عمله، فتشاغل بذنوبه عن معائب الناس.

وكان يقول: كانت المصاحف لا تباع إنما يأتي الرجل بورقه عند المنبر، فيقوم الرجل المحتسب، فيكتب له من أول البقرة ثم يجيء غيره حتى يتم المصحف.

قالوا: ولما قتل أخوه كان عمره ثلاث عشرة سنة إلا أنه كان مريضاً نائماً على فراش فلم يقتل، وكان إذا توضأ اصفر وجهه فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ وكان إذا مشى لا تجاوز يده فخذه، ولا يخطر بيده، وكان إذا بلغه عن أحد أنه ينقصه، ويقع فيه يذهب إليه في منزله، ويتلطف به ويقول: يا هذا إن كان ما قلته في حقاً فيغفر الله لي وإن كان باطلاً، فغفر الله لك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته، وكان الرجل يقف على رأسه في المسجد، فما يترك شيئاً إلا ويقوله فيه، وهو ساكت لا يرد عليه رضي الله عنه، فلما ينصرف يقوم الرجل وراءه ويلزمه من خلفه، ويبكي فيقول: لا عدت تسمع مني شيئاً تكرهه قط، وكان ينشد:

وما شيء أحب إلى اللئيم ... إذا شتم الكريم من الجواب

وكان رضي الله عنه يقول: فقد الأحبة غربة، وكان يقول: عبادة الأحرار لا تكون إلا شكر الله لا خوفاً ولا رغبة، وكان يقول: كيف يكون صاحبكم من إذا فتحتم كيسه فأخذ، ثم منه حاجتكم لم ينشرح لذلك، وكان رضي الله عنه يقول لأصحابه: أحبونا حب الإسلام لله عز وجل، فإنه ما برح بنا حبكم حتى صار علينا عاراً، إشارة إلى ما وقع له مع عبد الملك بن مروان حين حمله من المدينة إلى الشام مثقلاً بالحديد في يديه ورجليه وعنقه، فلما دخل الزهري على عبد الملك قال له: ليس علي بن الحسين حيث يظن من جهة فالخلافة إنما هو مشغول بنفسه، وبعبادة ربه عز وجل فقال: نعم ما شغل به نفسه وأطلقه.

وكان رضي الله عنه يحب ألا يعينه على طهوره أحد، وكان يستقي الماء لطهوره ويحضره قبل أن ينام، وكان لا يترك قيام الليل لا سفراً ولا حضراً، وكان يقول: إن الله يحب المؤمن المذنب التواب.

وكان رضي الله عنه يثني على أبي بكر وعمر وعثمان، ويترجم عليهم، وكان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة، وكانت الريح تهيج فيخر مغشياً عليه، ولما حج قال: لبيك فوقع مغشياً عليه فتهشم، واستطال عليه رجل فتطاول فتغافل عنه. فقال له الرجل: إياك أعني فقال له علي زين العابدين: وعنك إذن أغضي.

وخرج يوماً من المسجد، فلقيه رجل فسبه، وبالغ في سبه فبادرت إليه العبيد والموالي فكفهم عنه. وقال: مهلاً على الرجل، ثم أقبل عليه فقال: ما ستر عنك من أمرنا كثر ألك حاجة نعينك عليها، فاستحى الرجل فألقى إليه خميصته التي عليه، وأمر له بعطاء فوق ألف درهم. فقال الرجل: أشهد أنك من أولاد الرسول عليه الصلاة والسلام.

توفي رضي الله عنه بالبقيع سنة تسع وتسعين، وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وحمل رأسه إلى مصر، ودفنت بالقرب من مجراة الماء إلى القلعة بمصر العتيقة رضي الله تعالى عنه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!