كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
عبد الله الشكاز أن الرجال أربعة: ((رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)) [الأحزاب: 23]، وهم رجال الظاهر، و((رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ)) [النور: 37]، وهم رجال الباطن جلساء الحق تعالى ولهم المشورة، ورجال الأعراف وهم رجال الحدّ قال الله تعالى ((وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَال)) [الأعراف: 46]، أهل الشم والتمييز والسراح عن الأوصاف فلا صفة لهم كان منهم أبو يزيد البسطامي، ورجال إذا دعاهم الحق إليه يأتونه رجالاً لسرعة الإجابة لا يركبون ((وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا)) [الحج: 27]، وهم رجال المطّلع.[1]
ويذكره أيضاً في كتاب روح القدس فيقول عنه أنه سكن غرناطة وهو بها حتى الآن (أي حتى وقت كتابة رسالة روح القدس سنة 599 في مكة المكرمة)، وقد اجتمع به الشيخ محي الدين في منزله مع صاحبه عبد الله بدر الحبشي وكانت عادة الشيخ محي الدين، كما يقول، أنه إذا دخل على أحد من شيخ أو فقير يدفع إليه كل درهم يكون عنده، لا يمسك شيئا؛ فلم يكن عنده في ذلك الوقت سوى درهم واحد، فدفعه إليه.
ويصفه الشيخ محي الدين فيقول إنه كان رضي الله عنه من أهل الجد والاجتهاد الغالب عليه الحزن والبكاء يكره المعصية كما يكره الكفر ويكره الصغيرة كما يكره الكبيرة ويحقق في مقام المحافظة، يكاد يكون معصوما، كان رضي الله عنه ليله قائم ونهاره صائم لا يقدر مريد قط على صحبته لأنه كان يطلبه باجتهاد فيفر منه، عاش وحيدا فريدا ليس عنده ولا له على النفس رحمة، يقال له عن رحمة الصحابة بأنفسهم فيقول لو لم يكن لهم إلا الصحبة متى نلحق بهم! ومن أجل ذلك نجد الشيخ محي الدين يشبهه بخاله أبي مسلم الخولاني التابعي الذي تكلمنا عنه في الفصل الثاني وكان يضرب ساقيه بالقضيب ويقول أيظن أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم أن يفوزوا به دوننا! والله لأزاحمنهم عليه حتى يعلموا أن خلّفوا بعدهم رجالا.[2]
ابن سيدبون (مرسية 595/1199)
ثم تابع الشيخ الأكبر رحلته إلى مسقط رأسه مرسية وكأنه يريد أن يلقي عليها النظرة الأخيرة، وربما قصد تصفية أموره فيها حيث أنه يعتزم السفر بشكل نهائي إلى المشرق.
وفي مرسية التقى الشيخ محي الدين بالإمام أبي أحمد بن سيدبون، الذي التقاه بوادي آش، ولم تكن حالته جيدة مع الحق مع أن أغراضه كانت حميدة كما يقول عنه الشيخ رضي الله عنه في كتاب الكتب الذي ذكرناه أعلاه، فيقول:
فلقيته بمرسية وقد أدبه الحق وهجره الخلق، مكسوف البدر خامل القدر، لا يُنظر إليه ولا يُعوّل
[1] الفتوحات المكية: ج1ص187-188.
[2] روح القدس: ص69-70.