كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
الوجود. ولذلك فإن جميع سور القرآن تبدأ بحرف الباء لأنه أول حرف في البسملة، وحتى سورة التوبة التي لا تبدأ بالبسملة تبدأ بحرف الباء في قوله تعالى في أولها: ((بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ [1]))، وكذلك فإن التوراة تبدأ بحرف الباء كما يقول الشيخ الأكبر.[1]
فحرف الباء إذاً مرافق لكل شيء، وخاصة نقطة الباء. وهذا معنى قول أبي مدين أنه ما رأى شيئا إلا رأى الباء عليه مكتوبة.
علم النقل والكشف
وحول موضوع الفرق بين علم الذوق وعلم الخبر أو النقل، ينقل الشيخ الأكبر قول أبي يزيد البسطاميّ رضي الله عنه وهو يخاطب علماء الرسوم، الذين يعتمدون على علم الخبر والرواية: "أخذتم علمكم ميتاً عن ميت وأخذنا علمنا عن الحيّ الذي لا يموت؛ يقول أمثالنا حدثني قلبي عن ربي وأنتم تقولون حدثني فلان، وأين هو؟ قالوا: مات، عن فلان، وأين هو؟ قالوا: مات".
وفي هذا الصدد يقول الشيخ الأكبر أن الشيخ أبا مدين رحمه الله كان إذا قيل له: قال فلان عن فلان عن فلان، يقول: "ما نريد نأكل قديداً هاتوا ائتوني بلحم طريّ"، أي حدّثوا عن ربّكم واتركوا فلاناً وفلاناً، فإن أولئك أكلوه لحماً طرياً، والواهب لم يمت، وهو أقرب إليكم من حبل الوريد، والفيض الإلهيّ والمبشّرات ما سُدّ بابها، وهي من أجزاء النبوّة، والطريق واضحة، والباب مفتوح، والعمل مشروع، والله يهرول لتلقي من أتى إليه يسعى، وما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، وهو معهم أينما كانوا. فمن كان معك بهذه المثابة من القرب مع دعواك العلم بذلك والإيمان به لِمَ تترك الأخذ عنه والحديث معه وتأخذ عن غيره ولا تأخذ عنه فتكون حديث عهد بربك؟[2]
وفي المعنى نفسه يقول الشيخ الأكبر في حديثه عن أنواع الفتوح ومقاماته من الباب السادس عشر ومائتان من الفتوحات المكية أن الشيخ أبا مدين يقول في الفتوح: "أطعمونا لحماً طرياً كما قال الله تعالى، لا تطعمونا القديد"، أي لا تنقلوا إلينا من الفتوح إلا ما يفتح به عليكم في قلوبكم، لا تنقلوا إلينا فتوح غيركم.[3]
خلاف بسيط
ولكن هذا لا يمنع أن يختلف ابن العربي مع شيخه في بعض الأمور نظرا لاختلاف المشهد، فقال مثلا في حكم تأمين الإمام إذا فرغ من قراءة الفاتحة، هل يقول آمين أم لا يقولها؟ فيجيب أن العلماء اختلفوا في ذلك فمن قائل يؤمّن ومن قائل لا يؤمن. ثم يقول إن اعتبار ذلك في الباطن هو:
[1] الفتوحات المكية: ج1ص83.
[2] الفتوحات المكية: ج1ص280.
[3] الفتوحات المكية: ج2ص505.