كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
فإنه كان على صورة لا يكون عنها إلا هذا، إلاّ أنه سأل ذلك من الله فأعطاه إيّاه عن سؤال منه ولو سكت لفاز بالأمرين في الدارين لكن جهله بنفسه وطبعها الذي طُبعت عليه صورتُه التي ركّبه الله عليها جَعَلَتْه يسأل فخسر حين ربح غيره والعمل واحد، ولهذا يفرح بالعمل لأنه أشرف صفة يتحلى بها العبد.[1]
وأبو العباس السبتي هذا هو غير أحمد بن هرون الرشيد الملقب بالسبتي أيضاً (ليس لكونه من مدينة سبتة ولكن لأنه كان يعمل يوم السبت فقط) والذي التقى به (روحيا) الشيخ محي الدين أثناء طوافه حول الكعبة كما سنذكر ذلك لاحقا.
النكاح يذهب الفقر
وكان السبتي على علم بسرّ النكاح وأنه يُذهب الفقر، كما ورد في بعض الأحاديث النبوية،[2] فقد روى عنه الشيخ الأكبر في آخر الباب الموفي ستين وثلاثمائة في معرفة منزل الظلمات المحمودة والأنوار المشهودة وهو يتكلم عن العلوم المدرجة في هذا المنزل، أنه قد جاءه إنسان يشكو الفقر فقال له تزوج! فتزوج، فشكى إليه الفقر ثانية، فقال له تزوج أخرى! فتزوج اثنين فشكى إليه الفقر مرة أخرى، فقال له ثلّث فثلّث فشكى إليه الفقر، فقال له ربّع فربّع فقال الشيخ السبتي قد كمل! فاستغنى هذا الرجل ووسّع الله في رزقه ولم يكن في نسائه اللائي أخذهُن مَن عندَها شيء من الدنيا، فأغناه الله بالنكاح.[3]
علم مناسبة ترتيب آيات القرآن الكريم
وذكر الشيخ محي الدين أيضاً أن السبتي كان من الرجال القلائل الذين يعلمون المناسبة في ترتيب آيات القرآن الكريم (وليس فقط سوره). فقال في أثناء حديثه عن علم الذوق وكيف أنه في الحقيقة هو رؤية كلية ولكن الصوفي يقوم فقط بتفصيلها أثناء الكلام عنها أو كتابتها ومن أجل ذلك تجد كلام أهل الذوق مترابطا ومنتظما يدلّ جميعه على أصل واحد، وذلك بخلاف كلام المؤلفين الذين غالبا لا نعلم وجهتهم في كتبهم ولا إلى أين يريدون أن يحملوننا معهم، لأنهم أنفسهم ربما لا يعلمون وإن علموا فغالباً ما تخونهم العبارة وتشتتهم الأفكار، أما كلام أهل الذوق فهو تفصيل لأمر كلّي فيأتي مترابطاً بعضه ببعض لأنه عينٌ واحدةٌ والكلام تفصيلها. فبعض أهل الذوق يعرفون مناسبة آي القرآن وسبب مجيئها في نسق واحد وعلاقة بعضها ببعض ويعرفون الجامع بين الآيتين وإن كان بينهما بُعد ظاهر إذ لا بدّ من وجهٍ جامعٍ مناسبٍ بين الآيتين هو الذي أعطى أن تكون هذه الآية مناسبةٌ لما جاورها من الآيات لأنه نظمٌ إلهيّ. وقد كان
[1] الفتوحات المكية: ج4ص121.
[2] ورد في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " الْتَمِسُوا الرِّزْقَ بِالنِّكاحِ" أخرجه الديلمي من حديث ابن عباس، انظر كنز العمال: رقم 44436. وكذلك أخرج الديلمي من حديث عائشة مرفوعاً: "تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ بِالْمَالِ"، انظر كنز العمال: رقم 44431.
[3] الفتوحات المكية: ج3ص292.