كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
1948). وقد تكلّمنا عن القطب مراتب الأولياء في الفصل الثاني.
تبشير المؤمن في الدنيا (فاس، 593/1197)
ومن المَشاهد التي شاهدها الشيخ محي الدين ابن العربي في مدينة فاس في ليلة واحدة مائة موقف من الرحمة التي يؤول إليه العبد في الدار الآخرة فيقول إنه لو قُسمت تلك الليلة على قدر الوقوف ما وسعته وقد شاهد في كل موقف من اتساع الرحمة ما لا يمكنه النطق به وكان ذلك لاتساع ذكر الرحمة فكيف بذكر الرحمن إذا حصل للعبد، ولا يحصل إلا للعبد الجاني، و أما غير الجاني فهو عين رحمة الله في خلقه به يرحم الله الخلق.[1]
التحذير من القول بالاتحاد (فاس)
عندما يكون العبد قريبا من الله تعالى من كثرة النوافل والمقربات كما ذكر في الحديث القدسي الشهير الذي ذكرناه أعلاه أن الله يقول ما يزال العبد يتقرّب إليه بالنوافل حتى يحبّه، فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها.[2] فقد يُشكل على بعض من هذه حالهم فيظنون أنهم اتحدوا بالله تعالى أو أن الله سبحانه حلّ بهم، أو قد يصدر عن هؤلاء أقوال تصف حال قربهم الشديد من الله تعالى توحي للسامع بأنهم يقولون بالاتحاد أو بالحلول الذي لا يليق لجلال الله سبحانه. ومن هنا نجد الكثيرين من الذين ينتقدون أهل التصوف قد اتخذوا هذا المأخذ عليهم أساسا وبنو عليه، وهم في بعض الأحيان محقون لأن بعض أهل التصوف شطحوا في القول بما قد يخالف السنة.
ولكن الشيخ محي الدين ابن العربي رضي الله عنه قد نفى بشكل قطعي القول بالحلول أو الاتحاد، إذ قال صراحة: "من قال بالحلول فهو معلول وهو مرض لا دواء لدائه ولا طبيب يسعى في شفائه"،[3] وقال إن الحق سبحانه يتعالى عن الحلول في الأجسام،[4] وقال: "وما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد"،[5] وغير ذلك مما سنناقشه في الفصل الأخير إن شاء الله تعالى.
وفي هذا السياق يقول الشيخ محي الدين في الباب التاسع والخمسين وخمسمائة وهو الباب ما قبل الأخير من الفتوحات المكية حيث لخص الشيخ رضي الله عنه جميع الأبواب السابقة. فقال على شكل
[1] الفتوحات المكية: ج4ص153.
[2] صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، 6137.
[3] الفتوحات المكية: ج4ص379.
[4] الفتوحات المكية: ج2ص614، وكذلك: ج3ص52، ج4ص379.
[5] الفتوحات المكية: ج4ص372.