
لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية
وهو كتاب الطبقات الكبرى
تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني
![]() |
![]() |
ومنهم مسعر بن كدام بكسر الكاف (رضي الله عنه)
وكان يقول: إن لله تعالى عباداً لو يعلمون بما ينزل القدر لاستقبلوه استقبالا حباً لربهم ولقدره، فكيف يكرهونه بعد ما وقع، وكان إذا فتح المصحف ورأى فيه قصة قوم عذبهم الله يقول: إلهي قد دخلت رحمتهم قلبي فإن شئت فاغفر لي وإن شئت عذبني وكان يقول لا تقعدوا فراغاً فإن الموت يطلبكم وكان ينشد الشعر عقب الصلاة، ويقول: إن النفس تكون هكذا وهكذا وسئل رضي الله عنه من أفقه أهل المدينة فقال: أفقههم أتقاهم لله عز وجل، وكان لا ينام كل ليلة حتى يقرأ نصف القرآن فإذا فرغ من ورده لف رداءه ثم هجع هجعة خفيفة، ثم يثب مرعوباً كالرجل الذي ضل منه شيء عزيز فهو يطلبه فيستاك ثم يتطهر ويستقبل القبلة إلى الفجر، وكان رضي الله عنه يجتهد في إخفاء عمله وكان يقول: أشتهي أن أسمع صوت باكية حزينة وقيل له أتحب أن يخبرك الرجل بعيوبك فقال: إن كان ناصحاً فنعم وإن كان يريد أن ينقصني فلا وكان رضي الله عنه إذا خطر على باله يوم القيامة يبكي حتى يرثي له الحاضرون،
وكان رضي الله عنه يخدم أمه ويقول: لولا أمي ما فارقت المسجد إلا لما لا بد منه،
وكان رضي الله عنه: إذا دخل بكى وإذا خرج بكى وإذا صلى بكى وإذا جلس بكى.
ودخل عليه سفيان الثوري رضي الله عنه في مرض موته فقال له: ما هذا الجزع يا مسعر والله لوددت أني مت الساعة فقال له مسعر رضي الله عنه إنك إذن لواثق بعملك يا سفيان لكني والله كأني على شاهق جبل لا أدري أين أهبط فبكى سفيان رضي الله عنه وقال: أنت أخوف لله عز وجل مني يا أخي، وكان سفيان إذا حدث عنه يقول: أخبرني أبو سلمة بقول يستحي أن يقول مسعر وكان في جبهته مثل ركبة العنز من السجود، وكان يقول: لا ينبغي أن يثني علي عالم وهو يقبض جوائز السلطان ويبني بيته بالآجر. وطلبت أمه بعد العشاء شربة ماء فخرج فجاء بالكوز فوجدها نامت فبقي الكوز على يده إلى الصباح ينتظر استيقاظها. ولما طلبه أبو جعفر المنصور ليوليه القضاء قال له: مهلا يا أمير المؤمنين إن أهلي يطلبون حاجة بدرهم فأقول لهم أنا أشتري لكم فيقولون لا نرضى بشرائك فإذا كان أهلي لا يرضون بشرائي لهم حاجة بدرهم يوليني أمير المؤمنين القضاء فأعفاه وقال له: لو كان في المسلمين مثلك يا مسعر لخرجت إليه ماشياً، وكان يقول: من يرضى بالخل والبقل لم يستعبده الناس، وكان يقول: مضاحكة الوالدين على الأسرة أفضل من مجاهدة السيوف في سبيل الله تعالى وكان إذا جاءه أحد يسأله الدعاء يقول له: ادع أنت حتى أؤمن أنا فإن الدعاء من صاحب الحاجة.
قلت: وهكذا بلغنا عن معروف الكرخي وكان مشهوراً بإجابة الدعوة والله تعالى أعلم وكان يقول شكوى العارف للطبيب ليست شكوى في ربه لأنه إنما يذكر للطبيب قدرة الله فيه
وكان رضي الله عنه يقول: اللهم من ظن بنا خيراً أو ظننا به خيراً فصدق ظننا وظنه ويبكي، وكان يقول: قيام الليل نور للمؤمن يوم القيامة يسعى بين يديه ومن خلفه وصيام النهار يبعد العبد من جر السعير،
وكان كثير البكاء فقيل له: في ذلك فقال وهل خلقت النار إلا لمثلي وكان يدعو على من آذاه أن يجعله الله محدثاً أو مفتياً، وكان رضي الله عنه يقول: ينادي مناد يوم القيامة يا مادح الله قم فلا يقوم إلا من كان يكثر قراءة قل هو الله أحد، وكان يقول أعرف الناس بعور الناس الأعور.
توفي رضي الله عنه بالكوفة سنة خمس وخمسين ومائة رضي الله عنه.
![]() |
![]() |