كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
منزل النور (فاس، 591)
ويبدو أن هذه الأحوال الغريبة التي وصفناها أعلاه تحصل للمرء من منزل النور؛ حيث يصبح كلّه نورا أي روحا، فالجسم مزيج بين النور والظلمة وهو الذي يقيّنا في حدود المادّة وفي حدود الزمان والمكان. أما إذا خرج الإنسان عن جسمانيته فيصبح نورا محضا، وبذلك النور يرى من خلفه مثل ما يرى من بين يديه. فيقول ابن العربي أن هذا المقام ناله سنة وثلاث وتسعين وخمسمائة بمدينة فاس في صلاة العصر وهو يصلي بجماعة بالمسجد الأزهر بجانب عين الخيل فرآه نوراً يكاد يكون يكشف من الذي بين يديه، غير أنه لما رآه زال عنه حكم الخلف وما رأى لنفسه ظهرا ولا قفا ولم يفرّق في تلك الرؤية بين جهاته بل كان مثل الأُكرة لا يعقل لنفسه جهة إلا بالفرض لا بالوجود. ويضيف الشيخ أن هذا الأمر كما شاهده كان قد تقدم له قبل ذلك كشف الأشياء في عرض حائط قبلته ولكن هذا كشف لا يشبه ذلك الكشف.[1]
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ليلة حين فرغ من صلاته: "اللّهُمّ إِنّي أسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي، وتَجْمَعُ بهَا أمْرِي، وَتَلُمّ بهَا شَعَثِي، وتُصْلِحُ بهَا غائِبي، وَتَرْفَعُ بهَا شَاهِدِي، وَتُزَكّي بهَا عَمَلِي، وَتُلْهِمُنِي بهَا رُشْدِي، وتَرُدّ بهَا الفَتِي، وَتَعْصِمُنِي بهَا مِنْ كُل سُوءٍ. اللّهُمّ أعْطِني إيمَاناً وَيَقِيناً لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ. ورَحْمَةً أَنَالُ بهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ في الدّنْيَا وَالآخِرَةِ. اللّهُمّ إِنّي أَسْألُكَ الفَوْزَ في العَطَاءِ (ويروي في القَضَاءِ) وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ والنَّصْرَ عَلَى الأعْدَاءِ. اللّهُمّ إِنّي أُنْزِلُ بِكَ حَاجَتِي وَإِنْ قَصُرَ رَأْيِي وَضَعُفَ عَمَلِي افْتَقرْتُ إلى رَحْمَتِكَ. فَأَسْأَلُكَ يا قَاضِيَ الأُمُورِ، وَيا شَافِيَ الصّدُورِ، كَمَا تُجِيرُ بَيْنَ البُحُورِ، أَنْ تُجِيرَني مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، وَمِنْ دَعْوَةِ الثبُورِ، وَمِنْ فِتْنَةِ القُبُورِ. اللّهُمّ مَا قَصُرَ عَنْهُ رَأْيِي وَلَمْ تَبْلُغْهُ نِيّتِي وَلَمْ تَبْلُغْهُ مَسْألَتِي مِنْ خَيْرٍ وعَدْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ خَيْرٍ أنْتَ مُعْطِيهِ أَحَداً مِنْ عِبَادِكَ فإِنّي أرْغَبُ إلَيْكَ فِيهِ وَأَسْأَلُكَهُ بِرَحْمَتِكَ رَبَّ العَالِمِينَ. اللّهُمّ ذَا الحَبلِ الشّدِيدِ، وَالأمْرِ الرّشِيدِ، أَسْأَلُكَ الأمْنَ يَوْمَ الوَعِيدِ، وَالْجَنَّةَ يَوْمَ الخُلُودِ مَعَ المُقَرَّبِينَ الشّهُودِ، الرُّكَّعِ السُّجُودِ، المُوفِينَ بالْعُهُودِ، أنت رَحِيمٌ وَدُودٌ، وَإنّكَ تَفْعَلُ ما تُرِيدُ. اللّهُمّ اجْعَلْنَا هادِينَ مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ سَلْماً لأَوْلِيَائِكَ وَعَدُوّاً لأَعْدَائِكَ، نُحِبُّ بِحُبِّكَ مَنْ أحَبّكَ ونُعَادِي بِعَدَاوَاتِكَ مَنْ خالَفَكَ. اللّهُمَّ هَذَا الدُّعاءُ وَعَلَيْكَ الاستِجابَةُ وَهَذَا الجُهْدُ وَعَلَيْكَ التّكْلاَنُ. اللّهُمّ اجْعَلْ لِي نُوراً في قَبْرِي، وَنُوراً في قَلْبِي، ونُوراً مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، ونُوراً مِنْ خَلْفِي، ونُوراً عَنْ يَمِيني، ونُوراً عنْ شِمَالِي، ونُوراً مِنْ فَوْقِي، وَنُوراً مِنْ تَحْتِي، وَنُوراً في سَمْعِي، وَنُوراً في بَصَرِي، وَنُوراً في شَعْرِي، وَنُوراً في بَشَرِي، وَنُوراً في لَحْمِي، وَنُوراً في دَمِي، ونوراً في عِظَامِي. اللّهمّ أَعْظِمْ لِي نُوراً وأَعْطِنِي نُوراً وَاجْعَلْ لِي نُوراً (وفي رواية: وَاجْعَلْني نُوراً). سُبْحَانَ الّذِي تَعَطّفَ العِزّ وقَال بِهِ،
[1] الفتوحات المكية: ج2ص486.