كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
انتهت بعقد اتفاق للصلح سنة 588/1192، وتوفي صلاح الدين بعدها بقليل عام 589/1193 بقلعة دمشق عن عمر يناهز السبعة وخمسين عاما، ثم بويع لولده الأفضل نور الدين علي من بعده وكان نائبه على دمشق.
كان صلاح الدين إلى جانب هيبته وشدته رقيق النفس والقلب وكان رجل سياسة وحرب، بعيد النظر، متواضعا مع جنده وأمراء جنده. له اطلاع حسن على جانب من الحديث والفقه والأدب ولا سيما أنساب العرب ووقائعهم. لم يدخر لنفسه مالاً ولا عقاراً وكانت مدة حكمه بمصر 24 سنة وبسورية 19 سنة، وخلّف من الأولاد 17 ولدا ذكراً وأنثى واحدة.
ويذكر الشيخ محي الدين بعضاً من مناقب السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب فيقول إنه قيل له سنة إحدى وثمانين وخمسمائة لما ذكر أبو القمح المنجّم أن ريحاً عظيمة في هذه السنة تكون فلا تمرّ على شيء إلا جعلته كالرميم، فأشار عليه بعض جلسائه أن يتّخذ في الأرض سرداباً يكون فيه ليلة هبوب تلك الريح فقال صلاح الدين: ويهلك الناس! قيل له نعم، فقال: إذا هلك الناس فعلى من أكون ملكاً أو سلطاناً؟ لا خير في الحياة بعد ذهاب الملك، دعني أموت ملكاً، والله لا فعلت. فيقول ابن العربي: فانظر ما أحسن هذا.[1]
بعد وفاة الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي خلفه على مصر اثنان من أبنائه هما العزيز بن صلاح الدين الذي تولي الحكم من سنة 589 إلى سنة 595 ثم ابنه المنصور بن العزيز لسنة واحدة ليتولّى الحكم بعده السلطان العادل أخو صلاح الدين الأيوبي من سنة 596 إلى سنة 615، وهكذا انتقل الحكم من أبناء صلاح الدين إلى أخيه العادل وأبنائه، وحدث بعدها اختلاف كبيرٌ بين أبناء البيت الأيّوبي في مصر والشام وتحاربوا فيما بينهم فاستعانوا بالمماليك الذين قدموا من مختلف البلاد المجاورة وازداد نفوذ هؤلاء المماليك في عصر السلطان الصالح بن الكامل نجم الدين أيوب، إلا أن السلطان نجم الدين الأيوبي توفي سنة 647 وهو يحارب الصليبيين فاضطرت زوجته شجرة الدرّ لإخفاء موته حتى انتصر المسلمون على الصليبيين في موقعة المنصورة ثم فارسكور سنة 647 ثم تقلدت شجرة الدرّ الحكم بعد أن تخلصت من توران شاه ابن الصالح نجم الدين الأيوبي سنة 648، وهكذا انتهى حكم الدولة الأيوبية في مصر بعد أن حكموها إحدى وثمانين سنة ليبدأ بعد ذلك عصر المماليك.
انحسار النيل وحدوث المجاعة في مصر (597/1200)
مع بداية سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر في سنة 597/1200 قبل شهور من قدوم الشيخ محي الدين إليها، حدث انحسار كبير لمياه النيل، ولم يُعهد ذلك في الإسلام إلا مرّة واحدة في دولة الفاطميين، ولم يبق منه إلا شيء يسير؛ واشتد الغلاء والوباء بمصر، فهرب الناس إلى المغرب والحجاز
[1] الفتوحات المكية: ج2ص264.