كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
ثم بلغ الخبر إلى صاحبه عبد الله المالقي فاجتمع بالشيخ الأكبر وخاف عليه وعلى أصحابه لأنه يعرف هذه البلاد وأهلها، وعاتبه على ذلك وقال له: "هذا في حق نفسك حسن، غير أن المضرة تنسحب فيه على الطائفة وهؤلاء القوم ما يحتملون مثل هذا، وقد قال بعضهم ذلّ من ليس له ظالم يعضده وضلّ من ليس له عالم يرشده." (وهو يقول ذلك من مقام الفتوة كما يبدو) فلمّا رأى الشيخ محي الدين أن الرحمة غلبت عليه في حق الناس وتشديد الأمور والأخذ بالأرجح في المصلحة الدنيوية قال له: "بئس العبد لله يستند إلى عدوّ الله، لا راعى الله العالم إذا لم يُراعوا حق الله، الله أحق." ونفض الشيخ الأكبر يده وقام فانصرف، فلقي ابن طريف وقد علم بالخبر، فقال له: "السياسة أولى"، فقال الشيخ الأكبر: "ما دام رأس المال محفوظا"، (يعني الدين)، فسكت الشيخ ابن طريف.[1]
عبوره إلى الأندلس (الجزيرة الخضراء، 595/1198)
يقول الشيخ محي الدين حسب هذا الكتاب القصير أنه لما فارق صاحبه، لم يزل يقطع المناهل بتذكاره حتى وصل إلى قصر كتامة، وهناك التقى بشيخ لم يذكر اسمه ولكنه ذكره في كتاب الدرة الفاخرة، وهو الشيخ عبد الجليل بن موسى. ثم رجع نحو الجزيرة الخضراء، فلقي بها صديقه القديم الشيخ العارف أبا إسحاق بن طريف الذي ذكرناه سابقا، وعرفه على صاحبه الجديد عبد الله بدر الحبشي، ومن غير المستبعد أن يكون رافقهم من سبتة حيث كان معهم هناك كما رأينا في الفقرة السابقة.
رندة (595/1198)
ثم سار ابن العربي إلى رندة فنزل بمحل الصوفي المحقق، الرباني المتخلق، أبو الحسن القنوني، وهو الذي قال عنه في كتاب روح القدس أنه من أهل الفتوة والمعارف السنية.[2]
وفي رندة أيضاً التقى الشيخ محي الدين بصاحبه ابن أشرف الرندي الذي يبدو أنه كان يحدث عنه صاحبه بدراً وكان دائماً يتمنى أن يراه، فيقول الشيخ محي الدين في "روح القدس" أنه لما دخل الأندلس معه ونزلا برندة وجَدا جنازة فصلّوا عليها وإذا بأبي عبد الله الرندي أمامهما فعرّفه ابن العربي عليه، فلما ذهبا بعد صلاة الجنازة ونزلوا في موضع عند بعض الأصحاب، قال عبد الله بدر الحبشي لصاحبه: "وددت أن أرى من كراماته شيئا"، فلما جاء المغرب وصلّوا أبطأ الذي نزلوا عنده بالمصباح، فقال بدر الحبشي: "أريد المصباح"، فقال أبو عبد الله الرندي: نعم، ثم أخذ بيده قبضة من حشيش من البيت الذي كانوا فيه وهم ينظرون ما يصنع، فضربها بأصبعه المسبّحة، وقال: هذا نار! فاشتعل الحشيش نارا، حتى أشعلوا المصباح، وكان يغترف النار بيده من الكانون لحاجة ما فيمسكه ما شاء الله ولا تعدو عليه وكان من الآمنين.[3]
[1] الفتوحات المكية: ج4ص540.
[2] روح القدس: ص81.
[3] روح القدس: ص74.