كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
وذكر الشيخ محي الدين في موضع آخر أن لقاءه الأول هذا مع الخضر كان في إشبيلية في موضع اسمه قوس الحنّية حيث التقى به كما ذكرنا وأفاده التسليم للشيوخ وأن لا ينازعهم، مع أن الأمر الذي تنازعا عليه كان كما ذكر الشيخ الأكبر وقد رجع شيخه بعد مدّة إلى قوله في تلك المسألة وقال له أنّه كان على غلط فيها وأنّه هو المصيبُ، ولكن الشيخ محي الدين علم أنّ مراد الخضر عليه السلام أن يوصيه بالتسليم لشيخه حتى وإن كان متأكّداً أنه هو المصيب في تلك المسألة فإنه ما كان يتعيّن عليه أن ينازعه فيها فإنها لم تكن من الأحكام المشروعة التي يحرم السكوت عنها.[1]
الفقر من الله
ومما تعلّمه أيضاً من الشيخ العريبي من المعاني السامية التي تصقل النفس وتزكي القلب ما يذكره في الوصية التالية:
وصية: كن فقيراً من الله كما أنت فقير إليه فهو مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم: وأعوذ بك منك. ومعنى فقرك من الله أن لا يُشم منك رائحة من روائح الربوبية، بل العبودية المحضة كما أنه ليس في جناب الحق شيء من العبودية ويستحيل ذلك عليه، فهو رب محض فكن أنت عبداً محضاً. فكن مع الله بقيمتك لا بعينك، فإن عينك عليه روائح الربوبية بما خلقك عليه من الصورة بالدعوى. وقيمتك ليست كذلك. بهذا أوصاني شيخي وأستاذي أبو العباس العريبي رحمه الله. فلقيمتك التصرف بالحال لا بالدعوى فكن أنت كذلك فمتى قالت لك نفسك كن غنياً بالله فقد أمرتك بالسيادة فقل لها أنا فقير إلى الله وإلى ما أفقرني الله إليه فإن الله أفقرني إلى الملح أن يكون في عجيني.[2]
أوّل نصيحة
و في كتاب "روح القدس" ذكر الشيخ محي الدين شيخه أبا العباس العريبي على رأس قائمة الشيوخ الذين استفاد منهم وعاشرهم وتربى على أيديهم، ولكنه هنا يسميه "أبو جعفر أحمد العريبي":
فمنهم وهو أول من لقيته في طريق الله أبو جعفر أحمد العريبي رضي الله عنه وصل إلينا إلى إشبيلية في أول دخولي إلى معرفة هذه الطريقة الشريفة فكنت أول من سارع إليه، فدخلت عليه فوجدت شخصا مستهترا بالذكر، فتسميت له وعرف حاجتي منه، فقال لي عزمت على طريق الله تعالى؟ فقلت له أما العبد فعازم والمثبّت الله. فقال لي: سُدّ الباب واقطع الأسباب وجالس الرُهّاب يكلّمك الله من دون حجاب. فعملت عليها حتى فُتح لي.[3]
[1] الفتوحات المكية: ج3ص337.
[2] الفتوحات المكية: ج4ص482.
[3] روح القدس، 46-48.