ومنهم الشيخ العارف بالله تعالى سيدي علي البحيري رضي الله عنه
أحد الأولياء المكملين، كان رضي الله عنه على قدم السلف الصالح من الخوف، والورع، والتقوى، ورثاثة الثياب، وكان أحد من جمع بين الشريعة، والحقيقة في عصره، وكنت إذا رأيته تذكرت بأحواله أحوال سيدي الشيخ العارف بالله تعالى سيدي عبد العزيز الدريني رضي الله عنه المنقولة عنه، وكان رضي الله عنه مقيماً في قرى الريف يحرس للناس العلم، ويفتيهم، ويعلمهم الآداب، والأخلاق، وكنت إذا رأيته لا يهون عليك مفارقته، ولو طال الزمان لما هو عليه من حسن الأخلاق، وهضم النفس، وتذكر أحوال الآخرة حتى كأنها رأى عين. وأخذ العلم عن جماعة منهم الشيخ العارف بالله تعالى سيدي شهاب الدين بن الإقطيع البرلسي رضي الله عنه ثم بعده عن سيدي الشيخ العارف بالله تعالى سيدي على النبتيتي الضرير، وهو أكبر مشايخه تخلقاً، وتحققاً، ولم يفارق شيخه إلى أن مات، وأخبرني بعض الفقراء الصادقين أنه سمع بعض الناس يقول إن سيدي علياً البحيري رضي الله عنه أحد الأربعين فأنكر ذلك فنام تحت دكة المؤذنين بالجامع الأزهر فرأى في منامه جماعة بعد جماعة يقولون بل هو إمام الأربعين وكان رضي الله عنه كثير البكاء فإذا عتبوه في ذلك يقول: وهل النار إلا لمثلي، وكانت فتاواه تأتي إلى مصر فيتعجب العلماء من حلاوة لفظها، وكثرة ما فيها من التخويف للخصم حتى يرجع إلى الحق وكان رضي الله عنه يقول قد عشنا إلى زمان صار الخلق فيه في غمرة، ونسوا يوماً تشيب فيه الأطفال، وتسير فيه الجبال، وكان رضي الله كنه إذا مر على الأطفال يسلم عليهم، ويسألهم الدعاء، وكان رضي الله عنه يقول أدركنا جماعة يكون طول ليلهم، ويتضرعون في حق هذه الخليقة، ويقولون كل شيء نزل بهذه البلاد التي حولنا فهو بسوء أفعالنا، ولو خرجنا لخف عنهم البلاء رضي الله عنه. مات رضي الله عنه في شوال سنة ثلاث، وخمسين، وتسعمائة، ودفن بنواحي سيدي محمد المنير رضي الله تعالى عنهما.